"زورونى كل سنة مرة..حرام تنسونى بالمرة" لا تكاد تخطو خطوة فى شوارع حي "كوم الدكة" بالإسكندرية مسقط رأس الفنان الراحل سيد درويش، إلا وتجدها تصدح بأشهر أغانيه، وتتزين بصوره ولوحاته المنحوتة على حوائط الحى، والمقاهى الشعبية التى تشهد كل مساء سهرة من محبى الفنان، ليعلن ذلك استمرار وجوده بين سكان المنطقة على الرغم من مرور حوالى قرن على رحيله.
و"كوم الدكة" هو حى مختلف عن باقى أحياء الإسكندرية، حيث يتوسط المدينة فيشطرها إلى قسمين، أحدهما يضم أحياء منطقة وسط البلد الراقية، بينما يضم القسم الثانى أحياء المدينة القديمة، وهو من أشهر الأماكن الأثرية القديمة بالثغر، والمرشحة لأن تكون على قائمة التراث العالمى بمنظمة اليونسكو.
وظل منزل "فنان الشعب" فى كوم الدكة مهملاً لسنوات طويلة، لدرجة وصلت إلى أن محبيه من أهالى الحى لم يجدوا مكانًا يرقى بإحياء ذكراه إلا الشوارع المحيطة بمنزله المهجور فى كوم الدكة، ذلك المنزل القديم الذى تحول إلى مقلب للقمامة وتعاطى المواد المخدرة، واستغلال المحلات لجدرانه فى وضع بضائعهم.ومع اقتراب موعد إحياء ذكرى ميلاد سيد درويش فى 17 مارس من كل عام، إلا أن منزله ما زال يحوطه الإهمال، ورغم كل المحاولات التى يبذلها محبو سيد دروش مع مسؤلى الثقافة فى إحياء وترميم المنزل، إلا أن هناك تجاهلًا فى البدء فيه بدون أسباب واضحة، ويكتفى محبوه بإقامة احتفالية بساحة كوم الدكه بحضور المئات من الشباب ومحبى درويش بإحياء تراثه وأغانيه من جديد فى ليلة فى حب "سيد درويش".
ولم يتبق من منزل الفنان الراحل بعد أن تحول إلى "أطلال تبكى" سوى أطلال تصمد منها الحوائط الخارجية الأربعة وباب خشبى قديم أغلق بأغلال حديدية، وتحولت ساحته من الداخل إلى "خرابة"، فيما أصبحت الجدران "منشر غسيل" والجزء الخلفى مخزنًا للخشب، وأحيط بالإهمال من كل جانب.وأكد أهالى منطقة كوم الدكة أن الحالة التى وصل إليها المنزل الذى بات مقلبًا للقمامة تمثل إهانة لذكرى فنان الشعب من جانب المسؤولين، الذين تجاهلوا إعادة ترميمه، لافتين أن المنزل على هذه الحالة منذ أكثر من 20 عامًا، مشيرين إلى أن البيت عاد إلى حيازة مالكيه منذ سنوات، وأنه منذ ذلك الحين تحول إلى "خرابة" فى أعقاب انهيار سقفه.وأوضح الأهالى أن المنزل انهار بالكامل منذ سنوات ولم يتبق منه سوى بعض الجدران، منوهين أن البيت لم يكن ملكًا لسيد درويش، وكان الأخير مستأجرًا مثله مثل كل المصريين فى هذا الزمن، وهو ما جعل مالكى المنزل يستحوذون عليه مرة أخرى، إلا أنهم تركوا الأرض على وضعها طيلة السنوات الماضية، ليتحول إلى صورته المهملة حاليًا.
وأضاف أهالى المنطقة أن المنزل المهجور نشبت داخله العديد من الحرائق نتيجة اشتعال القمامة المتراكمة داخله، والتى يتم إطفاؤها بمساعدة الأهالى، ويبقى المنزل حاليًا مأوى للفئران والحيوانات الضالة، فيما يُستغل فى الأعياد كحظيرة للماشية "الخراف والماعز" التى يتم ذبحها فى عيد الأضحى.ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن شارع "سيد درويش" الممتد من مدخل منطقة كوم الدكة وينتهى بالمنزل يعانى من الإهمال أيضًا، خاصة أن المكان مقصد زوار كثيرين من مصر والعالم العربى ممن هم مهتمون بالحركة الثقافية والفنية.
ويثير المشهد الأخير لبقايا حطام منزل سيد درويش مشاعر الحزن والأسى لمتابعى وعاشقى الحركة الثقافية والفنية فى مصر عامة وفى الإسكندرية خاصة، حتى لغير المصريين من عاشقى تراث الفن المصرى.وطالب الأهالى المسؤولين بإبقاء تاريخ سيد درويش فى المكان من خلال تحويل منزله إلى متحف، تعرض فيه جميع مقتنياته ولوحاته وصوره، بالإضافة إلى أسطواناته وألحانه، لافتين أن للمكان فضل كبير فى توافد السياح والمواطنين والفنانين عليه من كل صوب وحدب رغبة فى معرفة تاريخ درويش من أهله وجيرانه، مطالبين بإلقاء نظرة على المنزل.
أحمد درويش، رئيس الإدارة المركزية لإقليم غرب ووسط الدلتا، قال إن وزارة الثقافة تقوم على إحياء ذكرى سيد درويش، شهريًا من خلال إقامة حفلات وندوات مستمرة فى قصور الثقافة، بالإضافة إلى المشاركة فى المهرجان السنوى الذى يقام فى ذكرى الراحل بمنطقة كوم الدكة.وولد سيد درويش بمنطقة كوم الدكة عام ،1892 وكانت له أعمال فنية استطاعت أن تحفر فى أذهان المصريين ذكريات عديدة منها ثورة 1919 والأحداث السياسية الهامة والنشيد الوطنى المصرى، حيث كانت مدينة الإسكندرية هى ملهمته فى الألحان والأغانى التى كان يجلس على المقهى المجاوره لمنزله ويصطحب عوده ويندمج فى الألحان ليخرج أفضل ما لديه.نقلا عن العدد الورقي.