أين ذهبت آثار العراق وسوريا واليمن؟.. مفاجأة.. "التتار الجدد" لم يهدموها بل يسرقونها.. وإسرائيل وقطر وتركيا وفروا لهم "السوق السوداء" لنهب الحضارة

كتب : سها صلاح

قال دانتي.. "الشعب العراقي في حاجة لأن يكون قادرًا على أن يشهد تاريخه، ما يحدث الآن هو مأساة".

أن مشهد قيام بضعة عناصر من تنظيم داعش بهدم تماثيل أثرية يثير الكثير من القهر لدى من عرفوا قيمة هذه الآثار التاريخية، فقط كان تدمير الآثار على يد هذا التنظيم مجرد غطاء لعمليات ضخمة تقوم على نهب وبيع آثار سوريا والعراق على مدار السنوات الماضية، إذ أدرك تنظيم الدولة أن بحوزته أغنى منطقة أثرية في العالم، وأدرك أيضًا منذ اللحظة الأولى حجم التمويل المالي الكامن في بيع هذه الآثار التي تفوق أرباحها تجارة السلاح والمخدرات.-تنظيم الدولة وراء أكبر عمليات نهب للآثار التنظيم استخدم التدمير خدعة وستارًا لعمليات التنقيب عن الآثار السورية والعراقية ونهبها ومن ثم بيعها في السوق السوداء، لقد كانت عملياته منهجية كما أظهرت صور الأقمار الصناعية، وقد وصف تقرير لصحيفة الديلي ميل البريطانية تلك العمليات بأنها "إحدى أكبر عمليات نهب الآثار الناجحة التي وقعت في التاريخ، والتي ينتظر أن تؤثر في سوق الآثار العالمية في السنوات والعقود المقبلة، هذه العمليات أتت على كل أمل بتنفيذ عمليات حفر وتنقيب أثرية عملية في هذه المواقع، التي تعتبر بعضها من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط.

-أرباح داعشوبينما من الصعب المعرفة كم يتكسب التنظيم من هذه التجارة، إلا أن أكثر من تقرير تحدث عن حجم مبيعات التنظيم الهائلة، آخرها ما صدر قبل أيام عن موقع "أنليزي ديفيزا" الإيطالي، الذي قال أن سقف الأرباح يصل إلى 100 مليون دولار في السنة، وأن التحف الأثرية والقطع النادرة الثمينة، التي توجد في المواقع الأثرية في سوريا والعراق، أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية، أحد أهم مصادر التمويل بالنسبة لللتنظيم الإرهابي، خاصة في الفترة الأخيرة، التي تميزت بتراجع كبير في عائدات النفط.وقدرت أرباح تجارة التنظيم في سوريا بنحو 200 مليون دولار، فعلي سبيل المثال، كانت إيرادات بيع الآثار المنهوبة من موقع أثري بمدينة النبك، غربي دمشق، 36 مليون دولار أمريكي، لذلك تقدر بيع ممتلكات هذه المعابد والمتاحف ببلايين الدولارات، إذ تعتبر اليونسكو أن بيع تلك الآثار،عن طريق التجارة المباشرة وغير المباشرة، أحد أهم مصادر التمويل المادي التي يتلقاها تنظيم داعش في العراق وسوريا.وقد أقدم التنظيم على استخدام "الجرافات الأثرية"، ووظف سكانًا محليين ليحفروا المواقع والقبور الأثرية، لتعبر المسروقات بعد ذلك نحو تركيا ودول البلقان في أوروبا الشرقية ومنها إلى أوروبا الغربية، وتعد الولايات المتحدة وبريطانيا، أكبر سوق تجاري للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط.

-الموصل المنكوبةإن أحد حراس المواقع الأثرية في موقع بوابة نركال، أكد للصحيفة البريطانية أن التنظيم جاء بشاحنة ضخمة ورافعة ورفع الثور المجنح على يمين البوابة الذي كان بحالة جيدة جدًا، وحرروه من البناء، وتحمليه على الشاحنة، وعندما استفسر الحارس من باب الفضول وسألهم عن سبب عدم تدميره أخبروه بأنه سيُدمر بطريقةٍ خاصة.وقبل أن يستعيد العراق أكثر من 150 ألف قطعة أثرية سرقت من المتحف العراقي عام 2003، تتضح أهوال تخريب ونهب التنظيم لآثار المحافظة الحضارية والدينية والثقافية، فقد أقدم التنظيم على سرقة آثار من المتحف والمناطق الأثرية في المدينة، متبعًا سياسية تدمير بعض الآثار للتغطية على عمليات النهب والبيع الكبيرة.-تورط إسرائيل وقطرولا تبعد إسرائيل عن جريمة السيطرة على الآثار العراقية، إذ كشف تقرير إسرائيلي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن السلطات الإسرائيلية وضعت يدها على كثير من القطع الأثرية العراقية، التي وصلت إلى الأسواق الإسرائيلية، وقامت بمصادرتها وحصلت على قرار من المحكمة الإسرائيلية يتيح لها الاحتفاظ بهذه القطع ومصادرتها.أرقام صادمة، يظهرها التقرير الإسرائيلي، فيؤكد أن الواردات من مقتنيات التراث السوري زادت إلى ما نسبته 145%، بينما المقتنيات العراقية زادت إلى ما نسبته 61% وذلك بين أعوام 2011 و2013، فقد لجأ تنظيم إلى بيع القطع الأثرية باعتبارها مصدرًا للتمويل وتغذية خزائنه، وقدرت أرباح التنظيم بين 150 و200 مليون دولار في السنة، فمن الذي يشتري من التنظيم هذه القطع الأثرية؟لقد جاءت شهية القطريين و الصهاينة المفتوحة على شراء القطع الأثرية في المقام الأول، فسواء كان هؤلاء يدركون شرعية هذا الشراء أم لا، فقد خلقوا سوقًا سوداء قوية حفزت التنظيم الإرهابي على تعميق تجارة لنهب تلك التحف والقطع الأثرية من الشرق الأوسط، حيث يقوم المشترون القطريون الذين بدورهم أحياناً يعطوا تلك الآثار كهدايا لإسرائيل أو يقومون ببيعها لهم.إسرائيل، لم تخرج عن مناطق شراء القطع الأثرية من تنظيم داعش،حيث صارت مؤخرًا مركزًا للتجارة الدولية غير القانونية بالآثار المسروقة، بفعل القوانين الإسرائيلية المتساهلة نسبيًا في إقرار عمليات شراء قطع أثرية وبيعها في فلسطين المحتلة والخارج.-تركيا تدخل علي الخطأما الأكثر صدمة فهو ما كشفه التقرير حول تورط تركيا وإسرائيل في تهريب آثار العراق، إذ كشفت قضية تورط سلسلة متاجر "هوبي لوبي" الأمريكية في عملية شراء آثار عراقية، أن هذه الآثار مهربة عبر تركيا، وفي التفاصيل يذكر أن الشركة اشترت قطع أثرية يبلغ عددها 5500 قطعة مقابل 1.6 مليون دولار، ووصلت هذه القطع لمقر الشركة في أوكلاهوما في الولايات المتحدة عبر الإمارات وإسرائيل، بموجب مستندات شحن مزورة تشير إلى أن الشحنات تحتوي على ألواح من سيراميك الأرضيات، وأن بلاد المنشأ هي تركيا وإسرائيل، وقد أثارت هذه القضية شبهات حول علاقة ودور الإمارات بما يتردد من غسيل أموال تنظيم داعش.كما سجلت في الفترة الأخيرة تعاملات تجارية بين مافيا مدينة كالابريا الإيطالية وتنظيم داعش، قامت بالأساس على تبادل القطع الأثرية المسروقة من سرت الليبية مقابل الأسلحة الإيطالية.كما اكتُشف أن هذه الآثار تمر بميناء جويا تاورو الإيطالي، ووصلت هذه الآثار إلى بلغاريا فقد اكتشفت وحدة الجريمة المنظمة بوزارة الداخلية البلغارية عملات قديمة مثبتة أزرارًا على السترات، وضبطت الشرطة الفرنسية قطعًا مسروقة من مذبح رخامي عبرت من لبنان إلى تايلاند، وأشار تقرير بلغاري عن وجود حوالي 20 معرضًا فنيًّا رئيسيًّا ومنزلًا تجاريًّا في مدن أوروبية غربية كلها تعرض قطعًا مهربة.

-هل يمكن استعادة هذه الآثار؟تحظر القوانين العالمية التجارة غير المشروعة للآثار، لكن الإفلات من هذا الحظر ليس مستحيلًا، بل تبدو عملية ملاحقة تلك الآثار وإيجادها أمر صعب للغاية، حيث لم يتمكن العراق حتى الآن من إيجاد ولو قطعة واحدة من القائمة التي قدمها حول آثاره المنهوبة من متاحف الموصل للمجلس العالمي للمتاحف.في الفترة الأخيرة، طرحت عدة مشاريع قوانين للحد من تدفق الآثار المنهوبة، قد انتشر بشكل واضح التحذير من بيع و شراء هذه القطع لا يضمن أي حق شرعي بملكيتها، وبدأت العديد من المنظمات تراقب الأسواق بحثاً عن الآثار المنهوبة وتحديد أماكن القطع المسروقة، ومن ضمن هذه الشركات شركة آرتياز بمدينة أمستردام، وهناك تقارير عديدة تفيد بتوافر قطع أثرية من سوريا والعراق في السوق السوداء في أوروبا.لكن من المتوقع أنه ستمر عدة سنوات قبل أن تظهر القطع الأثرية في الأسواق، فعلى سبيل المثال، مرت عدة سنوات بين عمليات نهب الآثار العراقية بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وبين تحريك سوق بيع الآثار العراقية، فغالبية القطع الأثرية لم تظهر بعد في الأسواق العالمية.-اليمن علي خطي سوريا و العراقتعاني اليمن هي الأخرى من نزاعات وصراعات قد تنهي عددًا كبيرًا من المناطق الأثرية في تاريخ البلد،وتعد اليمن مركزًا من مراكز عمق حضارة شبه الجزيرة العربية وامتدادها التاريخي في العصور الأولى للإنسان، وقامت على أرض اليمن حضارات قديمة أشهرها سبأ وحضرموت ومعين، بالإضافة إلى الحضارة الإسلامية التي جاءت بعد احتضانها للديانات الإبراهيمية السابقة واعتناق ملوكها هذه المعتقدات.وتعود هذه الخسائر إلى استخدام الحوثيين المعالمَ التاريخية معاقلَ اختباء ومقاومة، بالإضافة إلى تهريب الكثير من القطع إلى الخارج وبيعها بأسعار خيالية، استثمارًا في الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد، وضعف مؤسسات الدولة منذ انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي.قيل قديمًا إن "التاريخ يكتبه المنتصرون"، فآثار اليمن تتعرض مؤخرًا إلى هجوم شديد من طيران التحالف العربي وفق بعض المراقبين، وكذلك يقوم الحوثيون ومقاتلو علي عبد الله صالح باستخدام هذه الآثار في المعارك، وقد تعرضت عشرات المتاحف والقلاع التاريخية التي تحوي آلاف القطع الأثرية للضرر بسبب هذا الصراع العسكري.وإلى جانب الخسائر المادية في اليمن التي وصلت إلى أكثر من 14 مليار دولار،وهناك مدنًا قديمة ومتاحفَ أثرية وقلاعًا حضارية وساحات تاريخية هي الأخرى تحتاج إلى أكثر من مليار دولار من أجل ترميم بعض الآثار، في حين تشير مصادر إلى تهريب آلاف القطع إلى الخارج، نحو إيران والسعودية ومن ثم إلى أوروبا وأمريكا.-هل اغتيال تراث المنطقة حلقة من حلقات الصراع الحضاري؟يشكل التدمير الممنهج تجاه الإرث الحضاري والتاريخي للبلاد العربية، تهديدًا مباشرًا للثروة المعنوية والمادية عبر مئات القرون لتاريخ المنطقة، ويعتقد الكثيرون أن مسألة العراقة التاريخية تدخل ضمن الصراع الحضاري بين الغرب والشرق.ومن خلال ما يحدث في المنطقة التي تعد من أعرق المناطق حضارة في العالم، يمكن القول إن العنف والفوضى والظلم كما يسميه ابن خلدون هو سبب الانهيار الأخلاقي والاقتصادي والتنموي للمجتمعات التي يراد لها في نظر البعض الاستمرار والدخول في نفق حرب المائة سنة بين السنة والشيعة، حيث تتعرض المنطقة لاستغلال كبير في نظر البعض لحالة الصراعات والخلافات القائمة من أجل اغتيال التاريخ البشري، ونفي كل قوامة لعودة الحضارة إلى المنطقة وبرعاية القوى الكبرى.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً