تصدر قرار السعودية المفاجئ باعتقال العشرات من أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال والوزراء ، اهتمامات وسائل الإعلام العالمية، الخطوة التي حللها البعض بأنها محاولة لتدعيم سلطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فيما حاول البعض الربط بين القرارات الأخيرة والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقالت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، إنه من الصعب تجاهل ما يحدث في السعودية الآن، وحاولت إيجاد الصلة بين "لاعبي القوة" السعوديين، بحسب وصفها، وترامب الذي سارع بالاتصال بالعاهل السعودي، عقب الخطوة غير المتوقعة، وبعد زيارة سرية لمستشار البيت الأبيض، جاريد كوشنر، صهر ترامب قبل أيام.
فمازالت ردود الأفعال العالمية تتوالى بشأن قائمة الاعتقالات الصادرة في السعودية أول أمس، والتي شملت 11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير حاليين وسابقين، من بينهم اثنين من أبناء العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، ورجل الأعمال الوليد بن طلال وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق ، حيث احتجزتهم المملكة في فندق ريتز- كارلتون الرياض.
وجاءت قرارات اعتقال عشرات الأمراء والوزراء في المملكة بعد قليل من صدور أوامر ملكية في السعودية أمس بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله من منصبه، وتعيين خالد بن عياف بدلاً منه، وإنهاء خدمات قائد القوات البحرية الفريق عبد الله السلطان، وتعيين فهد الغفيلي خلفاً له، وإقالة وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه وتعيين محمد التويجري بدلاً منه.
-أول اتصال لترامب
"ترامب أشاد بإجراءات القيادة السعودية لتحديث المملكة" ، جاء ذلك في بيان عن البيت الأبيض، أثناء جولة ترامب في شرق آسيا، يعرض تفاصيل اتصال جرى بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وأثنى ترامب على "خطط التحديث التي يتولاها الملك سلمان، منوهًا إلى سلسلة المواقف التنويرية التي دعا فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الانفتاح والتطوير الاجتماعي والاقتصادي".
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الإلكتروني "أن بيان البيت الأبيض لم يُشر نصًا إلى إجراءات مكافحة الفساد التي نفذت في المملكة الليلة الماضية وتضمنت توقيف مجموعة من الوزراء والمسئولين السابقين والحاليين، إضافة إلى عدد من الأمراء بينهم الوليد بن طلال ، والذى يملك حصصاً في مجموعة من الشركات الغربية ، بتهم عديدة بينها غسيل الأموال".
لكن الصحيفة اعتبرت أن "توقيت صدور بيان البيت الأبيض وإشادته بكافة إجراءات التحديث السعودية، يُعتبر تأييدًا من الرئاسة الأمريكية، حتى وإن لم يرد بالنص".
وبينت أن "الإشادة جاءت شاملة لما صدر من الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان من إجراءات تحديثية وتنويرية، ومفهوم أن مكافحة الفساد ضمن ذلك"،وفقاً الصحيفة.
كما وجه ترامب الشكر للملك سلمان على دعم السعودية فى مكافحة الإرهاب وشراء معدات عسكرية من الولايات المتحدة، كما أثنى على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على دعوته الأخيرة للتسامح والاعتدال في المجتمع السعودي.
ووفقاً لبيان البيت الأبيض، أن التصريحات العلنية التي أدلى بها الملك وولي عهده فيما يتعلق بالحاجة إلى بناء منطقة معتدلة وسلمية ومتسامحة ضرورية لضمان مستقبل آمل للسعوديين، وتقليص التمويل الإرهابي، وهزيمة الأيديولوجية المتشددة.
كما بحث الرئيس الأمريكى اعتراض المملكة السعودية لصاروخ أطلقه الانقلابيون الحوثيون في اليمن، حيث أكدّ ترامب دعمه لمبيعات عسكرية للسعودية، من شأنها الحفاظ على أمن المملكة.
كما عبر الملك خلال الاتصال عن إدانة الرياض للهجوم الذي شهدته نيويورك الأسبوع الماضي وقتل فيه ثمانية أشخاص في عملية دهس.
وقالت أن الملك سلمان أكد خلال الاتصال "استعداد المملكة للمساعدة في مواجهة هذه الأعمال الشريرة".
وأعرب عن "تأييد بلاده الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لمواجهة الإرهاب وحفظ أمنها الوطني".
وأكد "أهمية الاستمرار في بذل مزيد من الجهود الدولية لاجتثاث الإرهاب في جميع أشكاله وتجفيف منابعه".
-ترامب والأمير"دوبي"
تعود علاقة الأمير الوليد بن طلال، بترامب لى التسعينيات، وتوضح شبكة "سي إن بي سي " الأمريكية في تقرير لها لأحد أنه بين عامي 1991 و1995، أخرج الملياردير السعودي ترامب من مأزق، بشرائه يختًا من شركة العقارات الخاصة بترامب في نيويورك، كما كان واحدًا من المجموعة التي اشترت فندق نيويورك بلازا، إلا أن علاقتهما ساءت كثيرًا في الأعوام الأخيرة الماضية وتبادلا الشتائم على حساباتهما عبر موقع تويتر عام 2015.
وقال الوليد بن طلال في تغريدة، عقب دعوة ترامب بحظر سفر المسلمين إلى أمريكا: "أنت لست عارًا على الحزب الجمهوري فحسب، بل على أمريكا كلها، انسحب من السباق الانتخابي، لأنك لن تفوز أبدًا".
فرد عليه ترامب بوصفه بالأمير دوبى، الذى يستخدم المال للسيطرة على السياسيين فى أمريكا، قائلاً: "الأمير البليد الوليد بن طلال، يريد أن يتحكم بسياستنا بأموال الوالد، لن تستطيع فعل ذلك إذا انتخبت".
وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه بعد اعتقال بن طلال، أحد أغنى الرجال في العالم، الذين يمتلكون حصصاً كبيرة في كل شيء، من سيتي بنك إلى تويتر، إلى الشركة الأم لشركة فوكس نيوز،و تويتر، وليفت، وسيتي جروب و21 سينشيري فوكس ، سيتردد صداه على استثماراته في العالم وسيؤثر على شركائه من رجال الأعمال مثل بيل جيتس، روبرت مردوخ، ومايكل بلومبرج.
واعتبرت الصحيفة ان طلال قطب اعلامي واقتصادي حيث انه أحد أفراد العائلة السعودية المالكة، ويملك الكثير من العقارات والفنادق حول العالم، كما يدير العديد من المؤسسات والشركات، ولديه حصص في العديد من المؤسسات الإعلامية العالمية والعربية ، مشيرة إلى أنه اعتاد الظهور في الإعلام الغربي، وأدلى بتصريحات للشبكة الإعلامية في أكتوبر الماضي عن مستقبل العربات الكهربائية.
وكان بن طلال، في عام 2015،إنه مستعد للتبرع بثروته كلها لبناء عالم أفضل، يوفر فرصًا للجميع، ويقوم على التسامح، وتقبّل الآخر، والمساواة.
-بن سلمان و كوشنر
رغم أن المسئولين السعوديين يؤكدون أن الأوامر التي صدرت ،كانت بهدف تطهير المملكة من الفساد، يرى البعض أنها إشارة إلى المكانة القوية التي وصل إليها بن سلمان، وفقاً شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية.
وذكرت الشبكة أن بن سلمان، 32 عامًا، يقود رؤية 2030، التي تهدف للقيام بالكثير من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة.
وأضافت تولى ابن سلمان منصب ولي العهد في يونيو الماضي، بعد عزل ابن عمه محمد بن نايف، مشيرة إلى ترجيح البعض أن هذه الخطوة من شأنها خلق صراعات على السلطة داخل العائلة الحاكمة.
وتقول الشبكة إن ابن سلمان عمل على تقوية وتحسين علاقته مع جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الشرق الأوسط وزوج ابنته إيفانكا، خلال الجولة التي قام بها ترامب وبدأها بالسعودية.
ونوهت "سي إن بي سي" إلى قيام كوشنر بزيارة خاطفة إلى المملكة الأسبوع الماضي، أي قبل أيام من إصدار الأوامر باحتجاز الأمراء والوزراء والمسؤولين السعوديين.
-أرامكو الطرح "الأكبر" في التاريخ
وتزامنت حملة الاعتقالات السعودية مع التغريدات التي كتبها ترامب على حسابه بموقع تويتر، والتي أفادت بأنه يحاول إقناع المملكة بإدراج أسهم شركة "أرامكو" السعودية في بورصة نيويورك.
وقال ترامب في تغريدة له "سنقدّر للغاية خطوة السعودية إدراجَ شركة أرامكو في بورصة نيويورك، إنه أمر مهم للولايات المتحدة".
وتقول شبكة " بي بي سي" البريطانية إن الولايات المتحدة لديها العديد من الأسباب للاهتمام بالسعودية، على رأسها النفط، والدور المحوري الذي تلعبه في الشرق الأوسط، إلا أن ترامب ركز منذ يومين على شيء أكثر تحديدًا، إذ اقترح على المملكة إدراج شركة أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، والبالغة قيمتها تريليوني دولار، في بورصة نيويورك.
ويتوقع أن يصبح الطرح العام الأول لأرامكو الأكبر في التاريخ، وهو ما يرفع عائدات المملكة العربية السعودية بواقع 100 مليار دولار تقريبًا.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية يتوقع أن تدرج شركة أرامكو محلياً بالرياض في بورصة واحدة على الأقل من البورصات الأجنبية؛ في ظل تنافس بورصتيْ نيويورك ولندن للفوز بعملية الطرح.
ويشهد الإدراج المحتمل، طرحَ 5% من الشركة المملوكة للدولة في عروض الاكتتاب الأولى، العام المقبل؛ حيث يُتوقع أن يصبح الطرح العام الأولَ لأرامكو، الأكبرَ في التاريخ؛ وهو ما يرفع عائدات السعودية بواقع 100 مليار دولار تقريباً، وفي حالة إدراج الشركة في لندن، يُتوقع أن تصل قيمتها 56 مليار لبورصة لندن.