نقلهم المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة، فاثتأثروا بالإرث الفاطمي، وتشبثوا بكونهم متشيعين، باركوا مسجد الحاكم بأمر الله، وجعلوه قبلتهم، ومكثوا في مصر تيمنًا بنفحة ضريح الحسين، يلفهم الغموض رغم علانية وجودهم، يخفون طقوسهم الدقيقة ويتجولون في الشوارع مرتدين زيهم الرسمي الذي يعبر عنهم، يحتفلون كما يفعل الشيعة في إيران والعالم، ويستقبلون «سلطانهم» بموكب لم يُر في مثله حفاوة استقبال.
«10 مليون جنيه.. هبة السلطان لمصر في الزيارة الأولى »
في أول زيارة له منذ توليه أمور طائفة البهرة، ووسط ترحيب سياسي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 17 أغسطس من العام 2014، بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة، السلطان مفضل سيف الدين، سلطان طائفة البهرة بالهند، يرافقه نجلاه الأميران جعفر الصادق، وطه سيف الدين، والأمير عبد القادر نور الدين، زوج كريمته، و مفضل حسن، ممثل سلطان البهرة بالقاهرة .
وخلال الزيارة التي أخذت طابعًا رسميًا، رحب الرئيس "السيسي" بسلطان البهرة، كما أشاد بالجهود التي تبذلها طائفة البهرة لترميم المساجد الأثرية في مصر، وأوضح السيسي خلال اللقاء بالسلطان "مفضل" الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الدولة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية، وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات.
إلا أن الأمر لم يقتصر على كونها زيارة علاقات متبادلة، بين مصر والطائفة الشيعية "البهرة" حيث تناول اللقاء كذلك مناحي اقتصادية، حيث أعلن السلطان مفضل تبرعه بـ"10 مليون جنيه لصندوق تحيا مصر، كمساهمة في النهوض بالاقتصاد المصري.
وفي كل مرة يزور السلطان "مفضل" القاهرة يحرص على زيارة عدد من المساجد مثل: مسجد الحاكم بأمر الله، ومسجد، الأقمر، ومسجد الإمام الحسين، و مسجد السيدة زينب، وتستغرق زيارته عدّة أيام يتقابل فيها مع طائفة البهرة في القاهرة.
«كيان اقتصادي مجهول التفاصيل»
ورغم أن عدد أتباع طائفة البهرة حول العالم يُقدّر بمليوني شخص غالبيتهم في اليمن والهند، لا يعد اهتمام السلطان مفضل بالاقتصاد المصري أمرًا غريبًا، فطائفة البهرة تتمتع بنشاط اقتصادي متفرد في مصر، ربما لا يمكن تصديق قوته لكونهم جماعة "أقلية" ولا ينخرطون في المجتمع المصري، إلا أنهم استطاعوا تحقيق مكاسب طائلة من التجارة والانخراط في المشاريع الاقتصادية، واهتمامهم بالاستثمار في مصر، خاصة في مجالات المنتجات الغذائية، وصناعات الورق، و مصانع الرخام، إلا أن السلطان خلال زيارته لمصر، ولقائه "السيسي" أكد اهتمام طائفة البهرة، بمضي مصر قدمًا لتنفيذ المشروعات الاقتصادية الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها، مشروع قناة السويس الجديدة، وتنمية محورها، منوهاً إلى العديد من الجهود التي تبذلها الطائفة في مصر في مجال ترميم المساجد الأثرية والأعمال الخيرية، خاصة التابعة للفاطميين مثل مسجد الإمام الحاكم في شارع المعز لدين اللي الفاطمي، مضيفًا أن لك الاعمال تدل على علاقة روحية تربط بين أبناء طائفة "البهرة" ومصر التي تضم الكثير من مساجد آل البيت.
وتتزايد أعداد طائفة البهرة في مصر، وكذلك أنشتطهم داخل البلاد وأماكن وجودهم بالقاهرة، ويتملك البهرة في مصر، عمارات، وفيلات، بشكل يلفت النظر إلى ما هية هه الطائفة ومدى نفذها الاقتصادي في مصر، والغرض من ذلك أيضًا ومدى إمكانية تأثير هذا الأمر على نسيج المجتمع المصري الذي يعتنق المذهب السني، بينما البهرة طائفة دينية شيعية.
واتخذ البهرة أماكن إقامتهم بجوار القاهرة القديمة، كما اتجهوا إلى إقامة مشاريع تجارية، ومصانع بمدينة 6 أكتوبر، وبعضهم اشتروا بيوتاً ومحلات تجارية في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ومع توافد أعداد البهرة الفاطميين على مصر بغرض الإقامة والتملك يزداد الوجود الشيعي داخل البلاد بعد أن اختفى منها طيلة ثمانية قرون، ويتبع البهرة طقوسًا معينة عند بناء أي مبنى تابع لهم، حيث يقومون بإحضار جمل، وبعد ذبحه يفرغونه من اللحم ويضعون بداخله أوراق لطلاسم سحرية ثم يضعونه في أساس المبني وبعد ذلك يبنون المبني.
ويقوم البهرة بعملية ترميم مساجد آل البيت وتمويلها كما حدث في مرقد السيدة زينب، ومقصورة رأس الحسين، ومسجد الجيوشي، وشارع المعز لدين الله الفاطمي، وشارع الليمون بباب زويلة، وبالطبع مسجد الحاكم بأمر الله؛ حيث يقومون بتجديده كل عام على نفقتهم الخاصة.
«الاقتصاد.. المحرك الأول للطائفة الشيعية»
وبخلاف ما يتردد حول تفاصيل عقائدية داخل الطائفة الشيعية، يستطيع بها السلطان جمع الأموال من أبناء الطائفة، تؤهله من شراء كل ما يمكنه من أساليب الثراء الفاحش، والتي تتمثل غالبيتها في الفنادق والقصور، إلى جانب حياة الترف، إلا أن الصاعقة الكبرى كانت عندما أعلن شراء السلطان شركة كوكاكولا للمشروبات الغازية في الهند، ولا يقتصر الأمر على السلطان فقط، حيث يمتلك أبناء الطائفة في مصر، محلات ومشاريع تجارية تتمتع بشهرة واسعة، وبحسب ما ذكر موقع " مركز الأئمة للدفاع عن أهل السنة" سلسلة محلات مونجيني للحلويات والتي تنتشر أفرعها بالقاهرة والجيزة والمنصورة، ويديرها الأخوان إدريس وقريش، وهما من مدينة مومباي بالهند، والذي أرجع أحد الباحثين تسميته "مُنجيني" بمعنى أن الحاكم بأمر الله الذي يعبدونه ويقدسونه هو من "سينجيهم" بزعمهم أو الإمام المستعلي أو الطيبي أحد أئمتهم على حد اعتقادهم ولذلك حاولوا بمبدأ التقية في بداية عملهم في مصر بزيادة حرف الـ(s) في نهاية الكلمة "مونجينيز" لكي لا يفهمها أحد ثم ألغوها بعد ذلك وبقيت الواو زائدة، ويدير مصنع مونجيني شخص هندوسي اسمه راميش، بالإضافة إلى شركة حبة حبة بمدينة العبور، والتي يديرها مستر سيف، لتجارة الشاي والحبوب والمكسرات والبقوليات، وشركة غزال للأظرف، وشركة حذيفة لأدوات الكمبيوتر، ومصنع الحسين للورق بأكتوبر، إلى جانب عدد من المحلات بشارع الجمهورية كمحل الخيل ومحلات للرولمان البلي، وفندقًا خاصًا بهم في منطقة الدراسة يسمي "دار الفيض الحاكمي".
«البهرة.. إسلام خاص»
«البهرة» تعني الوسط من كل شيئ، وتأتي تسميتهم بذلك أنهم عندما ذهبوا للهند عملوا بتجارة «البهارات»، ونشروا فكرهم الشيعي بالهند وبنجلاديش وباكستان، ثم اختلطوا بالهندوس وانضم إليهم من أسلموا من الهندوس وسموا بعدها «البهرة» وهي لفظة هندية قديمة تعني «التاجر».
ويؤمن البهرة بأن للإسلام سبع دعائم وهي «الولاية ، والشهادة، والصلاة، والصوم، والحج، والجهاد، والصدقة»، ويطلقون على زعيمهم لقب «برهاني» وأنه نبي من الأنبياء، وأنه قد ورد ذكره في القرآن، متأولين الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا)، ويؤمنون بأن جدهم الحاكم بأمر الله لم يمت وأنه اختفى وسيعود مرة أخرى، كي يقيم الدولة الفاطمية على اعتبار أنه المهدى المنتظر الذي سيعيد المجد للإسلام، و لهم كتاب مقدس يمنعون احدًا غيرهم من لمسه او الاطلاع عليه، يقرأون منه عند ضريح الحسين، قبل أن يلطموا صدورهم ويضربوها ندمًا على مقتل الحسين.
ومن أمثلة كتبهم، كتاب النصيحة، لمؤلفه الداعي الحادي والخمسين طاهر سيف الدين، وهذا الكتاب يعتبرونه قرآنهم ويخرجون منه أحكامهم وعباداتهم، بالإضافة إلى دعائم الإسلام وهو مخطوط لم يطبع، والحقائق وهو مخطوط لم يطبع، وضوء نور الحق المبين تأليف داعي البهرة طاهر سيف الدين، وقد كلف أتباعه بقراءته على جموع البهرة، وفي مجالسهم الخاصة والعامة.
وتعد صلاة مغرب يوم الخميس، هي الصلاة المقدسة لدى طائفة البهرة، وعند حلولها يحاط مسجد الحاكم بأمرالله، بستائر خضراء من جميع الاتجاهات، وتتوافد جموع المصلين على المسجد قبيل الآذان، ويتجمعون حول بركة ماء في صحن المسجد، ويصلون عندما ينتهي رواد المسجد من صلاتهم، غير أنهم يزيدون على الآذان الرسمي للمسلمين، حيث يضيفون "أشهد أن علي ولي الله"، و"حي على العمل".
وتتبع الطائفة الشيعية لمكتب يراعي شؤون أبناء البهرة وهو"مكتب سلطان طائفة البهرة في مصر" بشارع سوريا في حي المهندسين بمحافظة الجيزة، وهو مكتب مختص بحل مشاكل أبناء الطائفة والتنسيق بينهم، لكن لم تستطع الحصول على أي إحصائيات تخص عدد هذه الطائفة، أو رصد ممتلكاتهم في مصر، وتبقيهم في عزلتهم عن المصريين السنة، خاصة وأنهم لا يتزوجون إلا من بعضهم.
«الدعوة إلى التشيع.. احتفالات وأشياء أخرى»
تثير احتفالات البهرة، بمولد زعيمهم محمد برهان الدين سلطان التي يقيموها على مدار أسبوع كامل، داخل مسجدي الحاكم بأمر الله، ومسجد الأقمر بميدان الليمون في منطقة القاهرة الفاطمية، إلى جانب الاحتفالات الشيعية بيوم عاشوراء والتي تتم وفقا للطقوس الإيرانية، حيث يرتدي أبناء الطائفة الملابس السوداء حدادًا على مقتل الإمام الحسين، ذريعة المسلمين السنة، والذين يحذرون من علانية تلك الطقوس، والتي تعد دعوة صريحة للتشيع من خلال بث أفكار وطقوس التشيع في مصر، إلا ان هناك ظاهرة أخرى بخلاف السماح للشيعة- الذين يتزايد عددهم في مصر- بأداء طقوسهم بعلانية، وهي ظهور ملابس مشابهة لزي "الشادور الإيراني" الخاص بالسيدات الإيرانيات، وعلى الرغم من أن نساء طائفة البهرة يرتدون زي موحد يشبه ملابس الباكستانيين، إلا أن "الاسدال" الذي يشبه الشادور الايراني لاقى رواجًا هائلًا في الشوارع المصرية.
وعلى الرغم من أن البهرة، يمنعون فئات المعتقدات الأخرى من مشاركتهم في مواكب الاحتفالات، ويرفضون العمل بالسياسة كما لا يسمحون بالاختلاط المباشر مع غيرهم من أصحاب المعتقدات السنية او غيرهم، كما يمنعون التصوير ولمس كتب الأدعية الخاصة بهم، إلا أن بعض الباحثين المادفعين عن السنة، يرون أنها طريقة جديدة للطائفة الشيعية لجر المجتمع المسلم "السني" المصري إلى مظاهر التشيع ولو على استحياء، ولكنه وفق خطة منظمة لذلك.
«تناقدات المواقف.. إيران تهدم وفي مصر مباح»
وتواجه الحكومات المصرية على تتابعها انتقادات تجاه السماح لأبناء الطائفة الشيعية بممارسة شعائرها علانية، بل والدعوة إلى التشيع في كثير من الوقائع، فيما تحارب إيران الأب الروحي لكل الشيعة في العالم، أي تواجد سني على أراضيها.
ففي الوقت الذي يبني فيه الشيعة في مصر وبعض الدول العربية، ويقيمون احتفالاتهم، ويشرفون على مساجد تابعة لهم منذ العصر الفاطمي، شهدت العاصمة الإيرانية احتجاجات من أصحاب المنهج السني، في طهران، وذلك اعتراضًا على هدم مصلى أهل السنة في طهران من قبل بلدية العاصمة مدعومةً بقوى الأمن.
و هاجمت قوات الأمن الإيرانية مصلى السنة الواقع في منطقة بونك بطهران وقامت بتفتيشه، كما فتشت منزل إمام المصلى، مولوي عبيد الله موسى زادة، قبل إقدام البلدية على هدم المصلى، وفقًا لموقع "العربية".
وفي رسالة موجهة للمرشد الإيراني الأعلى، انتقد مولوي عبدالحميد إسماعيل زهي منع السنة في طهران من امتلاك مسجد خاص بهم، وأضاف: "في ظروف يعج فيها العالم بالأفكار المتطرفة والتكفيرية والتفرقة والعنف والعالم الإسلامي بأمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى للهدوء وسعة الصدر، لم يكن يتوقع السنة في إيران هدم المصلى الوحيد لهم في طهرانK وخطوة كهذه تفتح مجالا لأعداء الإسلام ودعاة العنف والتطرف كي يبثوا الفرقة بين المسلمين وينشروا روح اليأس بين أطياف أهل السنة"، على حد قوله.
«الأزهر.. يدق ناقوس الخطر»
لا يترك أئمة الجامع الأزهر والمدافعون عن المذهب السني وعلى رأسهم الأزهر الشريف، مناسبة إلا ودق ناقوس الخطر محذرًا من امتداد المذهب الشيعي في مصر، وقال الدكتور أسامة الأزهري، عضو الهيئة الإستشارية لرئاسة الجمهورية، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إنه يحر جموع المصريين من الانجراف والانخداع بالإلحاد أو التشيع، أو أن يهمس أحد فى أذنهم بالخوض في أصحاب رسول الله، أوسب صحابته، بمزاعم واهمة.
وفي تصريح له قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر:"..ونحن لا نعترض على المذهب الشيعي للشيعة كمذهب، ولكن نعترض علي ترويج هذا المذهب ليسود في مناطق أهل السنة، انطلاقًا من منطلقات سياسية بحتة والتي لم ولن تتحقق، فقد باءت محاولات غيرهم بالفشل مع كثرة أموالهم التي تضخ من أجل ما يهدفون إليه، لأنه لا يصح إلا الصحيح، حيث خلق الله الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم، مشددًا على أن دعوة التشيع الآن جزء من خطة كبرى هدفها التدخل في شئون الدول والهيمنة على المنطقة، وهو ما نرفضه تمامًا.
وأضاف شيخ الأزهر أن :"الخلافة من الأمور التي تتغير بتغير الزمان والمكان. ولو أن النبي -صلى الله عليه وسلم-فرض على أمته صورة واحدة في طريقة اختيار الأمة لحكامها لوقعت الأمة في حرج شديد من أمرها، وتصور لو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف شخصًا معينًا، وأصبح هذا فرضًا على المسلمين أو حتى سُنَّة من السُّنن، ثم تصور وضع العالم الإسلامي والعربي الآن، هل كان يمكن الاستجابة إلى هذا التوجيه النبوي؟ وكيف؟ ومَن يستخلف مَن؟ ومَن يُسلِّم الأمر لمَن؟ وهل يمكن أن ندير ظهورنا للأنظمة الحديثة الآن؟ إذن ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله ليفسح مكانًا للرأي العام في سياسة الناس، وهذا ما حدث في اجتماع السقيفة الذي كان تجسيدًا لديمقراطية لم يعرفها الناس إلَّا بعد عِدة قرون.