معاناة في الخفاء.. ولاء: بخاف أعيط عشان أمي كانت بتحبسني.. ورشا: بيجيلي نوبة بكاء وبكسر اللي قدامي.. وأطباء نفسيين: التقرب من الوالدين وممارسة أنشطة ضروري

تعددت الظروف القاسية التي يمر بها الإنسان

خلال رحلة حياته، فهناك من لديه قدرة على التحمل، وهناك من يدخل في دائرة من الحزن

الذي يقوده إلى الاكتئاب ومن ثم المرض النفسي، وأثبتت دراسات حديثة، أن اتتشار

المرض النفسي في القاهرة يعادل  18.5%، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة المرض

في الصعيد إلى 16.4%.

وتعود أسباب الإصابة

بالمرض النفسي في بعض الحالات، إلى التعرض للعنف الأسري في الصغر، في الوقت الذي

يشكل تعرض الفرد لفقدان شخص قريب منه إلى مرض نفسي قد يقوده إلى محاولة الانتحار.

وترصد "أهل

مصر" في التقرير التالي حكايات عدد من الفتيات التي أصيبت بالأمراض النفسية

بعد تعرضها لأزمات في الصغر..

أصابها الأرهاق من كثرة بكاء طفلتها، فلم تجد إلا أن تحملها وتلقي بها في الغرفة وحيدة، إلى أن تهدأ من ذلك البكاء، فتارة تهدأ وتارة أخرى تتعالى أصوات بكائها من خوفها الجلوس بمفردها في غرفة مغلقة، لتمر الأيام، وتتحول الطفلة التي أشتهرت في العائلة بكثرة البكاء، إلى شابة في العقد الثالث من عمرها، وتلتحق بكلية الهندسة، بعد أن حققت تفوق في الثانوية العامة.

- عالم مختلف:

الأيام شبيها ببعضها البعض عند "ولاء" (اسم مستعار)، تذهب يومًا إلى الكلية في قمة نشاطها، وتعود إلى البيت حاملة ابتسامة رقيقة، لتدخل غرفتها وتغلق الباب، وتدخل في عالم مختلف لا يعرفه غيرها، وتدور كل لحظة كانت تبكي فيها ولم تجد أمًا تحتضنها، بل وجدت عقاب، ليتراكم كل ذلك داخلها، ويشكل سدًا منيعًا بينها وبين البكاء.

- شبح البكاء:

مع كل أزمة تمر بها ولاء، تحاول أن تخرج حزنها في البكاء، لكن ما تعرضت له في الصغر أصبح شبح يخيفها من البكاء، ليتحول ذلك الحزن إلى مرض نفسي داخلها، فتقول: "صعب تكون موجوع ومش عارف تعيط، عشان العياط بيفكرك بذكريات نفسك تنساها".

- الوجه الأخر من "ولاء":

تحاول ولاء التي أتمت عامها الـ21، أن تظهر الفرحة لكل من حولها، لكن داخلها تتألم، فتقول: "طبعًا لأزم أظهر قدام الناس أني فرحانة ومقبلة على الحياة، لأني من عيلة غنية ومتفوقة دراسيًا، أكيد هما فاكرين إن معنديش مشاكل"، لكن مع تعرضها لكثير من الأزمات، لم تعد قادرة على عدم البكاء.

- محاولات علاج فاشلة:

منذ ما يقرب من شهرين، قررت ولاء الذهاب إلى طبيب نفسي، لكن محاولاته في العلاج لم تجدي نفعًا، فتقول: "جربت ورحت لدكتور نفسي لكن بقالي تقريبًا شهرين مفيش نتيجة، مش قادرة أعيط وتعبت جدًا كل يوم بفكر انتحر، وبمر بحالات اكتئاب والأصعب أني لازم أخبي ده كله عن أهلي وأصحابي، فقررت أصارح أمي بالي بيحصلي عشان أتعالج وأعيش حياتي بشكل طبيعي".

- صدمة موت الأب:

وفي إحدى أزقة القاهرة، تستقر "رشا" (اسم مستعار)، على مقعد أمام التلفاز، تشاهد حلقة من مسلسلها المفضل، لياتي مشهد يموت فيه البطل، وتتعرض حبيبته إلى صدمة عصبية فور معرفتها خبر وفاته، فتقف رشا وتغلق التلفاز بكل هدوء، وتتوجه إلى غرفتها وتغلق الباب، لتدخل في نوبة قوية من البكاء الشديد تحاول خلالها تكسير ما تطوله يدها، وتخرج مرة أخرى لتتابع يومها بكل نشاط.

- نوبات من البكاء بدون وعي:

في كل مرة تسمع فيها "رشا" خبر موت أحد، تدخل في نوبة البكاء دون وعي، لذلك تحاول دائمًا أن تبتعد عن أي أخبار خاصة بالموت، فتقول: "أخويا شافني أكتر من مرة وأنا في حالة انهيار بسبب مشهد موت في التليفزيون، وحاول يهديني، ووعدته مش هعمل كده تاني، لكن مش بقدر، لما بعيط وبصرخ، بهدأ وبرجع لحالتي الطبيعية تاني".

- محاولة الانتحار:

في الليلة التي توفى فيها والد "رشا" منذ 8 سنوات، حاولت الانتحار ورفضت أن تصدق ذلك الخبر، لينقذها شقيقها الذي يكبرها بـ3 سنوات، فور قطعها لشريين يدها، لتقضي أسبوعًا كاملًا بين الحياة والموت، وتعود إلى البيت وتظل شهرًا دون رغبة في الحديث، ولا تسمح لأحد بالتقرب منها إلا شقيقها "عمر"، لتدخل بعد تلك المدة في مرحلة جديدة من الحزن، تلجأ فيها إلى الصراخ والبكاء الشديد في كل مرة تسمع فيها عن خبر وفاة، فتقول: "حاولت انتحر بعد موت بابا كنت وقتها 17 سنة، وبعد ما أخويا انقذني بقيت بعيط وبصوت لما بسمع أو بشوف حاجة فيها كلمة موت، وأخويا لما عرف زعل ووعدته مش هعمل كده تاني، أنا خايفة جدًا من الموت بس في نفس الوقت مش عارفة أخرج من حالة الحزن دي".

- دخول مصحة نفسية:

أتمت "رشا" التي تعمل في إحدى شركات الصرافة، عامها الـ25، وبالرغم من مرور أعوام على وفاة والدها إلا أن شعورها بفقدانه يتجدد مع كل كلمة موت تصادفها، فتقول: "خايفة أتجوز وأنا مريضة نفسية بدرجة أني أعيط وأكسر اللي قدامي وأصرخ واتفقت مع أخويا يدخلني مصحة لفترة، أرتاح فيها وأتعالج، وهاخد أجازة بدون مرتب من الشغل، وهقول لقرايبنا أني مسافرة في شغل عشان محدش يقول عليا مجنونة".

- التشخيص له دور كبير في العلاج:

يحاول الطب النفسي مساعدة من تعرض لأزمات أن يعود لحياته بشكل طبيعي مرة أخرى، فيوضح محمد الرخاوي، استشاري علم النفس، أن دخول المصحة النفسية يتم تبعًا لتشخيص المريض، والتأكد من أنه يشكل خطرًا على نفسه أو على المجتمع، موكدًا أن دخول المصحة يكون طريقًا لتنفيذ البرنامج العلاجي الخاص بالحال، موضحًا أن هناك مرضى نفسيين قادرين على التكييف في المجتمع، ومعاملة غيرهم بشكل طبيعي.

- نوع العلاج يختلف من حالة لأخرى:

وأكد أن الشخص الذي تستدعي حالته دخول مصحة نفسية، يتم تحديد فترة علاجها تبعًا لدرجة مرض الحالة، موضحًا أن تلك الفترة قد تكون أسابيع وقد تكون شهور، وأكمل تصريحه الخاص لـ"أهل مصر"، قائلًا: "نوع العلاج بيختلف تبعًا لنوع المصحة ودرجة مرض الشخص، فيه علاج بالأدوية وفيه بيتعالج من خلال التأهيل النفسي".

- تواصل العائلة أمر هام:

ولمساعدة الأبناء الذين يعانون من أمراض نفسية، يقول استشاري علم النفس: "تواصل الأباء والأمهات مهم جدًا في مساعدة الأبناء اللي بيعانوا من مرض نفسي، أو اكتئاب"، في الوقت ذاته تمتنع عدد من العائلات المصرية عن عرض أبنائهم على دكاترة علم نفس، ليرد الدكتور محمد الرخاوي: "الكلام ده كان زمان، لكن في الوقت الحاضر قليل اللي شايفين الشخص اللي بيتعالج عند دكتور نفسي مجنون، الدكتور النفسي بيعالج مرض في الجسم زي أي مرض تاني بيتعرض ليه الإنسان".

- انشطة تساعد للخروج من دائرة المرض النفسي:

وأكد استشاري علم النفس أن هناك حالات كثيرة من التي تعاني من مرض نفسي، يمكنها الزواج وتكوين عائلة، والتأقلم مع المجتمع، من خلال زيارة المعالج الخاص به بصفة دورية، أو تناول أدوية، مشيرًا إلى أن ممارسة الرياضة والتواصل مع أفراد المجتمع، وتنظيم الطعام، والقراءة، تساعد كثيرًا على تجديد النشاط، ومساعدة الإنسان على تنمية مهاراته والخروج من دائرة المعاناة التي يتعرض لها جراء وقوعها في المشكلات بمختلف أنواعها.

- الدخول في حالة صدمة:

في الوقت ذاته أوضح الدكتور ابراهيم عبد الرشيد، استشاري الصحة النفسية، أن هناك العديد من الأحداث على رأسها موت شخص قريب، تدفع الإنسان إلى الدخول في صدمة، وذلك ما حدث للحالة التي تدعي "رشا" بعد وفاة والدها، موضحًا أن سماع كلمة موت مرة أخرى، يدفعها لاسترجاع لحظات وفاة والدها، وأكمل قائلًا: "ارتباط البنت بالأب هو اللي واصلها لكده بعد موته، خاصًا أنها في وقت موته كانت في فترة مراهقة".

- العلاج النفسي على فترات:

وأشار إلى أن الصراخ والبكاء، الذي تمارسه "رشا"، نابع من أحساسها بفقدان الأب، ولذلك عليها الاقتناع أن الموت هو أساس الحياة، وأكمل في تصريحه الخاص لـ"أهل مصر": "المتابعة مع معالجة نفسي على فترات، لها دور كبير في الابتعاد عن الحزن، والتأقلم على الحياة بعد فقدان الأب، لكن دخول مصحة نفسية لن يجدي نفعًا لأن المرض ليس وراثي".

- ارتباط البكاء بالعقاب:

وأكد أن الخوف الذي تعيش فيه "رشا" من البكاء، ينبع من ارتباط البكاء بالعقاب، موضحًا أنها تكيفت مع عدم البكاء بالأجبار، وأكمل قائلًا: "لازم تعرف أن العياط نوع من أنواع العلاج، ومش من القوة أنها تمتنع عن العياط، كمان لازم تحاول تقرب من والدتها عشان تتخلص من خوفها".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً