"عندما رويت الأرض بالدماء".. "سالم" فقد 8 من أحبابه في حادث الروضة: "جينا نعزي لقينا كله مات"

يجوب أحد شباب مركز بئر العبد، المستشفيات منذ 4 أيام يملي عينه بما تبقى له من نسل زملائه بالعمل ومعارفه بقرية الروضة، التي تعرض مسجدها الجمعة الماضية، لجهوم إرهابي، بعد انعدام آخر ذرة رحمة في قلوب الإرهابيين، فأمطروا المصلين وصغارهم برصاصات الغدر التي أصابتهم في صميم رؤسهم وصدورهم، فسقطوا ضحايا، تخلد ذكراهم العطرة في صفحات تاريخ مصر المحملة برائحة الشهداء، ودموع ذويهم.

تستحضر ذاكرة الشاب العشريني "سالم"، (اسم مستعار) العديد من المشاهد والأدلة التي توثق جزءًا من المذبحة: "أنا ساكن في قرية تبعد عن الروضة 60 كيلو"، المسجد الذي كان شاهدًا على صلاته وتضرعه أمام الله بالدعاء بالسنوات الخمس الماضية، لتقفز في ذهنه كيف اختبأ الأطفال في حمام المسجد "صعب أوي طفل يشوف أبوه بيموت قدام عينه ويجري يستخبى هو وصديقه في الحمام، فالرصاصة تقتل زميله والقدر ينقذه.. (فأغشيناهم فهم لا يبصرون)"- حسبما وصف لـ"أهل مصر".

هربت الابتسامة التي طالما لازمت الشاب صاحب الـ26 عامًا، والذي رفض البوح عن اسمه والقرية التي يقطن بها، لاعتبارات أمنية، بمجرد وصوله مستشفى "بئر العبد" التي نقل إليها أهالي القرية المصابين بعربات نصف نقل، ليفتح ذراعه لأول مصاب "أنا كنت في المستشفى أول ما سمعت اللي حصل مع وصول أول مصاب بعد ما سيارة الأسعاف أتاخرت والأهالي نقلوا المصابين لو ده مكنش حصل كان دمهم اتصفى وبقوا تحت التراب كلهم".

لم يكن القدر رفيقًا للشاب في ذلك اليوم، فلم تسنح له الفرصة، ملامسة وجوه الشهداء الـ8، الذي ربطته الصداقة بهم منذ 5 سنوات "أهالي القرية نقلوا الشهداء بسيارات نصف النقل و2 لودر حفروا عشان الدفن، ولا يوجد أحد مجهول من الشهداء، وكل عائلة عارفة رجالتها مدفونة فين عشان الزيارات".

في الثانية عشر من ظهر الجمعة الماضية، العصافير تتطاير في سماء قرية الروضة، الواقعة بمركز بئر العبد، منتظرين سماع قرآن الجمعة، لتتصاعد أصوات طلقات الرصاص التي حولت أغلب سيدات القرية إلى أرامل، مع تتطاير أشلاء المصلين على أرض المسجد، على يد مسلحين إرهابيين، ليصل عدد الضحايا إلى 305 شهيد بينهم 27 طفلًا، و128 مصاب- طبقًا لما صرح به الدكتور أحمد عماد راضي، وزير الصحة والسكان، الأحد الماضي بالمؤتمر الصحفي المنعقد في مجلس الوزراء.

مذاق الفراق المصبوغ بمرارة نظرات الصغار الخائفة كلما تذكرت ما حدث، تجلت في صوت الشاب الذي عاش لحظات تواجد المصابين في عدد من المستشفيات "فيه ناس محجوزة في العناية المركزة لمعهد ناصر ومضروبة بالرصاص في الفك السفلي، بيقولوا ياريبنا كنا موتنا أريح لينا"- طبقًا لرواية الشاب.

رائحة زملائه لم ترحل كما رحلت أجسادهم، هنا كان يجلس زميلي ويدعوني لبيته، وهناك كان يلعب صغيره، لكن رصاص الإرهاب خطف كل هولاء، تاركًا رائحة وطيف يداعب خيال من أشتاق إليهم "اللي كانوا قريبين مني من الشهداء (الحاج رمضان جمال 50 سنة، وعنده طفلين، الأول أخرس ومن قبل الحادثة مش في الروضة ولسا معرفش أن أبوه مات، والتاني عادل 11 سنة الحمد لله الإرهابيين افتكروه مات وتركوه، وشقيق الحاج رمضان اسمه يحيى جمال سعيد توفى هو وحفيده".

وأضاف "وفيه 3 أخوات ولاد عم الحاج رمضان جمال "حمدان سعيد محمود 43 سنة وسليمان سعيد محمود 34 سنة سائق في الأسعاف وعيد سعيد محمود 42 سنة وأخوهم الرابع ابنه توفى كان عمره 17 سنة، وكمان الشهيد جمال محمد الذي استشهد وابنه الوحيد محمد 9 سنوات مصاب في مستشفى الجامعة في الإسماعيلية ".

ذاكرة الشاب الذي بات يشعر بالوحدة من فقدان كل هولاء تحمل الكثير والكثير من الأيام التي عاشها مع زملائه وأشخاص آخرين بالقرية، لكن المذبحة الإرهابية لم تمنحه فرصة لتذكر كل أسماء من يعرفهم "فيه ناس من الشهداء كتير أوي بس أنا مش فاكر الأسماء لكن أعرفهم كويس جدًا.. ربنا يصبر أهاليهم".

لم تعد قرية الروضة التي طالما عرفت بكرم أهلها كالسابق، فالأهل رحلوا في سلام، ولحقت بهم دمائهم بعد أن قام من تبقى من أهالي الروضة بتنظيف المسجد من دماء الشهداء والمصلين، في إعلان صريح منهم للثبات والتصميم على صلاة الجمعة القادمة في المسجد "كل يوم بعد صلاة الظهر، عائلة من القرية بتحط الغداء في مكان جمب المسجد زي دار ضيافة فيه منه جزء صيفي وجزء شتوي، وتستقبل المسافرين على الطريق، عشان القرية بتطل على طريق دولي "القنطرة – العريش" بياخدوا كرم الضيافة ويكملوا سفر"- طبقًا لروايته.

باتت الحسرة واضحة على ملامح الشاب بعد موت جزء كبير من رجال القرية وفقدانه الأصدقاء والزملاء "الناس راحت تاني يوم تعزي في اللي استشهدوا ملقوش حد ياخد العزاء"- حسبما وصف.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً