"ومن الشباك لأرميلك حالي".. روايات الجانب المظلم لصرافي المترو.. الأوضة بقت خرابة والمروحة جابتلنا صداع.. وأحد الموظفين: ربنا يجعله في ميزان حسناتنا

يصطف العشرات أمام شباك تذاكر مترو الأنفاق، ينتظر كل منهم دوره، يجلس أمامهم من خلف الزجاج، مصطفى عبد الخالق، المسئول عن شباك التذاكر بمحطة "حلمية الزيتون"، يعطى التذاكر للركاب، مع حصول آخر راكب على تذكرته، يدور بجسده السمين، لينظر بعينيه التي لم يعد يرى بها كالسابق، ليتفقد كل قطعة في الغرفة التي قضى بها 20 عامًا.مع مرور الدقائق، يمر شريط ذكريات "مصطفى" داخل تلك الغرفة، التي دخلها في أول يوم له بالعمل في المترو، ليعمل على شباك التذاكر، لم تكن الغرفة في ذلك المظهر المريع الذي يظهر عليها الآن، فالمروحة الجديدة، تحولت إلى قطعة من الخردة لا يصدر منها إلا الضجيج، الذي يصيب كل من يجلس جانبها بالصداع المزمن، أما عن الكراسي داخل الغرفة، فتحولت إلى مقاعد متهالكة، يصاب كل من يجلس عليها بالهلع خوفًا من الوقوع، فأرجل تلك المقاعد لم تعد صلبة كالماضي.تنتقل نظرات "مصطفى" إلى "كولمان الماء"، وتظهر على شفتيه شبه ابتسامة، يتذكر الوقت الذي كان يشرب فيه الماء الساخن، قبل أن تقوم إدارة المترو بشراء حافظات ماء في كل شباك تذاكر، رحمةَ بالعمال.يقف راكب جديد على شباك التذاكر، طالبًا تذكرة، فيخرج مصطفى من ذكرياته، ويبحث عن "فكة" في أدراج المكتب الذي يستقر في منتصف الغرفة، ليعطي الراكب أمواله، بمجرد أن يخطو ذلك الراكب نحو عربة المترو، يعود مصطفى الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، إلى ذكرياته مرة أخرى، ولكن تلك المرة، تذكر اليوم الذي استقبلت فيه هذه الغرفة، المكتب الذي يتكون من 5 أدراج، فحالته الآن لا تختلف كثيرًا عن حالة الأشياء القديمة، التي تعرف طريقها إلى "سلة المهملات".وفي محطة "حدائق الزيتون"، يجلس أحمد حمدي، في إحدى أركان غرفة التذاكر، يتأرجح مقعده مع تأرجح جسده النحيف، الذي ينتج من حركة يده التي تعرف طريقها من يد من يطلب تذكرة مترو، إلى الخزانة، يتحدث مع صديقه الذي يجلس بجانبه، ويقول: "الأوضة دي لازم يتعمل فيها تكييف، المروحة مش مطلعة هواء، مش كفايا الحر علينا، لا ده كمان المحطة مليانة ناس ومفيش هواء داخل لينا"، ليرد عليه صديقه: "عندك حق، الواحد قاعد بالعافية، ربنا يرحمنا، ويجعله في ميزان حسانتنا".تدور عقارب الساعة، فتختفي أشعة الشمس، ويظهر ضوء القمر، وأحمد الذي يرتدي قميص أزرق، يبحث تحت أرجل صديقه عبد الرؤوف عن الزر الأبيض الذي وقع من القميص، فذلك القميص هو "يونيفور" العمل في المترو، ولا يمكن أن يتعرض لأذى، حتى لا يتحمل هو تكلفته.يجد أحمد زر القميص، الذي استقر أسفل المكتب بمجرد وقوعه، فيعتدل في جلسته، ويدور حديث ذكريات بينه وبين صديقه عبد الرؤوف الذي يكبره بـ5 أعوام، لكنه قصير القامة مقارنة بـ أحمد، ولذلك يطلق عليهم البعض لقب "أزازة وكوباية"، فيقول أحمد: "عارف يا عبد الرؤوف، بالرغم من أن الأوضة هنا حالتها مبهدلة، إلا أن أنا بعتبرها بيتي التاني، وبحب أقعد فيها، والحمد لله الراديو الصغير وترمس الشاي، بيخلوا الوقت يمر بسرعة"، ليرد عليه صديقه، الذي يعمل معه في ذات الغرفة منذ 8 سنوات: "عندك حق يا أحمد".يخرج نعيم، من الباب الخاص بغرفة تذاكر محطة "كوبري القبة"، فضيق التنفس الذي يصبيه بين ساعة وأخرى، يجعله غير قادر على الجلوس في تلك الغرفة التي لا تعرف وسيلة تهوية إلا مروحة سقف تنثر عليهم أتربة أكثر من الهواء.بعد أن قضي ما يقرب من 10 دقائق في الهواء الطلق، يدخل نعيم صاحب البشرة البيضاء والطول الفارع، إلى غرفة التذاكر، ولكن صوتًا بداخله دفعه إلى إلقاء نظرة على تلك الغرفة، فوقعت عينها دون أدراك منه على حوائط الغرفة، تفقدها واحدة تلو الأخرى، ليظهر صوت داخله يقول: "الأوضة بقت شبه البيوت القديمة اللي مستنية قرار إزالة".فالغرفة التي يقضى بها نعيم أكثر من 8 ساعات يوميًا، تضم مكتبًا حديديًا صغيرًا يحتوي على 4 أدراج، كل منها مغلق بقفل حديدي، لكن فتح تلك الأدراج وغلقها تستلزم مجهودًا ممكن يفعل ذلك، فهي موضوعة في تلك الغرفة منذ زمن.وعلى الجانب الأيسر من الغرفة، تستقر عدة مسامير، معلق عليها ملابس العمال، التي تتكون من قميص أزرق، يتذكر نعيم الوقت الذي وضع فيه تلك المسامير، خوفًا على ملابس العمل من التعرض لأذى، أثناء استقرارها فوق الأدراج، في تلك اللحظة، وقفت راكبة على شباك التذاكر، فانسحبت ذكريات نعيم مع غرفته المتواضعة، لتعود إليه روح العمل من جديد، وبعد لحظات ينظر في الساعة المعلقة على الحائط المتهالك، لمعرفة الوقت، فيجد عقاربها لا تتحرك، ليتذكرها بعدها أنها معطلة منذ سنوات، فيعود لمباشرة عمله.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً