ناس ملهمش عيد.. حكايات الوجع والنسيان داخل دور الأيتام تبدد فرحة الصغار عمال تحت الشمس فى العيد.. وخلى السلاح صاحى شعار حماة الوطن فى العيد

تعلو تكبيرات الجوامع وساحات الصلاة، "الله أكبر كبيرًا.. والحمد لله كثيرًا"، رائحة العطور تمتزج مع ندى الساعات الأولى للصباح، الجميع يرتدى ملابس جديدة والابتسامة تعلو الوجوه، ويتبادل المارة التهنئة، بينما يحتفل الجميع بالعيد، يظل عدد من الفئات الموجودة فى المجتمع، لا تستطيع الاحتفال مثلهم بسبب "لقمة العيش" أو الحرمان من الأهل، أو حماية الحدود.

"أهل مصر" تسرد فى هذا التقرير، قصصًا من حياة أشخاص أجبرتهم الظروف على عدم الاحتفال بالعيد..

فى الوقت الذى يخطط فيه "م.ك"، مسؤول إحدى الجمعيات الخيرية لرعاية الأيتام، لوضع برنامج مميز للأطفال فى العيد، يجلس "محمد" الطفل، البالغ من العمر عشر سنوات، يفكر فى طفولته التى يقضيها فى بيت واسع بين العديد من الأطفال، الذين فقدوا والديهم مثله تمامًا، ويرسم بخياله يومًا مميزًا له وسط عائلته الصغيرة، ولكنه يعود إلى الواقع على صوت "م.أ"، الأم البديلة، "محمد يلا عشان الدار جابت لبس العيد قوم اختار هتلبس إيه؟".. ليقف صفًا مع غيره من الأطفال يتهافت كل طفل على الوقوف أولًا ليختار ما يحلو له من ملابس العيد.

وفى أحد أركان الغرفة، يقف مصطفى البالغ من العمر 18 عامًا، يتذكر العيد الماضى، عندما نظمت الدار حفلا فى المركب النيلى، ثانى أيام العيد، وتمنى فى ذلك الوقت أن يجد عروس النيل التى تحقق له أمنية العيش وسط عائلة مستقرة، ويفكر فى العيد الذى سيحل عليه فى غضون ساعات، تاركًا الاحتفال وراء ظهره، فعقله مشغول فى تكوين أسرة يجد فيها الأمن الذى يفتقده فى الدار.

ويروى "م.ك"، المسؤول عن الدار، أن الدار تحتضن الأيتام إلى سن 24 سنة، وذلك عكس ما تنص عليه لائحة وزارة التضامن الاجتماعى، التى تسمح لدور الأيتام، بترك الطفل ببلوغه سن الـ18 عامًا، ويقول: "الأطفال هنا بيتربوا معانا من سن يوم.. إزاى لما يكون فى سن المراهقة اللى هو 18 سنة أخرجه للدنيا وهو مش عارف حاجة".

ويتذكر المسؤول موقفًا قد مر عليه منذ عدة سنوات، فيقول: "فى مرة ولد طلع من الدار وكان 24 سنة وبعد كام يوم اتسرق.. جه لينا تانى واحنا اللى بلغنا وجبناله حقه.. ولاد الدار عارفين إن ملهومش عيلة غير هنا".

ويتابع "م.ك"، أن الدار يمنح كل طفل شقة فى إحدى المدن الجديدة، كدفعة أمل لبدء حياة جديدة، بجانب العائد المادى الذى يحصل عليه من الدار، من خلال التبرعات، موضحًا أن تلك الأموال تساعد اليتيم على الزواج وبدء حياة أسرية، تزيل ما ترسب فى خياله عن حياته داخل الدار بدون عائلة حقيقية.

ويستكمل حديثه قائلًا: "فى العيد للأسف بنبقى مشغولين والأطفال فى الدار بيحتاجوا لجو عائلى أكتر من الاحتفال واللحمة.. وللأسف الأمهات البديلات مبقاش كتير بيقبلوا يشتغلوا بفلوس قليلة خصوصًا أن التبرعات قلت بارتفاع الأسعار".

وتروى "ج.ر"، مديرة دار أهالينا، للأيتام والمسنين، أنها تستقبل الأيتام منذ اليوم الأول، والدار لديها العديد من الأطفال الذين لا يزال آباؤهم وأمهاتهم على قيد الحياة، ولكنهم منفصلون، وأكملت قائلة: "الدار فيها بنات وولاد.. ومن عمر يوم بناخد الأطفال.. فيه منهم اليتيم وفيه اللى أهله بيحطوه فى الدار عشان مش عارفين يتحملوا المسئولية".

وتابعت مديرة الدار، قائلة: "فى العيد الأطفال بينزلوا يصلوا، وبعدها بييجى اللى عايز يزورهم يقعد معاهم فى الدار أو يخرجوا، بس لازم مشرفة من الدار تكون مع الأطفال.. الأول كان الطفل بيطلع مع العائلات وبيقضى معاهم أيام، بس وزارة التضامن منعت إن ده يحصل تانى وللأسف الأطفال تعبوا من القرار ده لأنهم كانوا بيفرحوا فى الجو العائلى".

"فى العيد ماما رانيا بتيجى تقعد معايا أنا وإبراهيم وعلاء وبتقضى معانا اليوم كله، بس أنا عايز ماما تكون ليا لوحدى"،.. بهذه الكلمات عبر "عبدالله" عمر 10 سنوات، عن العيد الذى يعيشه مرتين فى العام داخل الدار، معتبرًا أن العيد لا يوجد له معنى بدون عائلة حقيقية.

وتقول "عائشة" الطفلة ذات العيون العسلية الكبيرة التى يلقبها من بالدار بـ"سندريللا"، نظرًا لجمال عينيها وشعرها، "ياريت لو بابا ييجى ياخدنى أقعد معاه فى العيد بس.. لكن هو على طول مشغول ومقعدنى هنا مع ناس كتير أنا معرفهمش"، مضيفة: "أنا عرفت من الأبلة فى الدار أن ماما ماتت وبابا جابنى هنا، عشان هو سواق على عربية كبيرة ومش بيقعد فى البيت كتير.. بس أنا نفسى أقضى العيد زى ما بشوف البنات مع مامتهم وباباهم فى صلاة العيد".

أما عن "م.أ" ذات الشعر الأبيض، التى مر على مكوثها فى الدار 7 أشهر، فتقول: "أنا جيت هنا عشان أبعد عن معاملة ولادى الوحشة ليا، وبدفع ألف جنيه فى الشهر للدار مقابل الخدمة والأكل والنوم"، مضيفة: "عيد إيه اللى أفرح بيه وولادى كانوا بيعتبرونى خدامة عندهم مش أمهم".

"أنا ولادى جابونى هنا من 3 سنين عشان اتجوزوا ومحدش فاضى ليا، والعيد فرحة للعيال الصغيرة مش لرجل عجوز زيى مستنى موته"، كان ذلك "ك.ع"، أب لثلاثة أولاد وجد لأربعة أحفاد، ولكنه منذ أن جاء إلى دار الأيتام تاركًا أولاده وأحفاده وهو مصاب بالاكتئاب، حسبما روت مديرة الدار "ر.ر"

-عمال تحت الشمسوتحت أشعة الشمس الحارقة، يجلس "ص.أ"، عامل النظافة، بجانب شجرة كبيرة يحتمى بظلها من حرارة الجو، فهو اعتاد حرارة الجو العالية والمنخفضة، ولكن لم يعد يقدر على العمل المتواصل بعد أن هاجمه المرض فى إحدى الليالى التى كان ينظف فيها الشارع، فقد كان ذلك العيد الماضى، وبالرغم من ذلك أصر أن يكمل عمله، للحصول على مرتبه كاملًا، حتى يستطيع أن يشترى متطلبات منزله وأطفاله فى العيد.ويروى عامل النظافة خطته عن العيد، فيقول: "أنا بنضف الشوارع فى العيد وربنا ساعات بيرزقنى باللى يدينى كيس لحمة أو جلد خروف أبيعه أو حد يمد إيده فى جيبه ويدينى صدقة.. هعمل إيه مرتبى مش بيكفى حاجة وأنا زبال على قد حالى، ولازم أفرح عيالى بالعيد عشان كسرة النفس مش قليلة.. ومش عايز عيالى يتكسروا زيى".وفى مكان آخر يقف "س.م" ينتظر من يختاره من وسط العشرات من رافعى الطوب فى المبانى تحت الإنشاء، فهو عامل يحمل الطوب على أكتافه يوميًا ليصعد به درجات السلم الذى ما زال تحت الإنشاء، ليصل بهم إلى الشقق، التى يجرى تجهيرها، فلا يفرق بين الأيام العادية وأيام العيد، فالبحث عن "لقمة العيش"، لا تعطى للجسد متسعًا للراحة.-الأرزقية.. رزق اليوم بيومهيروى "س.م"، "أنا بصحى من الفجر عشان ألحق العربية اللى بتيجى مصر، أصلى ساكن فى البخانيس فى كفر الشيخ، وباجى هنا كل يوم أشتغل فى شيل الطوب باليومية، وفى العيد هكون فى نفس مكانى ده لأنى لو غبت يوم مش هلاقى أكل أنا وعيالى"، مضيفًا: "الحمد لله بلاقى اللى يدينى لحمة، وبروح لمراتى والعيال بيها.. بيفرحوا أوى.. أعمل إيه بقى مش قادر أعيشهم زى ما الناس عايشة، وربنا العالم أنا حالتى عاملة إزاى".- حماة الحدود.. خللى السلاح صاحىوسط رمال الصحراء اللامعة، وحرارة الجو الحارقة، يقف حماة مصر من جنود، حاملين سلاحهم، مستيقظين لحماية كل مصرى، فيقول شقيق المجند "ت.م"، "أخويا إجازة دلوقتى، بس راجع فى العيد سيناء تانى.. دايما بيحكى أن عيدهم هو لما أنهم يحموا أرض مصر، ووقت لما بتسمح الفرصة بنكلمه وبنطمن ونعيد عليه".ويتابع: "العيد اللى فات للأسف كان بيخدم فى العريش ومكنش فيه شبكة وقتها ومعرفناش نعيد عليه، يارب المرة ده لما يروح يكون فيه شبكة، عشان أمه بيكون نفسها تطمن عليه".وتروى والدة "س.ع"، "أنا فى العيد بستنى ابنى ينزل البلد، بس بيكون يوم واحد فى العيد والحمد لله على كده، وده لو حظى حلو، إنما العيد اللى فات كان فى الخدمة ومقدرش يعيد وسط أهله"، مضيفة "ابنى دائمًا يقول لى إحنا مهمتنا نحمى الناس وده حاجة لازم أفتخر بيها قبل أى حاجة يا أمى".نقلا عن العدد الورقي

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً