يبدو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يجد الحل قريباً، فقد عين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر في منصب مستشار ووسيط للسلام في المنطقة.
والمستشار الشاب، الذي لمع في عالم الأعمال، غير معروف في الأوساط السياسية والاقتصادية الإسرائيلية كما أنه "لغز كبير" بالنسبة للفلسطينيين، بالإضافة إلي أنه مبتدئ في عالم الدبلوماسية.
يوصف جاريد كوشنر بأنه هادئ في كلامه وخجول أمام الكاميرات، وهو مليونير يبلغ من العمر 36 عاما، ويتولى أعمال أسرته في مجال العقارات،كما أنه ناشر صحيفة "الأوبزرفر" التي تصدر في نيويورك.
ولعب كوشنر دوراً مؤثرا في حملة ترامب الانتخابية، وشارك في اجتماعات مهمة مع القادة الأجانب خلال الفترة الانتقالية.
وجاريد كوشنر يهودي أرثوذكسي، وحفيد لناجيين من المحرقة النازية، ونشأ في ليفنغستون بمدينة نيوجيرسي، ودرس علم الاجتماع في جامعة هارفارد.
وكان والده أيضا من أقطاب العاملين في مجال العقارات، وسُجن عام 2005 لتهربه من الضرائب، ومساهماته في حملات انتخابية بشكل غير قانوني، وشهادة الزور. وكان وراء سجنه النائب العام لنيوجيرسي آنذاك، كريس كريستي.
ويتردد أن كوشنر لعب دورا رئيسيا في الإطاحة بكريستي من حملة ترامب الانتخابية العام الماضي، وكان كريستي حاكما لنيوجيرسي في ذلك الوقت.
ولا تقف تفسيرات زيارة كوشنر للشرق الأوسط عند الخلافات بشأن رؤية الإدارة الأميركية "للعملية السلمية" في المنطقة بين مساعي إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وإدارة خلفه الرئيس دونالد ترامب، بل تمتد إلى الحديث عن تباينٍ في أسلوب إدارة الملفات الخارجية الأميركية بينهما.
فالاضطراب الواقع بين الإدارة الرئاسية الحالية والمؤسسات الرسمية ساهم في إعطاء أهمية لدائرة "الثقة والولاء" والتي تتكون من مساعدي الرئيس ترامب ومستشاريه، حتى أضحى بعضهم يتمتع بصلاحيات وزراء، بحكم الأمر الواقع.
وعلى العكس من ذلك، فعلى الرغم من التخبط الذي ساد في منصب مبعوث السلام في الولاية الأولى، بتعيينه الديمقراطي جورج ميتشل، الذي وسمه بأنه "رجل المهمات" وصاحب المهارات "الخارقة" في التفاوض، وخليفته المؤقت ديفيد هيل، مساعد مادلين يرى ترامب أن تعظيم مصالحه والاستفادة من ترتيبات "العملية السلمية" يكون بعقد صفقةٍ مع الدول العربية الساعية إلى التطبيع" أولبرايت السابق.
ووصولًا إلى مارتن إنديك الباحث السياسي البارز في معهد بروكينغز في واشنطن، إلا أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حافظت على أهمية دورها في المنطقة.
وهذا لا يعني نجاح إدارة إدارة أوباما ملف السلام في المنطقة، فحماسته وإصراره الدبلوماسي في الفترة الأولى، قابلهما انسحاب تدريجي من المنطقة، وصولًا إلى انهزامٍ أمام عناد بنيامين نتنياهو مع نهاية ولايته الثانية، بتقديمه أكبر هدية أميركية في تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، عندما رفع قيمة المساعدات العسكرية من 3.1 مليارات دولار إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا، وعلى مدى عشر سنواتٍ تنتهي في العام 2028.
وفي المقابل، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب البحث عن مقاربةٍ جديدةٍ لإدارة ملفاته الخارجية، وملف عملية السلام تحديدا، خارج صلاحيات وزير خارجيته ولأفرادٍ يشغلون مناصب استشارية، لا يمتلك بعضهم الخبرة والدراية الدبلوماسية.
ففي إطار التطورات في المنطقة، عاد الحديث عن إرسال صهره كوشنر فاقد الخبرة السياسية إلى جانب طاقمه للمرة الثانية بعد الزيارة في يونيو الماضي، والذي صرح أخيرا بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بأنه "قد لا يكون له حل، وأن الوضع قابل للانفجار، ولا أعرف ما إذا كان بالإمكان الحفاظ على الهدوء الراهن"، وقال "لا نريد درسا في التاريخ، فقد قرأنا ما يكفي من الكتب".
وفي سياق متصل خارج إطار المنطقة، أثنى ترامب على ابنته ومساعدته، إيفانكا، خلال لقاء مجموعة العشرين، بعد جلوسها فترة وجيزة جنبًا إلى جنب مع قادة المجموعة لتناقش قضية التنمية الأفريقية، عندما غادر الرئيس القاعة لعقد اجتماعات فردية، وقبل الرئيس الأميركي دعوة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للزوجين المؤثرين داخل البيت الأبيض، إيفانكا وكوشنر لزيارة بكين، بصفة الأخير مُكلفا بإدارة العلاقات مع الصين إلى جانب ملف "العملية السلمية" في المنطقة.
وفي مقابل ذلك، تماشى بمبدأ التوازن في العلاقة مع تدخلات المؤسسة الأمنية بصلاحياته، عندما قام بتعيين مستشاره للأمن القومي، هربرت ماكماستر، وأوكل إليه مهمات عديدة، أهمها إدارة العلاقة مع روسيا.
وبالعودة إلى زيارة كوشنر المنطقة، يبقى إرسال ترامب زوج ابنته وطاقمه للحديث حول "العملية السلمية" والتعديلات التي تطلبها الإدارة الإسرائيلية لاتفاق خفض التصعيد وتطورات الوضع في سورية والأزمة الخليجية، والتي عادةً يقوم بها وزير الخارجية، مؤشرًا جديدًا على حجم الاختلاف في المواقف بين الطرفين، بشأن بعض القضايا الخارجية، وإمعانًا جديدًا في تقييد صلاحيات الوزير ريكس تيلرسون، وهذا ما ظهر عندما رفض طلبه بتعيين أفرادٍ في وزارة الخارجية، إما لأنهم ديمقراطيون أو لانتقادهم سياسة ترامب في أثناء حملته الإنتخابية، وقد وصل تحجيم مطالب تيلرسون إلى الطلب عبر البيت الأبيض تقليل ميزانية وزارة الخارجية.
وفي إطار توضيح التضارب في طريقة إدارة الملفات الخارجية بين الإدارتين، فإن ترامب الذي يواجه أزمة داخلية تتعلق بقضية العلاقة مع روسيا خلال الحملة الانتخابية وقانون الرعاية الصحية وتصريحاته حول حادثة تشارلوتسفيل، يسعى إلى تثبيت مستشاريه في إدارة ملفاته الخارجية.
وفيما يتعلق بالمنطقة، يسعى إلى تمكين كوشنر من الولاء، حيث يعرف أنه يستطيع أن يثق في صهره ليخدم جدول أعماله، على الرغم من معرفته أيضًا أن كوشنر لا يمكنه أن يقدم شيئًا لوزير خارجيته تيلرسون، إلا الاطلاع ومعرفة تفاصيل سرية في هذه الملفات الخارجية وإجراء مناقشات حساسة من دون تأثيرٍ من وزارة الخارجية، وهذا تطور غير مألوفٍ في البيت الأبيض.
لا تشكل عودة كوشنر وطاقمه إلى زيارة الشرق الأوسط اهتمامًا من الرئيس ترامب بإيجاد حلٍ عادلٍ، فشلت في إيجاده الإدارات الأميركية السابقة، ففاقد الإدارة والإرادة يحيط نفسه .
وتدل تصريحات كوشنر وطاقمه على ضعف المعرفة بالقضية الفلسطينية، والتماهي مع سياسات وممارسات صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه مشكلات قانونية بقضايا فساد، والتقارب العلني المسبوق مع مساعي دول عربية في التطبيع مع إسرائيل، وتجريم حق الفلسطينيين بالمقاومة، والذي بات أمرًا واقعًا منذ أحداث المسجد الأقصى، وعلى لسان مسؤولين سعوديين وبحرينيين وتسريبات إماراتية.
ويأتي ذلك في ظل سلطة فلسطينية مهترئةٍ، ومتماهيةٍ مع مطالب الإدارة الأميركية، وتدور حول نفسها في حلٍ غير مُجدٍ إلا لمن هم داخل أسوار مقاطعة رام الله، وذلك لتحافظ على مصالحها، فقد أصبح جل اهتمامها اتخاذ خطواتٍ عقابية تجاه قطاع غزة، بدأت بحسم ما يزيد عن 30% من الرواتب وتقليص الكهرباء والقرار بإحالة 7000 موظف مدني للتقاعد من وزارتي الصحة والتعليم، وليس انتهاءً بإعادة رواتب أسرى الضفة الغربية واستثناء أسرى غزة.
هنا، يسود اعتقاد بأن رؤية ترامب الخارجية بنكهة "المال والأعمال"، والتي تشوبها الفوضى، نظرًا لإقالات عديدة، تسعى إلى تشكيل حكومةٍ خارجيةٍ، تتعدى دور وزير الخارجية، تبدأ من دائرة "الولاء والثقة" لمستشاريه ومساعديه، لذا لن يتوانى ترامب عن الاستغناء عن أي مستشار لا يحقق مصالحه.
ويرى الرئيس الأميركي، بخصوص الشرق الأوسط، أن تعظيم مصالحه والاستفادة من ترتيبات "العملية السلمية" يكون عبر عقد صفقةٍ مع الدول العربية الساعية إلى التطبيع، فهذه الدول تعتبر أن التطبيع مع إسرائيل والترويج "للعلمانية السلطوية" ودعم أنظمة الثورات المضادة والتحالف مع ترامب سيُشكل لها طوق النجاة لمواجهة طوفان تحدياتها.
ترحيب إسرائيلي بتعيين كوشنر وسيطاً للسلام
جاريد كوشنر من عائلة يهودية أرثوذكسية، وهي الطائفة التي تشكل 27% من اليهود الأميركيين.
وفيما صوت عدد قليل من يهود أميركا لمصلحة دونالد ترامب، حازت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على نحو 70% من أصواتهم.
والأرجح أن قرار ترامب إعطاء صهره صلاحيات واسعة في لجنة تشكيل الفريق الحكومي والوظيفي لإدارته، وإبراز دوره، يخدم استراتيجيته في الرد على موجة الانتقادات الواسعة التي أثارها تعيين شخصيات يمينية متهمة بمعاداة اليهود والأقليات في مناصب عليا في البيت الأبيض.
وقد أبدى اليمين الإسرائيلي ارتياحه لفوز ترامب بالرئاسة، ورأى في ذلك فرصة لتسريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وصولاً إلى القضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، كما رحب قياديون في اليمين الإسرائيلي بتعيين كوشنر وسيطاً للسلام، واعتبروا ذلك في مصلحة إسرائيل.
وقال ترامب في مقابلات عدة، إن زوج ابنته الكبرى إيفانكا، يمكن أن ينجح حيث باءت جهود مفاوضي السلام الأكثر منه خبرة بالفشل.
ولكن الواقع يبدو مختلفاً بعض الشيء، فقد تناقلت الأنباء أن اللقاء الوحيد لوسيط السلام المعين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان عندما كان طفلاً، وكان ذلك عندما زار نتنياهو والده.
بالطبع، كان هناك لقاء مهم آخر قبل عامين بين كوشنر ومسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، والأمر يتعلق بعمدة القدس نير بركات.
عقد الصفقات
وفي تصريحات لمجلة "بيلد" الألمانية قال ترامب تعلمون جيداً أن جاريد رجل جيد وسيتوصل إلى اتفاق لن يستطيع شخص آخر التوصل إليه، وأضاف حقاً، إن لديه موهبة طبيعية إنه الأفضل بالطبع، ولديه قدرة فطرية على عقد الصفقات، والجميع يحبه.
ويبدو أن احتضان الرئيس الجديد لكوشنر، يعكس ملاحظة من قبل الدبلوماسي الأميركي المخضرم وزير الخارجية السابق، هنري كيسنجر، وهي أن مثل هذه القرارات لا تخضع دائماً للمنطق.
وقال كيسنجر، إن كل واحد من الرؤساء الذين عرفتهم، لديه شخص أو شخصان يثق بهما بشكل حدسي، وأضاف "قد يكون جاريد هذا الشخص".
ولقي دور كوشنر، الذي تمت مناقشته منذ فترة طويلة، ترحيباً وراء الكواليس من قبل حكومة نتنياهو.
قلق شديد
في المقابل، يعبر مسؤولون في السلطة الفلسطينية عن قلقهم الشديد إزاء الروابط العائلية بين وسيط السلام الجديد وحركة الاستيطان التي يشرف عليها اليمين المتطرف في إسرائيل.
وتعليقاً على غياب الخبرة المباشرة للوسيط المعين، قال مفاوض السلام الأميركي السابق للشرق الأوسط، دنيس روس، الأسبوع الماضي، إنه يتعين على "كوشنر أن يكون سريع التعلم".