يستعرض الكاتب الصحفي إسلام المنسي، الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية، في كتابه "الوجه الآخر لماليزيا" الجوانب المختلفة للدولة الماليزية، حيث كشف عن معلومات تنشر لأول مرة باللغة العربية، من خلال اعتماده على الوصف والمشاهدة في عدد من الفصول، إلا أنه ما يلبث أن ينقل عن الكتب والصحف الماليزية، ويسهب في وصف واقع الدولة بأسلوب أقرب للعلوم السياسية منه إلى أدب الرحلات في الفصول الأخيرة منه، ويشرح الكتاب طبيعة الحياة السياسية في ماليزيا وهو مهم للقراء والباحثين والمهتمين بالشئون الآسيوية والتعرف على طبيعة الشعوب الأخرى.
ولا مبالغة إذا قلنا إن هذا الكتاب يعد أفضل مرجع لمحبي أدب الرحلات الذين يتطلعون للسفر للخارج ولديهم شغف للتعرف على الدول الأجنبية لاسيما الإسلامية منها، أو المقبلين على زيارة تلك البلاد سواء للعمل أو السياحة او غيرها، ويتميز لغته بانها سهلة وبسيطة وانسيابية، ومعلوماته غزيرة، وجزء منه مشاهدات شخصية، وغرابة وطرافة بعض معلوماته والتنوع الشديد لموضوعاته التي تلبي مختلف أذواق القراء.
ويحتوي الكتاب على معلومات لم يسبقه إليها الكتاب العرب وهى غير موجودة باللغة العربية من الأساس، وهو يحكي في مقدمة الكتاب أنه تعلم اللغة الماليزية بعد رحلته وأضاف لمادة كتابه موادا مترجمة ساهمت في إضفاء مزيد من الأهمية لعمله، لاسيما وقد سافر بنفسه إلى هناك وبذل مجهودا كبيرا خلال هذه الرحلة لانتاج عمل قيم يستحق القراءة، وتتوزع موضوعاه على 11 فصل:
الأول يحكي عن ماليزيا كدولة، حيث يقول في بدايته: "ماليزيا.. تلك المملكة الآسيوية الساحرة التي جمعت حضارات أكبر قارات الدنيا ووضعتها في إناء واحد تجد فيه عبق زهورها وتوابلها وألوانها وأشكالها وألسنتها وثقافاتها؛ لم يمتزج أحدها بالآخر بل احتفظ كل منها بطبيعته، فتجد ناطحات السحاب التي تطل على الغابات الاستوائية الكثيفة، وبداخل الغابات يعيش سكان الأكواخ البدائيون.
ستجد السلاطين في قصورهم يستعدون لانتخابات اختيار الملك الجديد، وأتباع التصوف الغزالي يسيرون في ركب السلفيين.
وتأكل الآيس كريم بالفلفل الحار، وتنزل إلى المياه على ظهر الأفيال، وترى أحدث المطارات ومصانع السيارات، وتتذوق فواكه لا شبيه لها ولا نظير في بلاد العرب، لا تستطيع أن تصفها بدقة لأصدقائك، وحيوانات ليس أغربها القرد "أبو زلومة" أو الأسد الأبيض.
فإن فاتتك زيارة الهند والصين وبلاد العرب، واليابان، فيكفيك أن تزور ماليزيا، سترى فيها منطقة كل ما فيها صيني، وأخرى قطعة من الهند، وثالثة يحظر فيها الكلام إلا بلغة القرآن، ورابعة تحوي علم وتكنولوجيا اليابان.
ويحكي الفصل الثاني يحكي عن عادات الطعام والمطبخ الماليزي، وقد اختار الكاتب اسم "البيت المفتوح" عنوانا له، والبيت المفتوح اسم تقليد شعبي في عيد الفطر المبارك وهو عبارة عن ولائم تقيمها الأسر المسلمة في بيوتها وتفتح بابها لكل الزائرين، وحتى الغرباء يستطيعون أن يدخلوا فيأكلوا بدون دعوة من صاحب البيت، وحتى الهنود والصينيين فإنهم ضيوف مرحب بهم ومحتفى بهم على موائد البيت المفتوح، حيث تستمر بعض الأسر في فتح بيتها للزائرين أسبوعًا أو أسبوعين بشكل يومي وتستضيف مئات الزائرين وتقدم لهم أفضل الأطعمة والمشروبات والحلويات، ويحكي الكاتب أنه من الطبيعي أن تجد أن رئيس الوزراء نفسه يفتح بيته للمواطنين في موعد يتم الإعلان عنه، ويخصص حافلات مجانية لتوصيل المواطنين إلى بيته في العيد.
ويتحدث الفصل الثالث عن الشخصية الماليزية، ولعل هذا الفصل هو اهم الفصول على الإطلاق، فقد سرد الكاتب عددا من المواقف التي تعرض لها واورد ملاحظاته واستعان بعدد من القصص التاريخية التي تؤكد صحة تلك الملاحظات، وقد اهتم بزيارة المدارس والبيوت والاختلاط بالسكان حتى يستطيع تكوين صورة واضحة.
ويقول "والمدرس يتعامل مع الطالب بروح أبوية تمامًا لا مجال فيها للقهر ولا للعسف، لدرجة قد نحسبها نحن تسيبًا وضعفًا في الشخصية، وليس عيبًا أن يُسأل الطالب سؤالًا فيستعين بصديق لمعرفة الإجابة ولا يعتبرون ذلك غشًا بل يكفي أنه قد عرف المعلومة وهو المهم، فالطالب قد يتكلم أو يضحك أثناء شرح المعلم أو يجلس وظهره للمعلم، ولا أحد ينكر عليه ما يفعل، فلما تكلمت معهم عن هذه الملاحظة قال لي أحد الأساتذة: "وهل يطيق الطفل أن يجلس طوال مدة اليوم الدراسي حبيسًا في مقعده ووجهه في السبورة منصتًا لشرح المعلم؟!! هذه حياة عسكرية"، فالطالب يجب أن يأخذ حريته كي يستطيع أن يتحمل ثقل الدراسة، ويشعر بأريحية وكأنه في بيته، فتصبح المدرسة هى بيته الثاني حقيقةً لا مجازًا، فالطالب لا يشعر بالكبت والتأفف والإذلال أثناء وجوده في الحصة، ولا ينتظر فترة الخمس دقائق بين كل حصة وأخرى كى يفرغ طاقته المكبوتة في اللعب والصخب، فمدرس الحصة يدخل في وقته بالضبط، ويخرج في وقته بالضبط."!
ويتحدث الفصل الرابع عن الحياة السياسية الماليزية، ويستعرض مسيرة زعماء البلاد من الاستقلال وحتى وقت كتابة الكتاب ويقول في بداية الفصل " الحالة الماليزية حالة فريدة وجديرة بالدراسة ففي هذه الدولة كل الأسباب التي يمكن أن تسبب النزاعات وتفجر الصراعات فالشعب عبارة عن طوائف لا يجمع بينها دين ولا جنس ولا لون ولا لغة ولا شكل ولا ثقافة مشتركة، وعندها تفاوت طبقي ولديها نظام اجتماعي طبقي فهناك الملوك والأمراء والسلاطين ولديها سكان الغابات ولديها مشكلة مهاجرين، ولديها أحزاب إسلام سياسي تسعى لفرض الشريعة وتطبيق الحدود ولديها أحزاب شيوعية وعلمانية وليبرالية ولديها تكدس للثروة في أيدي أقلية من رجال الأعمال ولديها نزاعات حدودية ولديها احتجاجية شعبية تدعو علنا لرحيل رئيس الوزراء ولديها إقليم يهدد كل فترة بالانفصال ولديها جوار مضطرب؛ فعلى حدودها دولتان تشهدان نزاعات مسلحة دموية.
باختصار لديها براكين خاملة لو تفجر واحد منها لأحرق الأخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل، ولكن الله حباها ما يجعلها تتغلب على ما سبق فحباها قيادات أمينة ناجحة استطاعت العبور ببلدها إلى بر الأمان وسط هذا البحر الهائج متلاطم الأمواج."
ويفتتح الفصل الخامس بقوله "لا يتخيل المصريون كم هم حاضرون ومؤثرون في الحياة اليومية الماليزية، بالرغم من المسافة بين البلدين؛ -إذ يسبق توقيت ماليزيا توقيت القاهرة بست ساعات- ومع ذلك فالحضور المصري لا تخطؤه العين ولا يمكن تجاوزه أو تجاهله، والعديد من القادة والمسؤولين الماليزيين درسوا فى الازهر الشريف ويكنون مشاعر حب واحترام شديدين للعرب وللمصريين، فالعرب هم أساس الإسلام، والأزهر هو المنهل الذي يستقون منه علوم دينهم، ويعتزون بزياراتهم للمنطقة العربية ولمصر، حتى إن مقدمة خطبة الجمعة في كوالالامبور هي نفسها في مساجد الأوقاف بالقاهرة، وكذلك الدعاء الختامي، فالمنبع واحد، إلا أن الاختلاف أن الخطيب يدعو في نهاية الخطبة أن يكرم الله سلطان الولاية وجلالة الملك ويسميهما باسمهما، كما أن جسم الخطبة نفسه بلغة الملايو، ومع ذلك فموضوع الخطبة من السهل لأي عربي أن يدركه بسهولة لأن الآيات والأحاديث تُـتلى باللغة العربية"، ويتحدث الفصل الخامس عن التأثير المصري في ماليزيا.
ويتحدث الفصل السادس عن التيار الاسلامي، ويشرح طبيعة تكوينه واختلافاته واماكن تواجده والانشقاقات والمشاكل التي تعرض لها عبر تاريخه بطريقة شيقة ومختصرة ويلقي الضوء فيها على المحطات الفكرية الهامة التي مرت بها الحركة الاسلامية هناك
أما الفصل السابع فيركز على الأقلية الصينية هناك، ويلقي الضوء على المجموعات العرقية المختلفة كالصينيين والهنود وأبناء القبائل ويقول في مستهل الفصل " لا يستطيع الزائر لماليزيا تجاهل النفوذ الصيني الطاغي، فالصينيون يهيمنون على النسبة الأكبر من الاقتصاد، وحتى الشركات التي تبدو مالاوية الطابع قد تجد الصينيين يملكون معظمها، حتى المدارس الإسلامية ذاتها فإن الصينيين هم من يورد لها الكتب والمستلزمات.
والبعض يشبه الصينيين بالزيت في الماء لا يمتزج به ولا يذوب فيه ولا يحدث أي تأثير في خواصه، ولكنه يطفو فوقه؛ بعكس العرب الذين اختلطوا بالمجتمع الملاوي وذابوا فيه تمامًا وأثروا فيه وصبغوه بالصبغة الإسلامية السنية، وأكثرهم يمنيون من محافظة حضرموت غالبًا.
فالعرب ذابوا في المجتمع الملاوي كالسكر في الماء؛ صحيح أنه يختفي تمامًا ويفقد خواصه الفيزيائية، إلا أنه يؤثر في الماء بشدة ويغير طعمه تمامًا، فقد تمت مقايضة الدين باللغة".
ويتحدث الفصل الثامن عن المذاهب الاسلامية هناك، ويركز على الوجود الشيعي والأزمة المصاحبة له وأنواع الفرق الشيعية المتواجدة في البلاد.
ويتحدث الفصل التاسع عن اللغات المحلية وعلاقتها باللغة العربية واللهجات المختفة للغة الانجليزية المستخدمة هناك، وقد اختار عنوان مثيرا لهذا الفصل وهو " هل تصبح ماليزيا دولة عربية؟" ويقول "هذا السؤال وجهته لعدد من الأكاديميين الماليزيين المتخصصين في تدريس اللغة وعلوم الشرع، وكان كلٌ منهم ينفجر ضاحكًا بمجرد سماع السؤال، فهم يعتقدون أنها أصعب لغة في العالم، فأحد الأكاديميين شكا لي من صعوبة فهمهم لبنية الكلمة في اللغة العربية، فالفعل الواحد يتشكل بأكثرمن عشرة أشكال؛ فالفعل "يفعل" مثلا يأتي في صور متعددة هي: فعل، فعلت، يفعل، تفعل، نفعل، أفعل، يفعلون، يفعلن، يفعلان، تفعلان، فعلوا، فعلن، فعلا، فعلتا، افعلوا...إلخ بينما في اللغة المالاوية شكل الفعل لا يتغير بتغير الزمن أو الفاعل، بل عندهم كلمة معينة عندما توضع أمام الفعل تدل على زمنه بدون تغيير شكل الفعل نفسه، ولا يؤنث الفعل ولا يذكر".
ويتحدث الفصل العاشر عن التاريخ الماليزي الذي يختزله في تاريخ مدينة مالاقا التي يصفها بأنها " مدينة التاريخ والحضارة في ماليزيا، فمنها دخل التجار الأجانب للبلاد ومنها دخل الإسلام ومنها دخل الاستعمار بكل ألوانه وأشكاله، لذلك تجد المدينة تعج بالمزارات التاريخية التي تنتمي لكل العصور، وعدد كبير من المتاحف يحتاج إلى مرشد خبير ووقت طويل لتلم بها وبكنوزها، وهي تلخص التاريخ الماليزي كله، وكل شئ له متحف هناك حتى أنني رأيت متحفًا عن "حزب الأمنو" يعرض تاريخ الحزب وتاريخ رموزه".
ويتحدث الفصل الحادي عشر عن علاقتها بالدول المجاورة ومشاكلها مع كل دولة والتمدد الصيني في المنطقة، ويقول "ولا تستطيع ماليزيا إعلان حرب على الصين مهما انتهكت حدودها، إذ أنها تعتمد عليها في تسليح جيشها، وتعد الصين أكبر شريك تجاري لها، ولها مصالح كبيرة لديها، وصلت لدرجة "الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين في أكتوبر 2013، إلى جانب أن أكثر من خمس المواطنين الماليزيين أصلًا صينيون أقحاح، لذا تطمئن الصين تمامًا لضعف الموقف الماليزي وتتجاهل الرد على وزارة الخارجية الماليزية التي ترسل كل أسبوع احتجاجات على تواجد سفن خفر السواحل الصينية في مياهها الإقليمية أمام ولاية ساراواك بشرق البلاد، ويتجنب الصينيون مجرد التعليق أو الرد على المطالبات الماليزية المتكررة".
وتحتوي فصول الكتاب الأحد عشر على عدد من الصور بعضها التقطها بنفسه من المدن والأماكن التي زارها ويذكر مناسبة تلك الصور ويبين علاقتها بالسياق العام للمواضيع المختلفة التي يستعرضها في هذا الكتاب.