في الموصل.. روائح الجثث المتعفنة تؤرق مضاجع الناجين.. رجل خمسيني يروي قصة الحياة بعد تنظيم داعش

كتب : سها صلاح

في حي القليعات بـ"المدينة القديمة" غربي الموصل العراقية، حيث يسود دمار هائل، يزيح الرجل الخمسيني، عزت محي الدين، بعض الأنقاض الخفيفة من أمام منزله، على أمل أن يعود إليه ويبدأ حياة جديدة بعيدًا عن الحرب وتنظيم داعش.

ويقول "المشكلة ليست بهذه الأنقاض أو الخردوات الحديدية فحسب، والتي يمكن إزالتها بسهولة، لكن هناك مشكلة مزعجة".

تلك المشكلة، بحسب الرجل الخمسيني، تتمثل في "الروائح الكريهة المنبعثة من منزل جاري المدمر، فلا يمكننا البقاء في المنزل ولو لوقت قصير في ظل تلك الروائح".

وبعد تنهيدة، أوضح المتحدث "ربما هي رائحة جثث جيراني، الذين قضيت عدة عقود جارًا لهم، لأنني لم أسمع أي شيء عنهم منذ تحرير المدينة، وربما تكون جثث لعناصر داعش الذين قضوا بسبب ضربة جوية مثلًا".

حديث محيي الدين عن رائحة الجثث، يأتي رغم مرور أكثر من 40 يومًا على إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في العاشر من شهر يوليو الماضي، اكتمال استعادة الموصل، مركز محافظة نينوى، من تنظيم "الدولة"، بعد حملة عسكرية، بدأت 17 أكتوبر الماضي.

محي الدين، ليس وحده الذي يشكو هذه المعضلة، حيث تنبعث الروائح الكريهة من أزقة قديمة فيها آثار دمار، في حي "الشهوانية" المجاور بالمدينة القديمة أيضًا.

فبين ركام مكون من بقايا قضبان حديدية وكتل خرسانية، تقف أم عمر، السيدة الأربعينية في منطقة "حضيرة السادة" بحي "الشهوانية"، وتقول: "لا نعلم من سيقوم برفع هذا الخراب في هذه الأزقة الضيقة".

وأضافت "ربما سيقومون بفتح الأزقة بالآليات الثقيلة كي يتمكنوا من ذلك، وهذا يعني المزيد من الخراب".

و"المدينة القديمة" هي الأكثر تضررًا بحرب الموصل، نتيجة أزقتها الضيقة التي يتعذر على المركبات العبور فيها وتلاصق بيوتها القديمة المتداعية، حيث انهارت أكثر من بناية سكنية على رؤوس أصحابها، جراء الضربات الجوية، بحسب مصادر متطابقة تحدثت في وقت سابق.

كما أنها كانت آخر معقل يدافع عنه التنظيم قبل أن يخسره بصورة نهائية في العاشر من الشهر الماضي، ليسدل الستار عن حكم التنظيم للمدينة على مدى ثلاث سنوات بالموصل.

وتقول أم عمر "المشكلة هنا ليست بالأنقاض فقط، فنحن نخشى العبوات الناسفة كما نخشى من وجود جثث لمدنيين أو لعناصر داعش تحت الأنقاض".

وبينت أن الروائح باتت مزعجة جدًا، وبخاصةً مع ارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف القائظ"،وغالبًا ما تتجاوز درجات الحرارة في أغسطس في مدينة الموصل 45 درجة مئوية.

وقال بحسرة مؤلمة الناشط المدني الموصلي إياد حسين الحيالي إن العديد من سكان الأحياء القديمة في مدينة الموصل من العائدين إليها، يشكون من روائح كريهة تفوح من تحت الأنقاض حتى اليوم.

وأضاف "نحن لا نستبعد وجود عشرات الجثث تحت تلك الأنقاض، بعضها يعود لقتلى تنظيم داعش وبعضها يعود لمدنيين"، مشيرًا إلى أن الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة ساهم بانتشار الروائح الكريهة.

ولفت الحيالي إلى أن الأخطار الأخرى التي يواجهها العائدون لمنازلهم بالموصل القديمة تتمثل بالعبوات الناسفة والأجسام غير المنفلقة "غريبة يشتبه بكونها عبوات ناسفة" الموجودة تحت الأنقاض.

وقال الطبيب المتخصص في الأمراض التنفسية والمعدية عزيز فارس السندي إن تحلل جثث الموتى في العراء وتحت الأنقاض له أخطار مباشرة وغير مباشرة على صحة الإنسان بشكل خاص وعلى البيئة بشكل عام".

ومن المحتمل أن عدم معالجة جثث الموتى المكشوفة والمتحللة أن يؤدي إلى انتشار أوبئة قد تتحول إلى مشكلة صحية تصيب المئات وربما أكثر".

ووفق السندي، فإن أمراض من قبيل الكوليرا والحمى الوبائية، إضافةً إلى أمراض جلدية من أبرزها اللشمانيا الذي قد يصيب الإنسان جرَّاء تعرضه للدغ البعوض أو الذباب الذي سبق أن تغذى على جثث الموتى المتحللة غير المدفونة، وهذه الأمراض يمكن أن تؤدي لموت الإنسان ما لم يتلق العلاج اللازم.

وأكثر الفئات عرضة للإصابة بالأمراض بسبب الجثث المتحللة غير المدفونة، وفق السندي، هم "الأطفال وكبار السن بسبب ضعف أجهزة المناعة لديهم".

ودعا السندي الأجهزة المختصة في الدولة إلى عدم الاكتفاء برفع الجثث من مواقعها، وأن يتم رش المطهرات والمعقمات في أماكن وجودها، مع ضرورة تهوية الغرف التي كان فيها جثث، والعمل على إيصال أشعة الشمس إليها قدر المستطاع لنحو أسبوع على الأقل.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً