لم تكن "ماريان" بنت الثلاثينيات من عمرها، تعلم ما يخبؤه لها القدر بين جنباته، البهجة تملأ حياتها، ووجهها البشوش، يرسم الأمل والحب فى قلوب كل من يراها، تعشق الحياة، بقدر التفاؤل الذى تراه في خطواتها نحو المستقبل، حتى الأول من سبتمبر 2012، تاريخ محفور في الذاكرة، ينقل مشاهد مرعبة ومصير مجهول، كان فى انتظار صاحبة الابتسامة، الملاك البرئ، ولكن قبل كل ذلك هى مؤمنة بقضاء الله وقدره.تعشق تكنولوجيا المعلومات، وهذا هو مجال عملها، الذى تخرجت منه، لتبدء مسيرة عمل زاخرة بالنجاح والتألق، في إحدى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، ليبدأ حلمها في النضوج أمام أعينها، منذ أن كانت طالبة في كلية الهندسة، وفي صيف 2012، كما تعودت "ماريان" السفر مع صديقاتها، كل عام، ومقابلة الحياة بصدر رحب، لقضاء بعض الأيام فى الساحل، وفي أحد الليالي استقلت السيارة بصحبتهم، بعد خروجهم من أحد الأماكن سويًا، لتتعرض لحادث ولا أبشع.
بداية الحكايةتقول "ماريان" خلال لقائها مع "أهل مصر"، كانت ليلة جميلة قضيت فيها وقت سعيد بصحبة صديقاتي، وعائلتهم، وبعد خروجنا، استقللت السيارة، مع اثنتين منهن، وكنت أجلس في المنتصف بالكرسي الخلفي، لتأتي سيارة مسرعة من الخلف وتصطدم بنا، مما أصابني بكسر في العمود الفقري، نجم عنه كسور مختلفة بالجسد، والإصابة البالغة وصلت إلى الحبل الشوكي، نتج عنها من الفقرة الصدرية الثانية شلل كامل في الجزء الأسفل كله، لم يكن لدينا ستيعاب كامل لما حدث، وبعد دخولى مستشفي العلمين تم نقلي إلى القاهرة، بعد اكتشافهم أن هناك مشكلة كبيرة لا تقتصر، على بعض الكسور في الجسد.تواصل "ماريان"، كنت أشعر بعد استفاقتي من الحادث بأنى لا أشعر بأجزاء في جسدي، ولكن لم أكن أدرك بعد طبيعة ماتعرضت له، أغلب المواقف حاضرة في ذهني، ولكن كل ماتخيلته أن هناك اصابة تعرضت لها ولكن لم اتوقع كل هذا، لأخوض طوال 8 أشهر عمليات، لم لأرى فيها المنزل من مستشفي لمستشفي، لمدة 6 أشهر لم أكن أستطيع حتى الجلوس، وكان هناك بعض المشاكل في العمليات المتعلقة بالظهر، ورغم كل محاولات دكاترة العلاج الطبيعي لم أستطع الجلوس، لأخضع لإشاعات جديدة، اكتشفت من خلالها ان العظم في ظهري لم يلتحم، وهذا معناه أن بعد مرور 6 أشهر من العمليات مازال هناك كسر في العمود الفقري، واستنتجنا ان هناك خطأ طبي، وهل هذا سبب من الأسباب أم لا، التى أدت بى إلى هذه النتيجة، لا أستطيع الحكم إذا لم يكن هناك هذا الخطأ، هل كان ذلك سيغير في حالتي، خاصة ان الكسر كان يضغط على الحبل الشوكي.رحلة علاج في ألمانياتابعت "ماريان"، بعد قرار من عائلتي، انتقلت إلى ألمانيا، ليقرر الأطباء ان التدخل الجراحي لابد منه، خاصة أن العمود الفقري، بعد انكساره، أصبح في زاوية ميل 45 درجة، وهذا سبب أساسي في عدم قدرتي على الجلوس، وقاموا بالفتح من منتصف الرأس حتى منتصف الظهر وتركيب شرائح ومسامير، وقال لي الأطباء إذا لم يكن هذا كافي بالقدر الممكن، كنا سنضطر لفتح القفص الصدري ووضع شرائح من الأمام، وهذا أفضل مااستطاعوا أن يصنعوه، وبعدها خضت رحلة مع العلاج الطبيعي، وبعد شهرين قضيتهما في ألمانيا عدت مرة أخري إلى مصر، وكان لدينا في أمل في الخلايا الجذعية، ولكن اكتشفت انها لاتفيد في حالتي..أسرتى وأصدقائي منحونى القدرةتقول "ماريان": نحن أسرة مكونة من 5 أفراد أنا أصغر إخوتى، وأصدقائي المقربين، طوال فترة استمرت لـ8 أشهر، لم يتركوني يوم واحد، حتى بعد سفري ألمانيا أعز صديقتين لي سافروا لزيارتي، "كان لدي ظهر عوضني عن ظهري الذي كُسر، هم عائلتي وأصدقائي"، وبكلمات تغمرها الدموع، قالت، "ماريان"، تملكني الضعف لفترات كبيرة، وصولًا إلى درجة أننى لم أكن أطيق مقابلة أو رؤية أحد، كنت أنام من 20 ساعة قي اليوم، والاكتئاب واليأس استهلكوا طاقتي، إذا استيقظت يكون فقط من أجل البكاء، خاصة بعد عودتي من ألمانيا، وشعوري أنه لايوجد أمل في حالتي، بعد عودتي من الرحلة الصعبة ودخولى المنزل لأول مرة منذ 8 أشهر، بدأت في سؤال نفسي ماهي أهمية حياتي، لا أريد العيش مع هذا الواقع المخيف، لا أستطيع جسديًا أن أساعد نفسي، مما جعل أسرتي في حيرة من أمري، ماذا يفعلون من أجلى وهم يرون حالى يزداد سوءً يومًا بعد يوم، أبي وأمي يشعرون بالحزن من أجلي ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة بث الأمل في داخلي، يتغلبون على حزنهم، ويخفون الألم داخل صدورهم، لمواساتي واجتياز المحنة، ويروادهم سؤال واحد.. هل تعود "مارايان" من جديد؟.. لجأوا إلى طبيب نفسي، حتى أخرج من هذه الحالة النفسية التى تملكتني وكادت أن تقضي علي.وأضافت: حالتى تحسنت بعد عدة جلسات عقدتها مع الطبيب النفسي، لا أخجل من هذا، لأن المرض النفسي يجب أن يعالج مثله مثل سائر الأمراض، واكتشفت أننا نفتقد إلى ثقافة العلم بالشئ، الناس لديهم نظرة سلبية حول اللجوء للأطباء النفسيين، ومن خلال تجربتي اكتشفت أننا نستمر في الخطأ، ونترك الصواب، وهذا مايعيق خطواتنا باتباعنا ثقافات جار عليها الزمن، وإيماني بالأقدار وإرادة الله، هذا لا يتعارض مع أن العلاج النفسي حل لا عيب ولاحرج فيه.عدت إلى بيتي الثانيتتابع، "ماريان" فكرت في الاستقالة من عملى، الذي غبت عنه عام ونصف، نظرًا لظروفي الصحية، ولكن بمساعدة أصدقائي، استمروا في إقناعي خاصة أننى أستطيع العمل من المنزل، وفكرت رويدًا رويدًا، حتى قررت أن أحذوا هذه الخطوة، خاصة أن رؤسائي في العمل يقدمون لي كل الدعم، ولا يعارضون ذلك، وبدأت بالفعل في العمل من المنزل، ساعة في اليوم، تزيد تدريجيًا في الوقت الذى كنت لا أتحرك فيه من مكان نومي، ولا أري إلا سقف الغرفة، ومع فخر رؤسائي برجوعي للعمل مرة أخرى، قررت أن أتعايش وأعود للعمل بشكل طبيعي، ولن أنسي أول يوم ذهبت فيه إلى مقر عملى، بعد أن تغلبت على مخاوف كثيرة، منها كيف أخرج من المنزل بدون أسرتي، لكن في النهاية قررت، وذهبت في فطار يوم من أيام شهر رمضان، ومع وصولي إلى هناك عاد إلى جزء من حياتي وهو بيتي الثاني، مع سعادة زملائي ورؤسائي بحضوري، ودعمهم الذى رأيته من خلال نظراتهم، تملكتني الفرحة حينها.وقالت ماريان "مرونة رؤسائي معي داخل وخارج مصر، خاصة أنها شركة مالتي ناشونال فرنسية، مكنتني من التعامل والتكيف مع العمل، وفقًا لحالتى الصحية، ومع الوقت طلب مني رئيس في العمل تولي مهمة أكبر في عملي، وترددت كثيرًا، خوفًا أن أخذل من وضع ثقته بي، والحمدلله وافقت وقمت بالمهمة، على مدار عامين كاملين، وعادت إلى الثقة في النقس، والقدرة على التحدي، لا أشعر أنى أقل من أحد، أحببت الحياة من جديد، أسافر وأتحرك بقدر المستطاع، تصالحت مع هذه الإصابة، الإنسان لديه قدرات لايعلمها، إلا في وقت الشدة، أنا لست مغ اللذين يعلقون فشلهم على شماعة الظروف".أشكر من ساندونيوأضافت ماريان "الشكر لأسرتي وأصدقائي وشركتي، كل من ساندوني، ومازالوا يساندوني، ورؤسائي في العمل، اللذين استمروا في دعمهم لي حتي أسترد حياتي مرة أخرى".واختتمت "ماريان" حديثها، أشعر بالرضى وأتقبل ما أنا عليه، ولكن حقوقي في المجتمع مهدرة، لا يوجد خدمات أو أماكن أقصدها إذا قررت النزول بمفردي، وممارسة الحياة، لا أستطيع أن استقل سيارة أو أدخل مكان عام نظرًا لعدم وجود خدمات وفرة، وهذا ما يشعرني بالحزن الحقيقي.
وسردت ماريان أسوأ موقف تعرضت له عندما قررت النزول إلى الشارع وحدها وهي تجلس على كرسيها المتحرك، أرادت أن توقف تاكسي أجرة، وفور نزولها من على الكرسي وصعودها للسيارة، جاء أحد الأشخاص وقام بسرقة كرسيها وفر مسرعًا، هل الشخص الذي فعل هذا يدرك ماذا فعل، وما ستتعرض له هذه الحالة بعد أن أصبحت عاجزة تمامًا في موقف لاتحسد عليه.في النهاية، مرت 5 سنوات بالتمام والكمال، وتغيرت "ماريان" من حال إلى حال، لتخوض تجربة لا يتحملها بشر، على مدار عام ونصف، بداية من سبتمبر 2012 حتى منتصف عام 2013، وإلى وقتنا هذا تعانى، ولكن النجاح يكلل عزيمتها وإصرارها، رغم كل مامرت به، لنتعلم أن العجز الحقيقي في عقولنا وليس في الجسد.