حوادث القتل ليست جديدة بين بني الإنسان، ولن يتوقف التاريخ كل يوم لمقتل هذا أو جريمة بحق ذاك، ولكن ثمة حوادث قتل تتحول إلى فانتازيا تفوق الخيال في بشاعتها، كتلك المجزرة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.. مجزرة ارتكبها مصاصو دماء نفذوا سيناريو محكم للقتل والتصفية وإراقة أنهار من الدماء ولم يتركوا الفرصة لأحد أن يهرب ولا لروح أن تعيش، كل ما خططوا له هو القتل.
72 ساعة من النيران المتواصلة والمفتوحة على أخرها من مدافع ودبابات ورشاشات، جميعها توجه فوهاتها تجاه أجساد مدنين عزل وأبرياء ليتحول مخيم صبرا وشاتيلا إلى أرض بور نضبت من شدة الدماء وغطاء الجثث الذي ملأ الأرض وخضبها .
تحل اليوم السبت الذكرى الـ35 لأكثر المجازر بشاعة ومأساوية ارتكبت بحق الفلسطينيين العزل، في مخيم اللاجئين الفلسطينيين بلبنان مذبحة «صبرا وشاتيلا»، التي نُفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، في يوم الـ 16 من أيلول 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام، على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي. لكن عدد القتلى في المذبحة لم يعرف بوضوح، اذ تتراوح التقديرات ما بين 750 و3500 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين الذين ما لبثوا ان ضمدوا جروحهم في مجازر العام 48 والتي كان من أقساها مجزرتا قبية ودير ياسين، كما من بينهم لبنانيون أيضا.
وتعود تفاصيل هذه الواقعة عندما كان المخيم مطوقا بالكامل من قبل قوات الكتائب اللبنانية والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورفائيل ايتان، أما قيادة القوات اللبنانية فكانت تحت إمرة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ، حيث قامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد تنفيذ المجزرة التي هزت العالم دونما رحمة وبعيدا عن الإعلام، وكانت استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات تصفية سكان المخيم العزل، كما كانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة، وقصفه بالمدفعية الصهيونية.
عدد شهداء المذبحة
أشارت تقارير عدة إلى عدد الشهداء في هذه المذبحة، ولكن لا يوجد تطابق بين التقارير بحيث يأتي الفرق بين المعطيات الواردة في كل منها كبيرا. فقد ورد في رسالة موجهة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهن تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة. وفي تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800 نسمة. وفي تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يشار إلى 800 قتيل في المذبحة. وقدرت بيان نويهض الحوت، في كتابها «صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982»، عدد القتلى بـ1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى. وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته قال إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني. أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة إن الصليب الأحمر جمع3000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 2000 جثة إضافية مما يشير إلى 3000 قتيل في المذبحة على الأقل.
في عام 1982 بدأت مذبحة صبرا وشاتيلا في مخيمين للاجئين الفلسطينيين في لبنان على يد الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع القوات الانعزالية، حيث صدر قرار المذبحة برئاسة رفائيل ايتان رئيس أركان الحرب الإسرائيلى وآرييل شارون وزير الدفاع آنذاك. دخلت ثلاث فرق إلى المخيم كل منها يتكون من خمسين وحاصرت سكان المخيم، ثم أخذ أفرادها يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم اغتصابهن من قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره. 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة.
لقد احكمت الآليات الإسرائيلية اغلاق كل مداخل النجاة للمخيم وكان الجنود الإسرائيليون يهددون الفارين من الرجال والنساء والأطفال بإطلاق النار عليهم في الحال لقد اجبروا على العودة ومواجهة مصيرهم وفيما اجمع المراقبون والمصورين والأجانب العاملون في الهلال الأحمر والمؤسسات الدولية على قول الصحافي الإسرائيلي امنون كابيلوك " بدأت المذبحة سريعا تواصلت دون توقف لمدة أربعين ساعة " وخلال الساعات الأولى هذه قتل أفراد الميليشيات الكتائبية مئات الأشخاص ، لقد أطلقوا النار على كل من يتحرك في الأزقة لقد أجهزوا على عائلات بكاملها خلال تناولها طعام العشاء بعد تحطيم أبواب منازلها كما قتل كثير في أسرتهم وهم نيام وقد وجد فيما بعد في شقق عديدة أطفال لم يتجاوزا الثالثة والرابعة من عمرهم وهم غارقون في ثياب النوم وأغطيتهم مصبوغة بدمائهم وفي حالات كثيرة كان المهاجمون يقطعون أعضاء ضحاياهم قبل القضاء عليهم لقد حطموا رؤوس بعض الأطفال الرضع على الجدران نساء جرى اغتصابهن قبل قتلهن أما في بعض الحالات فقد سحب الرجال من منازلهم واعدموا في الشارع لقد نشر أفراد الميليشيات الرعب وهم يقتلون بواسطة البلطات والسكاكين ودون تمييز لقد كان المستهدف بالضبط المدنيين الأطفال نساء وشيوخ ببساطة ثم استهداف كل ما هو يتحرك لقد عمد القتلة في الليلة الأولى الى القتل الصامت بدون ضجيج فقلما استخدموا أسلحتهم النارية حتى لا يشعر اللاجئون العزل بما يجري ويقومون بالفرار .
ولا زالت حتى الأن هناك مطالبات عربية ودولية بفتح تحقيقات لإدانة ومحاكمة كل المتورطين في هذه المجزرة البشرية التي راح ضحيتها الألاف من الأبرياء، كما لعب الفن دوره وأنتجت أعمال فنية قام بها فنانون عرب بينهم ناجي العلي، عبد الحي مسلم، ضياء العزاوي، سامي محمد، عدنان يحيى، إسماعيل شموط، ناس الغيوان، تصور وتذكر بمأساة ما حدث.