بعد "سعد الحريري".. "الفريق شفيق" يزور باريس.. ماهو الدور الذي تلعبه فرنسا في الشرق الأوسط؟.. "المال مقابل الصمت" مع دول الخليج.. و"ماكرون" يحاول سحب البساط من قدم امريكا

كتب : سها صلاح

"لا أريد أن أكون قائد أوروبا الأوحد، بل أريد أن أكون أحد قادة أوروبا الذين يمثّلون الجيل الجديد"، هكذا أجاب الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون عن سؤال حول قيادة أوروبا، لكن ماكرون لا يمانع في استقبال الجميع فبعد نحو أسبوعين من انتهاء أزمة احتجاز السلطات السعودية لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بتدخل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبدو أن باريس ستؤدي دوراً مماثلاً مع سلطات أبوظبي، بعدما أعلن رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق، قبل أن يعود منها إلى القاهرة.

وفي ظل تراجع دور قادة الغرب التقليديين؛ وجد ماكرون الساحة فارغة ليبسط نفوذه متى استطاع، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي خًذلت في الانتخابات والقلقة لدخول اليمين المتطرف إلى "البرلمان الألماني".

-دور جديد لفرنسا

وبريطانيا على الجانب الآخر غارقة في إجراءات خروجها من الاتحاد الأوروبي وانعكاسات هذا الخروج في شتى المجالات، والرئيس الأمريكي ترامب تعاني سياساته من التخبط بين ما يقرره وبين ما تقرره أجهزة الدولة ومؤسساتها التشريعية.

فرنسا أصبحت ثاني مصدر بعد امريكا، ولا يوجد جندي فرنسي واحد فوق الأراضي السورية، لكن هذا لم يمنع الرئيس الفرنسي أن يطرح بكل ثقة مبادرة جديدة لحل الأزمة التي امتدت سبع سنوات من خلال إنشاء "مجموعة عمل" تتكون من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الدول الفاعلة في الملف السوري.

الجديد في هذا هو أن ماكرون قد أعلن أن رحيل الأسد "ليس شرطًا" بالنسبة لفرنسا، عكس موقف سلفه هولاند الذي وضع شرط رحيل الأسد أساسيًّا لحل الأزمة السورية.

-المال مقابل الصمت

أما عن تعامل مكرون مع دول الخليج فتتلخص في "المال مقابل الصمت" فقد هبطت الطائرة الرئاسية الفرنسية في مطار أبو ظبي الدولي، ونزل منها الرئيس الفرنسي وزوجته ليفتتحا رفقة مسؤولي أبوظبي "متحف اللوفر-أبوظبي" النسخة الإماراتية للمتحف الأبرز في فرنسا الذي تقف فيه أشهر لوحة في العالم "الموناليزا" منذ أسبوعين.

حينها استغل ماكرون افتتاح هذا المبنى ليتحدّث عن موضوعه المفضل ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، في حضور حاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، وقد اعتبر ماكرون افتتاح هذا المتحف نقطة تحول فاصلة بالنسبة لدور الإمارات باعتبارها ملتقى للحضارات الإنسانية.

افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي ليست الغنيمة الوحيدة الذي عاد به ماكرون من الإمارات ، فقد افتتح بفضل هذه الزيارة استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا الفرنسية قدرت بحوالي مليار يورو، من شأنها أن تنعش هذا القطاع الهام في الاقتصاد الفرنسي الذي يحتاج لـ"ضخات أكسجين" كهذه في ظل الجمود الذي يعيشه.

لكن لا يمكن إغفال التوقيت الحساس لهذه الزيارة بالذات، فهي تأتي في ظل قطيعة خليجية بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، وبعد اعتقال القصر السعودي، 200 شخصٍ منهم أمراء ووزراء رفيعو المستوى في النظام السعودي.

فبعد نهاية الزيارة المرتبة إلى الإمارات، صعد ماكرون إلى الطائرة الرئاسية مجددًا ليجري زيارة غير مخططة استمرت ساعتين إلى السعودية استقبله خلالها ولي العهد محمد بن سلمان، ليؤكد على العلاقات الفرنسية السعودية المتينة، خصوصًا بعد استقباله في سبتمبر الماضي للأمير القطري حمد بن تميم في باريس، ولم يتأخر ماكرون عن إعلان زيارة مقررة قادمة إلى طهران.

لا يبدو أن الرئيس الفرنسي الشاب يريد في دخول مستنقع الشرق الأوسط وتعقيداته ونزاعاته التي لا تنتهي، فبعد الأزمة التي فجرها رئيس الوزراء اللبناني بتقديمه استقالته من السعودية وعبر وسائل إعلام سعودية، والتي أسالت الكثير من الحبر حيث اعتبر البعض أن الحريري قدم هذه الاستقالة مُرغمًا من طرف السعوديين، بل إن البعض ذهب حد القول إنه أسير هو وأسرته في السعودية، تدخل ماكرون مجددًا في هذا الملف بعرضه استقبال فرنسا لرئيس الوزراء اللبناني المستقيل لتكون هذه المبادرة مخرجًا للأزمة.

-أهمية لبنان

لبنان بالنسبة لفرنسا يعني الكثير، فهي مستعمرة فرنسية سابقة، بالإضافة إلى الكتلة الكبيرة المسيحية التي تعيش في لبنان، كل هذا يجعل الحضور الفرنسي في لبنان منذ سنوات طويلة قويًّا.

-المغرب بالنسبة لماكرون

حتى في تعاملاته مع المغرب العربي، فإن ماكرون يضع المصلحة أولًا بعيدًا عن أي حسابات سياسية بعيدة الأمد، فقد أجرى زيارته الأولى وهو رئيس لدولة المغرب بدلًا عن الجزائر التي طالما زارها الرؤساء الفرنسيون أولًا؛ لأن ماكرون يرى المصلحة الاقتصادية في الشراكة مع المغرب الذي يعيش اقتصاده ازدهارًا نسبيًا مقارنة بالجزائر الغارقة في أزمة مالية خانقة بسبب تراجع أسعار النفط، كما أن ماكرون يفضل الشراكة مع الزعماء الأقوياء الذين يمسكون بزمام الأمور ومقاليد الحكم فعليًّا، الأمر الذي لا يبدو كذلك مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حاليًّا.

-وجه شاب بسياسة قديمة

ماكرون هو النجم الجديد في فضاء القادة الغربيين، وبالرغم من تسويقه لنفسه خلال الحملة الانتخابيّة بوصفه "مرشحًا جديدًا" وسطًا بين اليسار واليمين التقليدي، وبالرغم من أنه ليس جديدًا جدًا فقد تقلّد سنتين منصب وزير الاقتصاد في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، إلا أنه قدم الانطباع بتقديم خط سياسي جديد بعيد عن التجاذبات التقليدية بين اليمين واليسار.

لكن ماكرون بقي وفيًا للخط اليميني، سواء في تعاملاته مع الأنظمة المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان، أو اقتصاديًّا بتخفيفه للضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة، أو موقفه من المهاجرين وطلبه منهم "العودة إلى بلدانهم"، ولكن نحن نتسائل اليوم من اليميني اليوم هل كانت لوبان أم ماكرون؟

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً