تمر نسمات الهواء المحملة برائحة بحر الإسكندرية على بشرة رحاب (أم لثلاث أطفال) المبللة، تحاول أن تقذف دموعها بعيدًا، لكن طفلها الذي يتألم بين يديها من مرض نقص المادة البيضاء بالمخ، يذكرها بشقيقته التي توفيت منذ شهور، بعد رحلة طويلة من الموت البطيء من نفس المرض، الذي أطلق عليه عدد من الأطباء المصريين "للآسف مرض نادر والعلاج لسه تحت الاختبار".
منذ ما يقرب الـ9 سنوات، اشرق منزل رحاب وزجها بقدوم "بسملة" بعد مولد "ملك" بشهور، لكن عام ونصف والطفلة لم تبديء استجابة الأطفال المعتادة في تلك الفترة "مش بتتحرك طبيعي"- حسبما وصفت رحاب في حديثها لـ"أهل مصر".
بدأت رحاب باستشعار معاناة طفلتها من مرض، ما دفعها ذلك الاحساس لفحص بسملة عند عدة أطباء بالمستشفيات الخاصة بمدينة الإسكندرية، بعد أيام، اكتشفت أن جنيتها الصغير تعاني من مرض نادر في المخ (الدكاترة قالوا نقص المادة البيضاء نادر بس هنحاول بالعلاج المتوفر والشافي هو الله)- طبقًا لرواية الأم.
سنوات من الجلوس في أروقة العناية المركزة بالمستشفيات، وعيادات الأطباء والمعامل، انجبت خلالهم رحاب طفلها الثالث "محمد"، لتدخل في دورامة بين بسملة المريضة والرضيع محمد وملك التي اجتاحتها حالة من الحزن والرغبة في العزلة على عكس طبيعتها المرحة.
وصل المرض بجسد "بسملة" لأعلى درجاته "فقدت السمع والبصر والقدرة على الأكل والمشي والحركة"، لكن الأمل في ذلك الوقت لم يبرح مكانه بقلب رحاب، التي طالبها الأطباء بوضع طفلتها صاحبة الجسد الهزيل، على أجهزة المشفى، لاطعامها من الأنف، لكن الأم أبت ذلك "لايمكن ابهدل بنتي حتى لو عارفة أنها خلاص بتموت.. أقل حاجة أقدمها ليها أني أرعاها لأخر نفس لها في الدنيا بعد ما فشلت اني ارحمها من عذابها بالعلاج"- حسبما أكدت رحاب.
مع شموع عيد ميلادها التاسع الذي صادف نوفمبر الماضي، كانت بسملة تسكن قبرها "بيتها الجديد"- كما تحب أن تطلق عليه والدتها "عمري ما حسيت انها عبأ عليا دي كانت ملاك في البيت".
شهر من الظلام الدامس، الذي غلف بيت رحاب، بينما هي تحتضن "ملك ومحمد" تستمد ما يدفعها للحياة من ابتسامتهم، لكن محمد لم يعد قادرًا على الحديث كالسابق "فجاة مبقاش يتكلم جريت بيه على المستشفى واكتشفت إصابته بنفس مرض بسملة".
ما بين الإنكسار والصدمة قضت رحاب أيام تحاول استيعاب انها ستعيش تلك الأيام العالقة في ذهنها مرة أخرى "كنا بنعيش أيام محدش يستحملها وأحنا شايفين بسملة بتموت قدمنا"- حسبما أكدت.
عادت رحاب لطحن الطعام لطفلها محمد، وسط دموع وصراخ الأخير، لكن ذلك الألم لم يكن كافي لانعاش ضمير طبيب الخلايا الجذعية الذي أفقده القدرة على الحركة "وهمني أن نجاح العلاج 50%، حقن محمد في الوريد 4 مرات من خلايا والده لكن رفض يكمل وقال أخاف ادخل الحقنة غلط بعد ما عذب أبني، وأخد مننا 50 ألف جنيه".
تهاجم "السخونية" جسد صاحب الـ3 سنوات، منذ أسبوع، وسط خوف من رحاب، بعد أن دخل طفلها في غيبوية مرتين لارتفاع درجة حرارته خلال الفترة الماضية"الغيبوبة الأولى 6 ساعات والتانية 3".
حاولت رحاب التواصل مع الإعلام، لكنها لم تنجح في عرض حالة محمد قبل أن يهاجهمه المرض بشراسة "كل ما أكلم برنامج يقولوا هنبقى نكلمك وكله رافض يساعدني"- حسبما أكدت.
الرغبة في جمع التبرعات منال بعيد عن فكر رحاب، التي تطمح لمعرفة وجود علاج لطففلها من عدمه، بعد أن سمعت من العديد أن العلاج متوفر في الولايات المتحدة وتركيا "فيه واحدة قرأت بوست حالة ابني وتواصلت مع مستشفيات بره والدكاترة الأجانب قالوا فيه علاج".
تارة يوجد علاج وتارة المرض نادر، ما بين تلك الجملتين يتأرجح أمل رحاب في إنهاء معاناة محمد "نفسي تقارير مرض ابني تتعرض على التليفزيون وأفهم بس فيه علاج وإلا لا.. أنا أم وبنتي ماتت بين أيدي وخايفة ابني يضيع مني".
في الوقت الذي تحارب فيه رحاب لإيجاد علاج لطفلها الذي بدأت حالته تدخل في عدم استقرار "يوم حلو ويوم تعبان"، تزور طفلتها الراحلة بسملة أسبوعيًا تطالبها بالدعاء لأخيها "خايفة يموت ويسبني"- طبقًا لرواية الأم.