على أسوار المدارس ترصت الأمهات والأباء في انتظار ذويهم، للخروج من المدرسة بعد انتهاء اليوم الدارسي، فتلك تستظل بأوراق الشجر من أشعة الشمس، وأخرى تجلس على الرصيف، وذلك يجلس في سيارته، ويستمع إلى ألحان (أم كلثوم)، ويحاول أن يغني معها فيعلوا صوته بأغنية " إسأل روحك".
وعلى الأبواب الخلفية للمدارس، تقف مجموعة من السيدات والرجال، يتحدثن عن المصاريف اليومية للطلاب، معبرين عن معاناتهم بعد أن أصبحت تلك المصاريف حمل ثقيل عن على المصروف الشهري للمنزل.
"البنت الصبح بتاخد من أبوها 10 جنيه.. 5 مصروف والباقي عشان الفطار".. بتلك الكلمات وقفت "سعاد" تتحدث عن المصروف الخاص بنجلتها "رشا" طالبة في الصف الثاني الثانوي، بمدرسة سرايا القبة الثانوية بنات، موضحة أنها تعمل خادمة، مضيفة: "أنا قررت أشتغل في البيوت عشان ميجيش يوم ألاقي نظرة حرمان في عيون بناتي".
وأشارت سعاد إلى أنها في حالة منح نجلتها ساندوتشات يوميًا، تكون التكلفة أكثر من المصروف العادي، مضيفة: "الفينو الرغيف بنص جنيه، بجيب لها بـ2 جنيه.. ده غير ربع كيلو جبن رومي بـ15 جنيه عشان يكفي يومين.. يعني كده في اليوم 10 جنيه غير 5 جنيه مصروف أساسي".
لتلتقط منها "أمنية" والدة طالبة في الصف الأول الثانوي بذات المدرسة، أطراف الحديث، معبرة عن التكلفة اليومية التي تتسبب في وجود عجز في مصروف المنزل بشكل شهري، مضيفة: "المصروف اليومي لبنتي بيعدي الـ15 جنيه.. يبقي في الشهر 400 جنيه.. ده غير الدروس الخصوصية ولبسها".
وأوضحت أمنية أن زيادة الأسعار، حرمت الطلاب من الحصول على طعام جيد ومصروف يكفي متطلباتهم اليومية؛ نظرًا لعجز الأب عن توفير ما يحتاجه الأطفال، مضيفة: "اللي جاي على أد اللي رايح.. حرام جوزي هيعمل إيه أكتر من إنه شغال في وظيفتين ومش عارف يكفينا.. والمدارس بقت (هم ما يتلم)".
وعلى الباب الخلفي للمدرسة، تقف "عفاف"، والدة طالبة في الصف الثالث الثانوي، بإحدى مدارس منطقة "الحلمية"، يتصبب العرق من جبينها، فتخرج منديل من حقيبتها السوداء الصغيرة، في تلك اللحظة تظهر الأموال التي إدخرتها لدراسة ابنتها في المرحلة الثانوية، وتقول: "أنا محتفظة بفلوس من ورا جوزي عشان مصاريف الدروس الخصوصية لبنتي.. وبعمل أكل في البيت وابيعه من وراه كمان عشان ولادي ياخدوا فلوس وميطلبوش كتير منه.. حرام (شقيان طول اليوم).
وأشارت عفاف إلى أن العام الدراسي لم يصبح كما كان قديمًا، مضيفة: "زمان كنا بناخد ساندوتشات ومصروف ومش بنعدي 2 جنيه في اليوم.. أنما المدارس دلوقتي الطالب فيها عايز 20 جنيه في اليوم.. جبن وفينو أو عيش بلدي وبيض.. حاجات خفيفة لكن مكلفة".
أما عن عبد الله أحمد، والد طالب في الصف الثاني الإعدادي، بمدرسة الطبري الإعدادية بنين بروكسي، فيقول عن مصاريف الطالب اليومية: "ابني بياخد مصروف 10 جنيه في اليوم.. فطاره على عربية الفول بـ7 جنيه.. والباقي بيشتري بيهم حاجات من (كانتين) المدرسة"، مضيفًا: "لما محمد ابني بيجي يقولي أنا عايز اشتري اكل زي أصحابي بحس بالعجز أني ابني محروم وبيبص لغيره".
وأوضح عبد الله أن مصروف الطالب شهريًا تعدي الـ500 جنيه؛ مضيفًا: "مصروف الطالب بقى غالي.. ده غير الدروس الخصوصية التي بدفعها 1500 في الشهر، وثمن الكتب واللبس المدرسي اللي دفعتهم بـ800 جنيه.. ده بعد كده المدارس الحكومي ترفع شعار (التعليم لولاد الاغنياء فقط)".
"بنتي في الدراسة بتاخد 5 جنيه مصروف.. ده غير ساندوتشات من البيت بتكلفة 10 جنيه.. وفي الآخر مش عايزة فلوس أكتر عشان الأسعار غالية".. كانت تلك معاناة هشام مصطفى، الذي يعمل في مصلحة سك العملة، مع المصروف اليومي الذي يعطيه لنجلته، الطالبة في الصف الثالث الإعدادي، بمدرسة سرآى القبة الإعدادية.
وأشار هشام إلى أن مصروف الطلاب اليومي، يشكل خطورة على المرتب الشهري للأب، نظرًا لارتفاع الأسعار، مضيفًا: "بشتغل على تاكسي بالليل عشان مشوفش موقف إن ابني يقولي أنا عايز واقوله مفيش فلوس وأكسر نفسه".
فيما أكد محمد عبد العزيز، والد طالب بالصف الثاني الثانوي بمدرسة "القبة الثانوية العسكرية بنين"، أن ابنه يحصل على مصروفه بشكل شهري، ويتدرج المصروف تبعًا للأسعار، موضحًا أن الدراسة هذا العام تتزامن مع ارتفاع الأسعار، ولذلك طالبه ابنه أن يكون المصروف الشهري 600 جنيه.
وتابع محمد: "ابني جه أول يوم في الدراسة وقالي هاخد مصروف عالي يا بابا عشان الأسعار بقت عالية.. وأنا غصب عني لازم أوفرله الفلوس عشان ميحسش إنه أقل من أصحابه، فهشوف شغل تاني جمب شغلي اللي بروحه الصبح".
وداخل أسوار إحدى المدارس، يجلس "محمد طه"، مسئول عن "الكانتين"، الخاص بالمدرسة، مشيرًا إلى أن غلاء الأسعار يعود بالضرر على الطلاب وأولياء الأمور، مضيفًا: "كيس الشيبسي بـ3 جنيه.. والبسكوت السادة بـ2 جنيه.. دول أقل حاجة في أسعار الكانتين، أما المشروبات الغازية بتبدأ بـ5 جنيه، ربنا يرحم أولياء الأمور ويعينهم".
وأكد محمد طه، أن الاقبال على "الكانتين" من قبل الطلاب أصبح قليلًا، عكس السنوات الماضية، موضحًا أن غلاء الأسعار كان سببًا رئيسًا في عدم الأقبال.
فيما أوضح "متولي عباس"، والد طالب في الصف الأول الإعدادي أن الأكلات الخفيفة التي يتهافت الطلاب عليها يوميًا، تكلف الأباء مصاريف إضافية عن المصروف اليومي، مضيفًا: "ابني بيطلب مني شنطة شيبسي وعصير وبسكوت يوميًا وده بتكلفني 13 جنيه.. انما لما بيجيب نفس الحاجات ده من كانتين المدرسة بيدفع 18 جنيه.. طيب اجيب فلوس منين عشان أصرف عليه".
وأشار متولي عباس إلى أن كانتين المدرسة، لا يتم دعمه، وتخفيض أسعاره مراعاةً لأحوال أولياء، وذلك يشكل عبء كبير على الأباء، ويدفعهم إلى البحث عن فرصة عمل أخرى، لتوفير متطلبات الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة.