حين سمعت باسمه لأول مرة، منذ أكثر من 50 عامًا، لم أتصور أبدًا أنه كاتب مصري.، ثم عرفت بعد سنوات طويلة من متابعة كتاباته في العديد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية، وحواراته مع كثير من إعلام عصره، أنه "مصري صعيدي".. كانت تلك الكلمات مقال للكاتب الكبير الراحل فاروق شوشة فى عام 2004، أختم بها الجزء الثالث من حواري مع الكاتب والأديب "وديع فلسطين".
يتكأ الشيخ الذي يبلغ من العمر 95 عامًا، علي أريكته التي يجلس عليها، بعد حوار امتد لأكثر من 3 ساعات، استقطعنا فيه جزء من حياته لم يكن ليخبرنا به لولا الإلحاح على ذلك.
"وديع فلسطين"، لم تمضي الأيام هباءًا على الأديب العربي، فقد ظل حريصًا طيلة حياته على أن يحقق الرضا لنفسه، من خلال التآخي بينه وبين قلمه الذي وصفه الكثيرون من الأدباء الذين عاصروه بالإنصاف فى كتاباته، لطالما تخلت عنه الدولة "اليوم أنا راضي عن نفسي، ولا أنتظر تكريما من أحد".
عايش الكثير من العصور، فكان مولده فى عهد الملك فاروق، إذ يعتبره من أزهي العصور التي عاشها ويتمني أن يعود إليها اليوم"، لو عاد بى الزمن أتمني العودة لعصر الملك فاروق، لأنه لم يكن يتدخل فى السياسة، وكان يترك الأمر بأكمله إلى لحكومة".
وعن ثورة 1952، التي أطاحت بالملك "أسآءت لمصر، وأثرت سلبًا على الدول العربية"، نافيًا عنه أيضا كافة ماقيل فى ذلك الوقت: "لا كان بيشرب خمرة ولا بتاع حريم، كلها شائعات وأكاذيب روج إليها بعض الأشخاص فى ذلك التوقيت".
"لا تهتم بالتواريخ لأني لا أتذكرها"..كرر أكبر الصحافيين سنًا هذه العبارة أكثر من مرة خلال لقائنا معه، إلا أن الذاكرة التي يمتلكها هذا الشيخ تجود بالأسرار التي احتفظت بها على مدار قرابة قرن من الزمان.
يأخذنا الكاتب إلى حقبة أخري من حياته، والتي عاشها فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ يعتقد أنه لم يفعل شيئا للشعب "عبدالناصر لم يفعل شئ للبلد، وكافة علاقاته مع الدول العربية كانت واهية".
وعندما سألته عن نكسة 1967 وقرآءته لخطاب التنحي قال: لم تكن 67 نكسة بل كانت هزيمة، وأنصاره حاول تبريرها بالنكسة، وكل ماكان يفعله "عبدالناصر"، هو مهاجمة أمريكا وإسرائيل دون أي استعداد للحرب، أما خطاب التنحي فكان تمثيلية".
ويواصل وديع فلسطين حديثه لـ "أهل مصر"، مشبها حكم الرئيس عبد الناصر بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، فى كيفية إدارة الدولة داخليًا لكنهم كانوا مختلفين فكريًا، كما يشيد بحكم مبارك، مؤكدًا علي إصلاح ما أفسده الآخرون من الرؤساء السابقين.. ليختم كلامه بمحمد مرسي "الإخوان خربوا البلد، ومن أسوء الرؤساء اللي حكموا مصر".
بفيض منه يقص علينا "سفير الأدباء"، قصته مع سيد قطب الذي لم يفصح لأحد من قبل عنها "كنت صديقًا لـ«سيد قطب» فى بداياته، وكنا نعمل معًا بمجلة الرسالة، التى كان يملكها «حسن الزيات»، وكنا نلتقى دائمًا على إحدي المقاهي بوسط البلد، وفجأة أرسلته الحكومة المصرية لبعثة فى «سان فرانسيسكو» بالولايات المتحدة الأمريكية-أكثر الولايات تحررًا، فصدم بما شاهده فى هذه الدول، وعاد بعد 3 أشهر من بعثته، وكتب 3 مقالات بمجلة الرسالة تحت عنوان «الحضارة الغربية»، ومنذ ذلك الحين تحولت أفكاره، وهذه الرحلة قضت عليه".
ويستطرد "فلسطين" لـ "أهل مصر" قائلًا: كان سيد قطب فى هذه الفترة ناقدًا أدبيًا، وكان نزار قباني صديقًا لي فطلب مني أن أعرض ديوان شعره "طفولة نهد"، علي سيد قطب كي يكتب عنه مقال، لكنه رفض "يحمل تجاوزت كبيرة".
تعود تفاصيل رحلته مع سيد قطب، بعد أن ذكر جزء منها قائلًا: "كان يرسل لي جوابات من (سان فرنسييسكوا) يطلب فيها أن أخبرة عن حالة الأدب والثقافة فى مصر، كنت أبادله التواصل، وبعد عودته تقابلنا صدفة على إحدي الشواطئ فى مصر لكننا لم نتحدث معا إلا عن طريق الإشارة لأنني أعلم أن الأمن يلاحقة".
"لم يكن سيد قطب من الإخوان فى بدايته، بل كان من أشد الناقميين عليهم".. قاطعته خلال حديثه بسؤال أجاب عليه وامتنع عن سرد باقي ذكرياته معه هل حزنت على إعدام سيد قطب؟ أومأ برأسة مطأطًا لأسفل.
وبدأنا نتحدث من حياته السياسية إلى "العاطفية"، يصحبنا الكاتب الكبير "وديع فلسطين" فى هدؤء "عشقت زميلة فى الجامعة وكنت أعمل مترجم فى ذلك الوقت بمبلغ 8 جنيهات، وإذ أتفاجأ بأنها تركتني للإرتباط بشاب أمريكي كان يتقاضي 2000 دولارًا فى ذلك الحين، وصمت قليلًا، قائلًا: "أعجبت بشخصية مي زيادة وكتب عنها مقالات عديدة.. أحبها فى صمت ولم أبوح بذلك" كنت كثير التردد على صالون مي زيادة، فكانت تمتلك شخصية قوية، وكانت مثقفة للغاية، ولطنني فى النهاية لم أبوح بإسمها فى أي مقال".
لم يكن وديع فلسطين الوحيد، الذي عشق مي زيادة فقد سبقها فى الغرام كثيرًا، فكان "عباس العقاد" يعشقها بجنون، لكنها رفضت أن ترتبط به، والرافعي كان يعشقها أيضًا مع أنه أصم".
بعد سجال استمر لـ3 ساعات ينهي سفير الأدباء كلامه بنصيحة للصحفيين من فيض نصائح قد قالها خلال لقائنا به: "نصيحتي للشباب الصحفيين الكاتب الموهوب، لا يهدر وقته فى اللاشيء، ويجب أن يكون له شخصية مستقلة، ولابد أن تتفهموا سياسات جرائدكم حتى تتمكنوا من نشر ما تريدونه.