"الآن مع تلاوة مباركة للقارئ الشيخ محمود خليل الحصري".. ينطقها مذيع محطة القرآن الكريم بوضوح، يتأهب المستمعون، وترتفع أصوات المذياع، لتبدأ الرحلة بين سطور القرآن الكريم، بصوته العذب، الذي يلعب على آوتار القلوب، فيدخل المستمعين في رحلة إيمانية لأيات كتاب الله.منذ نعومة أظافره وهو حافظًا لكتاب الله، كان أول من رتل كلمات الله في الكونجراس الآمريكي، والقصر الملكي في لندن، أوصى في آخر لحظات حياته في الدنيا، بتخصيص ثلث ممتلكاته لخدمة القرأن والفقراء، إنه الشيخ محمود خليل الحصري.ولد الشيخ محمود الحصري في السابع عشر من سبتمبر عام 1917، بقرية شبرا النملة التابعة لطنطا، واحتفالًا بالذكرى المئوية لميلاد الحصري، ألقى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، خطبة الجمعة من مسجد الحصري، بمدينة السادس من أكتوبر.عندما أتم عامه الرابع، أدخله والده الكتاب، وخلال أربعة سنوات، حفظ القرآن الكريم، وعندما بلغ الثانية عشر انضم إلى المعهد الديني في طنطا، وبعد انضمامه للدراسة في الأزهر الشريف، تعلم القراءات العشر.انتهى الحصري من دراسة علم القراءات عام 1944، ولكن لشغفه في معرفة كل ما يخص القرآن الكريم، تفرغ لدراسة علوم القرآن، وبعد سلسلة من النجاحات في مجال القرآن، عين الحصري عام 1955، قارئًا بمسجد الحسين، وسبق ذلك عمله قارئ للقرآن الكريم، في الأذاعة المصرية، فاستمر بث قرائة القرآن بصوته 10 سنوات متتالية.تزوج الشيخ الحصري عام 1938، ولكن لم يكن متفرغ للاهتمام بأطفاله، فوقعت المسئولية كاملة على زوجته، ولكن الشيخ الجليل كان دائمًا يجد طريقة لتشجيع أطفاله على حفظ القرآن، فيقول أحد ابنائه: " كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه، وكان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشًا وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه".تدرج محمود الحصري في وظائف التابعة للأزهر الشريف، فعين في بداية حياته مفتشًا للمقارئ المصرية، وكان ذلك عام 1957، ومن ثم التحق بمنصب مراجعًا ومصححًا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر، وكان أول من أرسل لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراء القرآن في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند، بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ونظيره الهندي.ونتيجة لتعمقه في القرآن الكريم، وحفظه لآيات الله عن ظهر قلب، اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامي رئيسًا لقراء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي بباكستان عام 1966.لصوته العذب ونطقه الصحيح لأيات الذكر الحكيم، أصبح أول شيخ يسجل القرأن الكريم بروايات متعددة، فكان أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم، عام 1961، وبعد مرور 7 أعوام، سجل الحصري المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية قالون ورواية الدوري.وفي 1975، كان أول من رتل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسر، وبعد عامان من ذلك، كان أول من رتل القرآن الكريم في أنحاء العالم الإسلامي.سافر الحصري إلى العديد من دول العالم، حاملًا آيات الله بين يديه، فانتقل عام 1970، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة كمبعوث من قبل وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأمريكا الشمالية والجنوبية، وبعد عامين، رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن.وبالرغم من الإيمان الذي سكن قلب الشيخ الحصري وعائلته، إلا أن نجلته "إفراج" اختارت أن تحترف الغناء، هغيرت اسمها من إفراج الحصري، إلى ياسمين الخيام، رغبة منها في عدم إقحام لقب والدها في مجال الغناء، واستطاعت أن تنضم لعالم الفن بمساعدة الرئيس الراحل أنور السادات، الذي قال عن صوتها: "صوت مصري أصيل يجب أن يكون في كل بيت"." لم يكن لدى قدرة على لقاء والدي بعد أن أصبحت فنانة، والآن علمت جيدًا أن صبره لما فعلت، كان كصبر أيوب"، تلك هي الكلمات التي وصفت بها إفراج الحصري، موقف والدها من احترافها للغناء بعد رفضه القاطع لدخولها ذلك المجال، في إحدى لقاءاتها التلفزيونية.للحصري العديد من المؤلفات، على رأسها، أحكام قراءة القرآن الكريم، والقراءات العشر من الشاطبية والدرة، ومعالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء، والفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.في الرابع والعشرين من عام 1980، كان اليوم الأخير للشيخ الجليل في الدنيا، ولكن قبل أن يلفظ أنفاسه الأخير، أوصى بثلث ممتلكاته لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، واستعمالها في الأعمال الخيرية، وذلك بعد قرابة الـ55 عامًا عاشهم الشيخ بين سطور القرآن الكريم.
كتب : منار محمد