يحدث أرتباك في الشارع التونسي، بعد مصادقة البرلمان، بالأغلبية المطلقة للأصوات، على مشروع قانون للمصالحة في المجال الإداري، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في البلاد، حول جدية الائتلاف الحاكم في دعم مسار العدالة الانتقالية ومحاربة الفساد.
وفي 14 سبتمبر الجاري، حظي القانون، الذي يتضمن 7 بنود تقر العفو عن نحو ألف و500 موظف حكومي ممن يُشتبه بارتكابهم "الفساد المالي"، و"الاعتداء على المال العام"، حظي بموافقة 117 نائباً، ورفضه 9، في حين تحفظ نائب واحد، من أصل217.
-"مانيش مسامح"
حاول عشرات من نشطاء حملة "مانيش مسامح" اقتحام مبنى البرلمان؛ احتجاجاً على القانون الذي يستثني الموظفين المشتبه بـ "ارتشائهم واستيلائهم على المال التونسي العام".
وقالت صحيفة لوموند الفرنسية أن اللبس الذي في القانون عوض تسميته قانون المصالحة الإدارية كان من الأصح تسميته قانون تبرئة الإداريين الذين نفذو قرارات مخالفة للقانون بدون أخذ مال، فالمصالحة تحمي الموظفين الصغار من الموظفين الكبار الفاسدين وتعطي هامش جديد للرقابة وهذا القانون كان في مقابل التصويت على استكمال هيئة الانتخابات في سد الثغورات الحاصلة بها تمهيدا للانتخابات البلدية وهو أمر مطلوب جدا للإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية وتمكين القوى الشعبية من الحكم المحلي.
وتابعت أن الأطراف التي تتدعي الثورية تزايد على النهضة في مشروع المصالحة وفي المقابل تغيبت عن التصويت ولم تصوت بالرفض، فالقانون مر بـ117صوت بنعم و9 أصوات ضد منهم 5 أصوات من النهضة و4 أصوات من المعارضة فاين هتافاتهم ومزايداتهم.
-معركة قانونية
وأشارت إلى أن المعركة معركة قانونية داخل قبة مجلس النواب بينما اليسار يريد جذب النهضة لمعركة خارج القانون ويهدف لإلغاء الانتخابات البلدية لعدم جهوزيته وجهوزية النداء الحزب الحاكم.
وقالت أن "القانون يسمح بتيسير الاستثمار وطمأنة الرأي الدولي ويساهم في تعزيز التوافق والاستقرار دون أن يعفي الفاسدين من العقاب فلقد استثنى كل من تثبت ضده قضية رشوة.
-نداء تونس
ومعلقاً على القانون، قال رئيس كتلة "نداء تونس" بالبرلمان، إن توقيت تمريره جاء تزامناً مع خطاب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في جلسة الثقة، التي أعلن فيها عن عدد من الإصلاحات والإجراءات لمقاومة الوضع الاقتصادي المتردي في المرحلة الأخيرة، "لذلك ارتأينا أنه قد ينعكس إيجابياً على الإدارة التونسية المعطّلة والمكبّلة".
وأوضح طوبال، أن القانون جاء لإصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، وإنصاف الموظفين الذين لم يحققوا منافع شخصية، ولكنهم ارتكبوا أخطاء تحت ضغوطات وتعليمات من نظام دكتاتوري، مشيراً إلى أنه من غير المقبول أن يبرم "الفاسدون المتورطون صلحاً مع الدولة عن طريق هيئة الحقيقة والكرامة ولا يتمّ الالتفات إلى هؤلاء".
وفي يوليو الماضي، أدخلت لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي تعديلات جذرية على القانون قبل إحالته على الجلسة العامة، وشملت هذه التعديلات حذف الجزء المتعلق بالمصالحة الاقتصادية، والإبقاء على الجزء الخاص بالمصالحة الإدارية، والتي ستشمل ألفاً و500 موظف حكومي، في حين تم استثناء رجال الأعمال من المصالحة، وفق الصيغة النهائية للقانون.
-مصالح إدارية
وقالت الأن المصالح الإدارية سياسية أكبر منها اقتصادية؛ لأن مشكلة الاقتصاد التونسي وأزمته الحالية هي بالأساس هيكلية، مشيراً إلى أنها تمثل أزمة إنتاج وتصدير وبيروقراطية أكثر منها سياسية.
واضافت أن هناك مساراً للعدالة الانتقالية قائم الذات، وأن هذا القانون يأتي في إطار سلسلة من المبادرات المجتمعية التي قُدّمت مؤخراً، منها ما يتعلق بالجدل حول المساواة في الميراث، وزواج التونسية بغير المسلم، وكله يدخل ضمن الجدال السياسي أكثر منه إنجازات اقتصادية.
وشددت على "ضرورة وجود مصالحة تطوي صفحة الماضي، لكن على أسس سليمة"، مضيفاً أن أزمة الاقتصاد التونسي مردها أساساً إلى ضعف التصدير، وتفاقم الواردات في القطاعات الأساسية؛ على غرار الصناعة والفلاحة، إضافة إلى عوامل أخرى لم تجد الاهتمام الضروري أو الإجابة الشافية لها.
وحول إمكانية أن يكون قانون المصالحة الاقتصادية حلاً قادراً على إخراج البلاد من أزمتها الحالية، أوضحت الصحيفة أنها يجب أن تكون شاملة، وليست فقط مع رموز المنظومة القديمة نظام بن علي، كما يجب أن تتخلّلها إصلاحات جذرية.