خلود الفناء / فناء الخلود

ثنائية الخلود/ الفناء، متأصلة في التراث الإنساني، فرويد يؤكد على غريزة البقاء بداخلنا ورفضنا للموت كنهاية حتمية: "الجميع سيموت إلا أنا". ونجد أفلاطون فى نظريته الشهيرة عن "المثل" يتعرض للثنائية، فعالم "المثل" مستقر أبدي فى حين أن عالم الواقع مزيف متغير، فتتصارع الروح لتتحرر من الجسد وتعود إلى أبديتها.

وأوضح كانط أن النفس الفردية إذا فارقت البدن انضمت إلى الجوهر الكلي واتحدت به. ويطالب هيدجر وسارتر بأن ينفتح الإنسان لفكرة الموت بفرح وفخر لأن ذلك يرهف وعيه بالحياة تحقيقا للخلود. ويؤكد الكندي على خلود النفس بعد الجسد المتحلل. ويذهب الفارابي إلى خلود النفس الفاضلة التي تسعى لتحقيق السعادة وفناء النفوس الخبيثة مع الجسد. ويرى ابن سينا أن علاقة الجسد بالنفس عَرَضيَّة، فى حين ترى الصوفية أن الموت اتصال بالمطلق، سفر إلى الخلود الأبدي.

وتقبع هذه الثنائية غائرة فى اللاوعي الجمعي حيث تعود إلى قصة الخلق الأولى وعلاقة آدم "بشجرة الخلود" التي يخلد في القرآن من يأكل منها: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" (طه,120). ونزل آدم فى الكتاب المقدس إلى الأرض بعدما أكل من "شجرة المعرفة" محروما من الخلود، معذبا فانيا على الأرض لتبدأ رحلته في استعادة الخلود والفردوس.

كما أتى القدماء بالعديد من الرموز للإشارة إلى الخلود هروبا من الفناء. فالأفعى رمز متكرر فى الأديان والأساطير للخلود. فهى مَنْ أغوت حواء لتأكل التفاحة المحرمة لتفنى البشرية وتخلد الأفعى، وهى من تصاحب ملوك الفراعنة فى رحلتهم نحو تحقيق الخلود، وهى الكامنة فى شجرة الحياة الزرادشتية. ثم هناك طائر العنقاء الأسطوري الذي يموت كل ألف سنة محروقا ليولد جديدا من رماده.

والتراث الأسطورى زاخر بالثنائية؛ نرى ذلك فى أسطورة أوزوريس المصرية الذى أعادته زوجتة ايزيس من عالم الموتى محققا الخلود، ونراها فى أسطورة بيرسيفونى اليونانية التي اختطفها هاديس، إله الموت، إلى العالم السفلي ولم تعد إلا بعد اتفاق الآلهة، لتمكث ثمانية أشهر من كل عام مع الأحياء وأربعة مع الأموات.

فالفناء/الخلود هما أصل الوجود، وجهان لعملة واحدة، مكنون واحد، يتصارعان شكلاً، يتصالحان مضمونًا. فهل السعى إلى الخلود فناء، والرضى بالفناء خلود؟

د. أسامة مدني

عميد كلية الآداب جامعة المنوفية

المستشار الإعلامي لرئيس الجامعة

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً