بعد ساعات قلائل تمر الذكرى المائة لتقسيم وتمزيق الجسد الحي وتقطيعه قطعًا صغيرة بل إربًا ليكون قربانًا على مذبح القوتين العظميين في ذلك التاريخ.
بريطاني وفرنسي رسما خريطة تمثل في الحاضر الذي عاشا فيه مستقبلًا لأجيال عاشت عليه بعد ذلك في الغرب القريب والبعيد، لم يعرفا وقتها على الأرجح أن بلديهما ستزول عنهما أسباب القوى، لتحل بعدهما الولايات المتحدة وروسيا على سدة حكم العالم إن صح التعبير، ثم تتوارى الإمبراطورية الروسية ويتفكك الاتحاد السوفيتي لتبقى الولايات المتحدة القطب الأوحد حتى الآن على أقل تقدير.
البريطاني "مارك سايكس" والفرنسي "فرانسوا جورج" خطا حدود الدول على جسم الرجل المريض، الرجل المريض هنا هي الإمبراطورية العثمانية، وتحديدًا في السادس عشر من مايو عام 1916.
الاتفاقية التي مهرت بـ "سري للغاية" حملت اسم الرجلين "سايكس بيكو" وتم بموجيها تقسيم الدول العربية بين بلديهما بريطانيا وفرنسا، بمصادقة الإمبراطورية الروسية القيصرية، حيث تمت على شكل تبادل وثائق بين وزارات خارجية الدول الثلاث.
الإتفاق السري بين الدول الثلاث تم الكشف عنه بعد وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا، حيث حصلت الأخيرة على القسطنطينية والتي تسمى حاليا إسطنبول، وسيطرة على ضفتي البوسفور ومساحات كبيرة شرقي الأناضول في المناطق المحاذية للحدود الروسية التركية، فيما حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق.
أما بريطانيا شملت مناطق نفوذها من طرف بلاد الشام الجنوبي في الإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي والمنطقة الفرنسية.
الاتفاقية البريطانية الفرنسية السرية كان من بين بنودها أن تقع المنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا وعرفت بفلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية.
بيد أن الاتفاق نص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا، في مقابل أن تمنح فرنسا بريطانيا حق استخدام ميناء الاسكندرونة، الذي كان سيقع تحت حوزتها.
ملخص الاتفاقية كالتالي:
استيلاء فرنسا على غربي سوريا ولبنان وولاية أضنة.
استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، إضافة إلى ميناءي عكا وحيفا في فلسطين.
استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان. واعترفت المعاهدة أيضاً بحق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس بالأماكن المقدسة في فلسطين.
المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دول عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق سوريا وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية.
يخضع الجزء المتبقي من فلسطين لإدارة دولية.
يصبح ميناء الإسكندرونة حرًا.
ويبقى أن من توابع اتفاقية سايكس بيكو وعد بلفور الذي منح بموجبه وزير خارجية بريطانيا عام 1917 اليهود حق إقامة كيان لهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بعد مرور مائة عام على اتفاقية "سايكس بيكو" يبدو أن مفعولها مايزال ساري المفعول حيث يعيش الوطن العربي حالة من الانقسامات والتهديدات بمزيد من التقسيم، جراء الأوضاع التي تعيشها المنطقة، بدءً من ليبيا وانتهاء بسوريا مرورًا باليمن والعراق إلى دويلات أصغر، نتيجة صراعات سياسية وطائفية ودينية ليكون مبررًا أصيلًا لإستمرار كيان بمسمى دولة تدعى إسرائيل.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
