يحمل على كتفه جرابًا أسود، لا يعرف أحد ما بداخله، عصا بيده، يجول فى الشوارع مرددًا "مدد يا رفاعى مدد "، إنه الحاوى محترف التعامل مع الثعابين واستخراجها من المنازل الأهلى بالسكان، ونسجت حول الحاوى كثيرًا من القصص فمنهم من يتهمه بممارسة السحر وآخرون يدافعون عنه.
تزدهر مهنة الحاوى أو صائد الثعابين فى محافظة قنا، وكانت البداية فى قرية "البارود" التابعة لمركز ومدينة قفط جنوب محافظة قنا.
الحاج رشدي عزب حسين، أحد أشهر الحواة بالمحافظة والمعدودين فى ممارسة عمله، ويعتبر أنه بموته سوف تموت مهنته لأنه آخر العاملين فى مجاله.
قال الحاج "حسين": إنه تعلم تلك المهنة منذ ما يقرب من 15 عامًا، وورثها عن آبائه وأجداده، ولكنه لم يستطيع توريثها لأبنائه بسبب ضعف العائد المادى مقارنة بالأسعار الحالية.
وأشار الحاوى الى أنه فى أول يوم خرج فيه لممارسة تلك المهنة تمكن من اصطياد 15 ثعبانًا من إحدى المزراع فى الجبل، و"كنا فى القدم نخرج إلى البيوت والمزراع فى الجبل لكى نحويها أما المبانى الحديثة الآن غيرت الحال كثيرًا، وبدأت المهنة تتضاءل".
ويستطرد حاوي قنا: "عملنا كله فى الجبال والمزارع وقليل من البيوت القديمة، التى ما زال قاطنوها فى القرى والريف، أما غير ذلك فالعمل قليل جدًا، ولذا بدأ الكثيرون منا فى عدم توريثها لأبنائه أو أحفاده، خاصة أنها أصبحت غير مربحة والمادة التى نحضرها ارتفع ثمنها إلى الضعف، وهو الأمر الذى بات معه استحالة الاستمرار".
- اصطاد الثعبان عن طريق الكرفة:
وأكد الحاج رشدى على أن يضع ما يشبه المادة التى يطلقون عليها بلهجتهم "الكرفة" على العصا التى يحلمها فى يده ويبدأ بقراءة تعاويذ يحفظها ويبدأ "الثعبان" فى الخروج على العصا، سواء ثعابين أو عقارب ويتلقاها بيده ويضعها فى "القروية" التى معه ويتركها فى الشمس لمدة أيام حتى تنفجر وتحترق وحدها دون المساس بها.
وتابع: هناك نوعان من "الثعابين"، منها الهادئ الذى يخرج فى سلام دون معاناة، وهناك العنيد الذى يحتاج أحيانًا إلى العنف من أجل إخراجه من المكان الذى يختبئ فيه، خاصة أن هناك بعض الأفاعى مثل أفعى "الكبرى" يمتد طولها إلى حوالى مترين وهى من أخطر الأفاعى السامة، لافتًا أن العقرب أعمى لا يرى ويلدغ من يشم رائحته، ورحمة الله أنه لا يرى وإلا لكان لدغ المئات وقتل الآلاف منذ القدم، خاصة أنه لا يوجد فى الزمن الماضى تلك الوسائل الطبية المتاحة حاليًا.
- حوى الملدوغ
وأضاف الحاوى أنه يستطيع أن يحوى الملدوغ ببعض المواد التى يمتلكها لإيقاف السم، ولكن فى بعض الأحيان تكون هناك بعض اللدغات أو "القطوع" التى تحدثها بعض الأفاعى لا يمكن معها الحوى ولا بد من الذهاب إلى المستشفى.
- ميثاق العهد للطريقة الرفاعية
هذا الميثاق ثقيل جدًا، ولا يستطيع أى شخص تحمله، وهناك بيتان فى صعيد مصر متخصصان فى هذه الطريقة الخاصة بحوى "الدبيب"، هو بيت على أحمد نورالدين بسوهاج وأولاد الحاج راشد الرفاعى، وبمجرد حصولك على العهد تبدأ فى ممارسة المهنة، وهناك بعض التعاويذ التى يتم تلاوتها حتى لايؤذى الدبيب الحاوى.
- أفعى الكوبرى:
وتابع "الحاوي" أن أكثر الأفاعي سمًا هي أفعي "الأنا كوندا"، ومن رحمة الله أنها ليست موجودة في بلادنا وموجودة في المناطق الجبلية البعيدة عنا، وحتى يصعب الاقتراب منها كما نشاهدها في التلفاز يقومون بتصويرها من خلال طائرات.
أما "أفعى الكبرى"، فهي بحسب "الحاوي" منتشرة أكثر في المناطق الجبلية والمزارع والترع أحيانًا المليئة بالحشائش، أما العقرب فهي من الأنواع المنتشرة في البيوت القديمة والريفية وتصعب معها العيش في البيوت المسلحة المبنية بالطوب الأحمر، ولذا عندما تنتقل من البيت القديم إلى الجديد يتم اكتشافها بسهولة لأنها تعشق العيش في الشقوق الموجودة في البيوت القديمة المبنية بالطوب اللبن، ولذا فأنها عندما تلد وتنفجر تموت مباشرة.
وهناك أنواع أيضًا منها القاتل وهو النوع الأسود الذي يعيش في المناطق الجبلية بالصعيد، يقول الحاوي: "هذا النوع شاهدته كثيرًا عندما كنت اذهب للمناطق الجبلية خاصة عند البدو وهم يتعايشون مع هذه الأنواع بسهولة فهم يمتلكون أدوات للحوي سواء للحماية أو عند اللدغ للشفاء من السم القاتل لهذه الأنواع القاتلة والسامة".
- أماكن إقامة الأفاعي:
وتعيش الأفاعي في أماكن متفرقة وغريبة بعض الشيء، فهي تهوى العيش فوق أغصان الأشجار والنخيل والبيوت القديمة المبنية بالطوب اللبن، والمهجورة والجبل والمزارع وتكثر هذه الأيام في المزارع، ونجد الدبيب يكثر في الصيف أما في الشتاء فيكون ضئيل جدًا، ولدغته في الشتاء قاتلة بسبب تجلط الدم أما في الصيف يكون الدم ساخن ويتحرك بسهولة.
- الثعبان لا يقتل الحاوي:
وعند جلوسنا مع الحاج رشدي وبجوارنا الثعابين، فاجأنا أحد الثعابين بما لا يمكن توقعه، حيث أقدمت أفعى كوبرى، على لدغ الحاوي، حتى أخرجت الدم من يده، ولكن تمتم ببعض الكلمات التي فهمنا منها أنه يقول له "ادخل بسلام.. مش هكلمك"، وهو الأمر الذي جعلها تترك اليد، وتلتفت إلى شيء آخر، حتى تمكن من إدخالها في الجراب الخاص بها، وقام بعلاج نفسه في الحال ووقف السم في الدم، يقول الحاوي: "لو اللدغة دي اتعرض ليها أي حد كان تم احتجازه بالمستشفى فورًا بسبب صعوبة لدغتها ووقف سريان الدم في الجسم".