"لا تحزن إن الله معنا.. ماظنك باثنين الله ثالثهم".. رجموه بالحجارة حتى غرق في الدماء، اجتمعوا على قتله وهو يعلم، ترك وطنه رغم أنفه، رغم كل هذا جعل شعاره "من كان الله معه فمن عليه"، المشاهد التي تلخص رحلة هجرة النبي من مكة للمدينة، لا زالت حاضرة في أذهان المسلمين، الذين يحتفلون في هذا التوقيت من كل عام، بالحدث العظيم الذي رفع شأن الإسلام واستشرى من خلاله الدين فى كل أرجاء العالم.
يتذكر المسلمون فى هذا اليوم أنه منذ 1439 عامًا، هاجر الرسول عليه السلام من مكة إلى المدينة، ضاربًا أروع الأمثلة فى الصبر والتضحية وتحمل الآلام والأذى من المشركين من أهل مكة؛ إلا أن الرسول عليه السلام وهو يستعد إلى الهجرة قال عبارته التى لازالت عالقة فى أذهان الكثيرين مجسدة حالة الحزن التى علت وجه: "والله إنك لأحب بلاد الله إلى، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ماخرجت" يقصد بذلك مكة.
- أسباب الهجرة:
كان لهجرة الرسول عليه السلام الكثير من الدوافع والأسباب، أولها عدم قبول رسالة الإسلام، وتعرضه لشتى أصناف العذاب والأذى من المشركين فقد آذوه معنويًا وماديًا، فقالوا عنه ساحرٌ، وشاعرٌ، ومجنونٌ، ومُفترٍ، ووضعوا على ظهره وهو ساجد سلى جزورٍ، كما قاموا بخنقه يومًا، واتفقوا على قتله وهو في فراشه إلا أن الله قال كان هو الحافظ لرسوله.
لم تمارس عمليات التعذيب على الرسول فقط، بل وصلت إلى كل من آمن برسالة محمد عليه السلام، فقُتِل الكثير من نسائهم، ولم ترحم مشركى أهل مكة أى مسلم، مستغلين قلّة حيلتهم، وضعفهم، وعدم وجود جيش يحميهم.
- الاستعداد للهجرة:
لم يرى رسول الله عليه وسلم سبيلا، إلا الهجرة والفرار إلى بلد خصبة تستقبل رسالته وتأوية من البطش التى تعرض له من كفار قريش، فاستعد الرسول للهجرة سرا، هو وبعض الذين آمنو برسالته، فهاجرو فى جماعات متفرقه ليلا ونهارا.
- مرافقو رسول الله فى الهجرة:
كان أبو بكر رضى الله عنه من أحب الأصدقاء المقربين للرسول عليه السلام ومنذ أن آمن بدعوة الرسول لزمه أبو بكر فكان كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا "فيطمع أبو بكر أن يكون هو مرافقه".
- في غار ثور:
نال أبو بكر شرف ما كان يطمع فيه، وهو مرافقة الرسول عليه السلام فى هجرته؛ اتخذوا من الصحراء طريقا إلى المدينة؛ إلا أن التعب أحل عليهم وأخذهم إلى غار ثور، فى ذلك التوقيت علم كفار قريش بأن الرسول فى طريقه إلى الهجرة بالقرب من غار ثور، فأشهروا السيوف وأجمعوا على قتله، إلا أن الرسول كان قد علم وهو وصاحبه بأن الكفار فى طريقهم إليهم، وبقدرة الله نسجت العنكبوت خيوطها على باب الغار ورقدت حمامتين على كلا الجانبين من الغار بعد أن وضعت بيضهما بمجرد دخول الرسول فيه.
على باب الغار يتفقد المشركون الرسول وصاحبه ليقتلوهم، وبعد المروادة الكثيرة التى دارت بين الكفار مع بعضهم هل الرسول مختبئ فى هذا المكان أم لا؟..يسارع أبو بكر بسؤاله يارسول الله لونظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، قال ياأبى بكر ماظنك بإثنين الله ثالثهم" وختم الرسول كلامه مع صاحبه مطمئنًا إياه قائلا "لاتحزن إن الله معنا".
- الفرار من المشركين واستقباله فى المدينة:
تمكن الرسول وصاحبة من الفرار من المشركين بعناية الله، وواصلو السير قاصدين يثرب "المدينه المنورة"، وكان الأنصار يترقبون وصول الرسول فكانوا كل يوم يخرجون إلى الحرة ينتظرون النبي، فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم، فلما كان يوم 12 ربيع الأول خرجوا على عادتهم فلما حمي الشمس رجعوا، فصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة، فرأى النبي محمد وأصحابه فقال: "يا بني قيلة! هذا صاحبكم قد جاء، هذا جدكم الذي تنتظرونه" فثار الأنصار رافعين اغصان النخيل منشدين فرحين مهللين: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا مادع لله داع.. أيه المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع.. جئت شرفت المدينه مرحبا ياخير داع".
- نساء لها دور فى الهجرة:
كان لأسماء بنت أبي بكر الصديق دور كبير فى الهجرة النبوية، فقامت بحمل أمانة يُشفق الرجال على حملها، فكانت تقطع ثلاثة أميال عبر الصحراء لإمداد الرسول عليه السلام وصاحبه بالزاد فى غار ثور، ونقل أخبار الكفار، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرحيل من الغار متجهًا إلى يثرب جهزت الزاد والماء، ولم تجد ما تربطهما به، فشقت نطاقها وربطتهما به، وبسبب هذا الفعل لقبها الرسول بذات النطاقين.
- رجال أبرزو دور الشجاعة فى الهجرة:
"يامعشر قريش من أراد أن تثكلة أمه أو أن ييتم ولده أو ترمل زوجته فليلقنى خلف هذا الوادى".. هذه هى مقولة عمر ابن الخطاب؛ هاجر الرسول عليه السلام وأصحابه سرا، إلا عمر فقد هاجر جهرا، ولما علم الكفار بهجرة عمر أرادو أن يعترضو طريقه فقال لهم هذه العبارة التى جسدت شجاعته.