القيم المصرية فى "صولو الخليفة" ( 1 )

المكان أيقونة ثقافية ومرجعية تاريخية فى العمل الأدبى، وهو ما بدا واضحًا فى مجموعة "صولو الخليفة" للقاص الأستاذ شريف عبدالمجيد، حيث أبدع هذا القاص فى حكيه عن المكان وعن شارع الخليفة، الذى عاش فيه فترة من الزمان، كانت له فيها حكاياته مع الأحبة والأصدقاء والكبار والصغار، فنشأ يعرف أن المصرى لديه قيم لا يحيد عنها حتى لو كان فى أحلك الظروف.

ولأن الكاتب يعشق التصوير الفوتوغرافى فهو قادر على التقاط الصور وتجسيدها أمامنا كما فعل فى قصصه المختلفة، فقد عزف فى هذه المجموعة الرائعة على وتر الشخصية المرتبطة بالمكان من خلال تعالقات الزمان بالمكان، أى تعالق الأحداث التى عاشها أو التى رأها بعينيه وهو فى سن مبكرة، ثم يأتى الآن ليعبر عنها بطريقة أدبية، ليحاول إظهار شهامة ابن البلد والروح المختبئة بداخل الإنسان المصرى الذى عاش فى مثل تلك الأماكن، ومن ثم فقد مثل شارع الخليفة المصدر والانطلاقة الحقيقية للكاتب فى هذه المجموعة، ففى "صولو الخليفة"، والتى تعتبر "متوالية سردية" نراه يعزف فيها أيضًا على تلك الروح المصرية الأصيلة المحبة للفن والجمال والثقافة والفهم لمجريات الحياة، فهذا كمال المحب للفن والغناء والطرب تعلو روحه وتسمو، ونرى فى هذه القصة "عزف منفرد"، التى بنى الكاتب الحدث فيها على فكرة التراث وإعلاء شأن الفن، فكمال كان من المحبين لعبدالمطلب، رغم أنه فنان، ولكنه لم يأخذ مكانته، فقد كان فى معظم الأغانى الوطنية والمعبرة عن الأمة العربية مثل "وطنى حبيبى الوطن الأكبر"، وهو يأسف على فعل الزمن؛ لأن صوته لا يقل عن أصوات مطربين كبار نحو محمد فوزى وعبدالغنى السيد وعبدالحليم وفريد الأطرش، ومحمد رشدى، ويحاول الكاتب تبيان من هو كمال هذا، ليخبرنا بأنه من حى الخليفة، الذى كان يعيش فيه، وكان فى الأغنية الشهيرة التى غنتها الفنانة "إلهام بديع"، التى تقول فى أولها "يا حضرة العمدة ابنك حميدة حدفنى بالسفندية"، وهى أغنية من الفلوكلور الشعبى، وهنا يبدو لنا أن الكاتب يحاول تكثيف الحدث المبنى على فكرة الماضى القريب الذى عاشه فى ذلك المكان، وكأنه يقول من بين السطور أنا عشتُ فى هذا المكان الذى عاش فيه هذا الفنان، وهنا إعلاء أيضًا لفكرة المكان وحب المكان وما أسميه عبقرية المكان، وكان لتعالقات الزمان بالمكان الأثر الواضح فى هذه المجموعة القيمة، والتى عبر فيها عن ذلك الحب والعشق المكانى، فحين ترك الكاتب شارع الخليفة، ليسكن فى غيره حاول أن يتذكر ذلك الماضى، أى أنه يتذكر الزمن الماضى مع المكان، وكذلك الأحداث، وكلما ارتبط الكاتب بما عاشه كانت تعبيراته صادقة ومعبرة، وهو ما لمسناه فى هذه المجموعة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً