وقف الرجل الأربعيني أمام أعمدة مصفوف عليها أنواع من الملابس يلوح بيده للفتيات التي تبحث عن ملابس تصنع منهن ملكات جمال، يحاول أن يلفت أنظارهن بمعزوفته التي يعلم أن لها طريق لعقولهن "اشتري والعريس هدية".
فتيات الجامعات هن أكثر من يتردد على "وكالة البلح"، للاطلاع على الأسعار وخطوط الموضة، لكن الرغبة في الشراء لا تظهر إلا عند القليل- وفقًا لما قاله الشاب العشريني هشام علي (بائع ملابس) في وكالة البلح.البضائع المستوردة التي تتنوع بين (بناطيل وجواكت وملابس أطفال وملابس داخلية) تختلف أسعارها، سعر المعروض على الأعمدة الحديدية بوسط شارع وكالة البلح والمعروض على أبواب المحلات يتراوح بين 10 جنيهات إلى 160 جنيهًا، في حين يبدأ سعر المعروض في المحلات بـ200 جنيهًا (لكل قماشة وماركة زبون)- حسبما وصف علي لـ"أهل مصر".
لا تحمل البضائع التي يتغزل البائعين فيها لجذب المارة (مش مستعملة لو عايز بص وافرز)- حسبما يصيح أحد البائعين على مدار 14 ساعة في اليوم، ماركة واحدة، فتتنوعت بين الماركة الأنجليزية صاحبة السعر المنخفض، والبلجيكية مرتفعة السعر- وفقًا لما وصفه أيمن مصطفى صاحب الـ25 عامًا.مهنة بيع "البالة" في سوق البلح، وظيفة ورثها مصطفى الذي ترك كلية تجارة جامعة عين شمس بعد أن تراقص قلبه فرحًا لدخولها، وتحول إلى بائع يحمل شهادة ثانوية عامة، يستمع إلى هموم الأباء عن ارتفاع أسعار الملابس خلال فصل الشتاء (الهدوم الشتوي أغلي من الصيفي عشان قليلة وبتوزن كتير وترجع بخسارة على البائع)- حسبما أكد مصطفى.
محاولة الشراء بأسعار مخفضة (الفصال) وراثة تناقلتها السيدات عبر الأجيال- حسبما وصف عمر عبد الواحد، الرجل الخمسيني الذي قضى 30 عامًا في بيع الملابس بوكالة البلح (فيه رجال كبيرة في الدولة وعائلتهم بيشتروا من هنا).خلال السنوات الماضية، ساند ارتفاع الأسعار سوق الملابس المستعملة في الوقت الذي اضمحلت فيه المحلات الفخمة ذات الأسعار النارية (المحلات الكبيرة أحنا معانا نفس بضاعتهم لكن للزبون الخاص اللي يدفع)- حسبما أكد عبد الواحد.
تأتي الملابس المستعملة التي يفترش بها البائعين وكالة البلح عن طريق مصدرين خارج مصر (المحلات الكبري والجميعات الخيرية)- فحسبما وصف عشري أحمد، صاحب محل الملابس بالوكالة، فإن هناك غرامات تطبقها الحكومة على المحلات في الدول الغربية التي لا تعرض أخر صيحات الموضة ولهذا يلجأ أصحابها إلى بيع البضائع المخزونة لتجار مصريين، الذين يعدون همزة وصل بينهم وبين بائعي وكالة البلح.وتعد الجميعات الخيرية في الغرب هي الطريقة الثانية للملابس المستعملة، حيث تسلم الملابس التي دخلت إليهم من خلال حملات التبرع، إلى معامل خاصة بفحصها وأثبات أنها خالية من أي جراثيم أو أمراض معدية، ثم إلى أيدي المستوردين المصريين، لتحويل التبرع بالملابس الفائضة إلى أموال.سعر كليو الملابس التي يستوردها التجار من الخارج، يتراوح بين 150 و250 جنيهًا، بعد أن كان السعر لا يتعد الـ100 جنيهًا، منذ عدة سنوات، لكن ارتفاع أسعار الجمرك والعملات الصعبة ساعد في تغير سعر الملابس- حسبما أكد أحمد، الشاب في منتصف العشرينيات.
في الحادية عشر من مساء كل يوم، يجلس كل بائع بحسرة واضعًا أمامه قائمة طويلة من المبالغ التي عليه تسديدها (إيجار المحل الجديد بـ20 ألف في الشهر، بمعدل 500 جنيه إيجار يومي في حالة الدفع يوميًا، غير 5 صنايعية لكل واحد 150 جنيه يوميًا، بجانب كهرباء 150 جنيه في اليوم)- حسبما وصف جمال صفوت، أحد البائعين في وكالة البلح.
بانحناءة بسيطة في ظهرها، وملابسها السوداء المحتشمة، تتنقل "هدى صلاح" المرأة الستينية، بين المحلات بالوكالة، تبحث عند كل تاجر على أخر خطوط موضة ملابس الفتيات (أنا بنتي عروسة وبشتري لها الجهاز)- حسبما أفادت في حديثها لـ"أهل مصر".
تقيم هدى بمفردها على بعد أمتار من وكالة البلح، في منزل مهدد بالانهيار، بعد أن زوجت 3 من أبنائها الذين يعملون في مناصب مرموقة (من 20 سنة وأنا بشتري كل هدوم ولادي من الوكالة وماشاء الله واحد منهم وكيل نيابة وواحدة محامية والثالثة دكتورة)- وفقًا لما وصفته.
رفعت عدة محلات لافتة (ممنوع الفصال منعًا للأحراج) لكن ذلك القانون لا يطبق على هدى وغيرها من سكان المنطقة، الذين يحصلون على الملابس من البائعين بأسعار منخفضة مقارنة بالزبائن من خارج منطقة بولاق أبو العلا التي تحتضن الوكالة منذ حقبة الثمانينيات- حسبما وصفت.وعلى بعد خطوات من بداية شارع وكالة البلح، تفاضل السيدة الأربعينية "سمية" بين أنواع متعددة من "البناطيل الجينز" التي علق عليها صاحب المحل لافتة "90 جنيه والبضاعة المباعة قابلة للتغير خلال 3 أيام فقط"، لطفلتها صاحبة الـ10 أعوام.
ذوق الطفلة "رغد" دفعها إلى اختيار 3 "بناطيل" بأشكال واللون مختلفة لكن حقيبة الأم لا تحتضن إلا 200 جنيهًا (هجيب ليها بنطلون والباقى مصروف البيت لو صرفته هنشحت والأسعار في العالي طول الوقت)- وفقًا لما قالته لـ"أهل مصر".وسط ضوضاء وكالة البلح التي عادت إليها ضوضاء بائعى الملابس منذ عدة سنوات، بعد أن حولت إلى سوق لبيع "البلح" الصعيدي، يقف الرجل الخمسيني يلوح بيده على أنواع من الطعام (فينو - بيض- جبن بأنواعها المختلفة- مخللات- مربى)، خوفًا من أقترب الذباب، ينتظر من يطلب وجبة أفطار من بائعي الوكالة الذي يبدأون في العمل من الثامنة صباحًا حتى الحادية عشر مساءً.
يمتلك عبد الخالق محمد وظيفة حكومية لكن تربية 5 أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، تدفعه إلى البحث عن لقمة العيش في مكان أخر (بقف 3 أيام في الأسبوع وباخد أذن من الشغل الحكومي)- حسبما روى محمد لـ"أهل مصر".يدفع محمد 200 جنيهًا يوميًا على شراء الطعام، ليعود في الواحدة من صباح اليوم التالي إلى عائلته بمبلغ يفوق ما دفعه، بعد أن يتهافت عليه بائعى وكالة البلح (أوقات بكسب 300 أو على الأقل 250 في اليوم)- وفقًا لما قاله.