على بعد خطوات من ميدان روكسي، أحد ميادين منطقة مصر الجديدة، تستقر محلات الملابس التي تنافس أحدث خطوط الموضة، في تحدي صريح لتلك المنطقة العتيقة بما تحويه من تاريخ منقوش على جدران المباني.
الملابس تتوارى خلف زجاج المحلات، ملصق عليها لافتة بالأسعار التي تصل في كثير من الأحيان إلى ألف جنيه، لكن خزانة الأموال الفارغة، تظل كابوسًا يطارد أصحابها، بعد أن تراجعت معدلات البيع إلى أكثر من 30% خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي- حسبما صرح محمد عبد السلام، رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات سابقًا.
لم تمر مبادرة شراء الملابس بالتقسيط على مسامع صاحب محل الملابس الرجالي بروكسي، مصطفى صابر، لكن بعد شرح وافر من قبل محررة "أهل مصر" عن المباردة، بدأ الغضب يغزو نبرة صوت صابر، الذي لم يجني إلا ثلث ثمار الملابس المعروضة، معلنًا عن قرب إفلاسه، قائلا: "بالرغم من خسارتي من أول الشتاء بس لا طبعًا أنا مش موافق على تقسيط الهدوم.. أنا عايز أقبض كاش من الزبون عشان أقدر أصرف على عيالي وبيتي".
افتقد صابر، صاحب الـ55 عامًا، حركة البيع والشراء منذ عدة شهور، فتارة يجلس حبيسًا داخل المحل يتخيل أنه يقبض يده على مئات الجنيهات نظير بيع الملابس، وتارة يخرج من خياله ليشغل وقته بتنظيف زجاج "الفاترينة" بعناية، من أصابع مشاهدي الملابس "أنا حاسس أن الفاترينة عندي بقت سينما.. الشاب يجي يتفرج ويلصق أيده في الزجاج وتحس إنه بيتخيل نفسه اشترى اللبس وبعدها يقولي شكرًا ويمشي وأنا انضف وراه بدل ما أبيع"- حسبما وصف لـ"أهل مصر".
على بعد شارعين من محل صابر، يستقر عبد الحميد أحمد، صاحب محل ملابس سيدات وفتيات، على كرسيه الجلدي، يراقب عن كثب كل من يقف أمام " الفاترينة"، تزامنًا مع سريان دفئ أشعة الشمس لجسده.
بعد دقائق من انبهار الزبائن بنوعية الملابس التي يعرضها أحمد، تأتي صدمة الأسعار، "الستات تعجبها الهدوم تسأل على السعر تبصلي وتمشي وأنا على الحال ده من بداية الشتاء"- حسبما روى لـ"أهل مصر".
بعد تفكير ساعات لم يصل عم أحمد، الذي أتم عامه الـ60 منذ أيام، لقرار في مبادرة بيبع الملابس بالتقسيط، التي تبحثها غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات "لو المبادرة اطبقت أصحاب المحلات اللي أنا واحد منهم هنخسر ولو مطبقتش بنخسر الواحد مبقاش عارف يعمل إيه ولا ياكل ولاده منين أحنا والزبون مظلومين من الأسعار".
من العراقة والارستقراطية إلى عراقة تماثلها لكنها لم تعرف إلا الطبقة الكادحة من الشعب المصري، حيث تصطف "شماعات" الملابس على الأرصفة، تجذب أعين المارة بأسعارها البسيطة التي تشبه حال من يسكن بحي بولاق أبو العلى، غرب القاهرة.
مبادرة شراء الزبون للملابس مع تقسيط سعر على مدة تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر مع دفع الفوائد عن طريق "الفيزا بنك"، وتحمل أصحاب المحلات والمصانع المشاركة في المبادرة قيمة الفائدة، لن تجد بيئة خصبة لها بين أصحاب محلات وكالة البلح- حسبما أكد عدد من أصحاب المحلات.
وضع سعيد أحمد، كوب الشاي الذي يتصاعد منه بخار دافئ ينافس شتاء نوفمبر، ليمسك المكنسة اليدوية، ينظف أرضية المحل الصغير الذي يفتح أحضانه للزبائن التي تبحث عن أرخص الأسعار في تمام التاسع من صباح كل يوم "أنا 35 سنة ولسا مش عارف أكون حق الجواز ودلوقتي يقولوا ملابس بالقسط.. ده خسارة عليا وعلى الزبون والمستفيد البنك والحكومة"- طبقًا لروايته لـ"أهل مصر".
يسدد أحمد 1500 جنيه مصاريف إيجار عش الزوجية "بأرض اللواء"، بجانب مصاريف شراء الملابس لعرضها بالمحل "أنا بسدد شهريًا فلوس الشقة اللي لسا محتاجة عفش وما بصدق أبيع الهدوم اللي مشتريها بالقسط.. بأي عقل أبيع الهدوم بالقسط.. وزارة المالية والبنوك لازم ينزلوا سعر الدولار وبكده مشكلة الزبون والبائع هتتحل من غير قسط".
اتفق كامل علي، الرجل الخمسيني، مع رفض أحمد لمباردة شراء الملابس بالتقسيط "أنا عندي محل كبير والأسعار مختلفة.. لو بيعت للزبون بالتقسيط هكسب كام أقدر أصرفه على 5 عيال سنهم بين 10 سنوات إلى 23 سنة"- حسبما وصف لـ"أهل مصر".
وأضاف "اللي ينفع يطبق المبادرة هما أصحاب المحلات في المناطق الراقية لأن كده كده معاهم فلوس وفي حالة التقسيط للزبون مش هتفرق معاهم كتير".