خرج في ثوب الثوار، ثم دعا الشعب اليمني لإنقاذ الثورة من أيدي الحوثيين ، انقلب علي حلفاءؤه بعد مصالحته مع السعودية و الإمارات.
واتخذت الأزمة اليمنية منحى مغايراً؛ بعدما اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، من جهة، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران، من جهة أخرى، في تطوّر ربما يعكس اتفاقاً جديداً وغير معلن بين السعودية وصالح، الذي كان حتى الأمس القريب خصماً لها وحليفاً للحوثيين.
ومنتصف العام 2014، سيطر الحوثيون بقوة السلاح وبدعم من القوات الموالية لصالح على عدد من محافظات اليمن بينها العاصمة صنعاء، ما دفع الحكومة الشرعية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، للخروج إلى الرياض، قبل أن تبدأ مواجهة مليشيا الحوثي-صالح عسكرياً، وهي المعارك التي بدأ التحالف الذي تقوده السعودية دعمها عام 2015.
لكن الأمور تطوّرت عسكرياً بشكل كبير، حيث تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين شريكي الانقلاب في اليمن، لليوم الثاني على التوالي، ودارت الاشتباكات الأكثر عنفاً في الأحياء الجنوبية والغربية للعاصمة صنعاء.
وفي عمق القتال، خرج الرئيس اليمني المخلوع بخطاب متلفز، وأمسك العصا من الوسط؛ فقد دعا اليمنيين للانتفاض ضد الحوثيين، لكنه ختم خطابه بدعوة الحوثيين لوقف متبادل لإطلاق النار، وهو ما يعكس، ربما، خوفه من عدم القدرة على تحمّل كلفة استمرار القتال.
- ماذا حدث في الجامع الكبير؟
بدأت الاعتداءات يوم الأربعاء الماضي قبل يوم واحد من احتفالية "مولد النبي" الذي حرص الحوثيون على الاحتفال به في ميدان السبعين، بالقرب من مسجد الصالح أكبر المساجد في صنعاء.
كان هناك اتفاق أمني مُسبق بينه وبين رئيس حزب المؤتمر الشعبي، علي عبد الله صالح.
وبناءً على التفاهمات، اتجهت قوات تابعة للحوثيون إلى ميدان السبعين للتأمين، ثم اتجهت قوات أخرى إلى داخل المسجد، والتي فوجئت بالاعتداء عليها من قوات صالح، لكن مسؤولًا في حزب المؤتمر الشعبي أكد أن الحوثيين حاولوا السيطرة على المسجد تمهيدًا لتجمع اليوم التالي لأنصارهم في ميدان السبعين، في ذكرى المولد النبوي.
بدأت الاشتباكات في محيط الجامع ثم اتسعت خطوط النيران لتشمل أحياء أخرى من العاصمة، وانتهت بوقوع 14 قتيلًا بين الطرفين، فيما قامت وزارة الداخلية التابعة للحوثيين بمصادرة مركبات متطورة تابعة لصالح وأسلحة أمريكية حديثة، بالإضافة إلى أجهزة اتصالات داخل المسجد؛ وفي اليوم التالي اتخذت الحرب شكلاً آخر؛ قوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح تقوم بإغلاق جميع الشوارع المؤدية إلى الحي السادس الذي يسكن فيه شقيق الرئيس المخلوع، العميد طارق محمد عبد الله صالح، بسبب قيام الحوثيين بمحاولات اقتحام منزله، وفي تلك الأثناء كان طرفا النزاع يبحثون الحلول لتجاوز الأزمة بمبادرة حوثية، إلا أن "صالح" رفض.
فجر السبت؛ انضمت قبائل يمنية لمساندة صالح ضد ميليشيات الحوثي، وبدأت الاشتباكات أكثر عنفًا من الأيام الماضية، وكانت خطة صالح تقضي بالتوجه نحو المؤسسات الحيوية وإخضاعها للسيطرة؛ فسقط مطار صنعاء ودار الرئاسة ووزارة الدفاع والبنك المركزي ومبنى التلفزيون ووكالة "سبأ" التابعة للحوثي ووزارتا الجمارك والمالية، ووزارة المالية وجهاز الأمن القومي، وأجزاء من شمال المحافظة، فيما سقط حتى الآن أكثر من 100 قتيل معظمهم من ميليشيات الحوثي.
- أسباب الخلاف بين صالح والحوثيين
يجب التوضيح أولًا أن صالح الذي حكم اليمن منذ 33 عامًا، وفقاً لصحيفة التيمز البريطانية قام بست حروب ضد الحوثيين منذ عام 2004 وحتى 2010، وذلك بعدما طالبوه بإصلاحات سياسية، والحرب الحالية تُعد السابعة.
في البداية؛ لم يكن الحوثيون يثقون بـ"صالح"؛ فالرجل أظهر مرارًا أنه لا يرى مشكلة في استبدال حلفائه أو فض التحالف في أي وقت، فعندما صرح عبد الملك الحوثي بأن فريقه "يتلقى الطعنات في الظهر"، وهو يواجه العدوان؛ جاء رد صالح بأنه مستعد للانسحاب من تحالفه مع الحوثيين إذا أرادوا التفرد بالسلطة، ثم بدأ "صالح" بمرحلة الهجوم المباشر بدلًا من التلميحات.
لم تتوقف التصعيدات عند التصريحات الهجومية فقط، ففي أغسطس الماضي، قام صالح بالاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزبه، حيث توجه إلى ميدان السبعين وسط العاصمة صنعاء، دون دعوة حلفائه للاحتفال، الأمر الذي فُسر من جانبهم على أنه دعوة للانقلاب عليهم من خلال شحن المتظاهرين، واستمالة شيوخ القبائل ضدهم؛ لذلك جاء التحرك سريعًا للحوثيين الذين نظموا عرضًا عسكريًا مكونًا من سيارات الدفع الرباعي المحمولة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، التي تتوسطها صور زعيمهم عبد الملك الحوثي، وطافوا شوارع صنعاء في رسالة حملت رسائل استعراض القوة والتهديد.
التسريبات أيضًا شاركت في تعميق الخلاف بطريقة أو بأخرى؛ فالصفقة الكبيرة التي نشرتها الصحيفة البريطانية تشير إلى وجود جهود لاجتماع ممثلين من كل من الجناحين المؤيدين لهادي، والمؤيدين لصالح في المؤتمر الشعبي العام تحت رعاية السعودية والإمارات لبحث حل للخروج من الأزمة، بما يعني خيانة الحوثيين والانضمام إلى قوات التحالف العربي.
تصريحٌ علني ساهم في تصديق تلك الرواية؛ فوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي يؤكد أنه تحدث للأصدقاء في السعودية والولايات المتحدة وروسيا عن ضرورة إتاحة الفرصة لعودة أحمد علي عبد الله صالح إلى بلاده من أجل القيام بدور أكثر فاعلية.
الصراع على النفوذ الداخلي في حكومة صنعاء كان الصمت الذي سبق المعركة؛ فعقب سيطرة صالح والحوثيين على صنعاء، قاموا بتشكيل المجلس السياسي في اليمن؛ لكن الحوثيين أرداوا عدم تكرار تجربة الرئيس هادي في الحكم، إذ كان أنصار صالح يُسيطرون على الوظائف الهامة؛ لذلك عمدوا إلى تقليل نفوذ صالح بتنصيب رجالهم في الوزارات السيادية والهامة، وأبرزها: الداخلية والدفاع والمالية والبنك المركزي؛ ثم اتجهوا إلى البرلمان، ثم قاموا بضربتهم الكبرى وشكلوا "اللجان الثورية" في المديريات والمحافظات المختلفة، والتي ما زالت تؤرق صالح، لأنها سُلطة لا سلطان له عليها، لذلك طالب دومًا حلفاءه الحوثيين بالتراجع عن تلك القرارات.
القشة التي ربما قصمت ظهر البعير مُبكرًا تمثلت في القرار الذي اتخذه زعيم الحوثيين بتكليف شقيقه عبد الخالق الحوثي، بمهام الحرس الجمهوري.
- لماذا يثق صالح في دعم السعوديين؟
تزامنت التطورات التي شهدها اليمن فجر اليوم مع خطوتين جريئتين؛ تمثلت أولاهما على المستوى الداخلي في السيطرة على أجزاء كبيرة من مؤسسات صنعاء، بينما تمثلت خارجيًّا في تصريح قيادة قوات التحالف العربي بأنها تثق بالتحركات الأخيرة للقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ضد مسلحي جماعة "الحوثي" في العاصمة صنعاء،ولكن ما هي مصلحة التحالف في دعم صالح؟
قبل الاشتباكات بيومين، كان صالح قد غازل التحالف العربي بتصريحه المثير"سأعمل على دفع الحوثيين إلى وقف إطلاق الصواريخ على السعودية، مقابل إنهائها الغارات والحصار على اليمن من خلال التحالف العربي الذي تقوده"، ثم بادر بالإعلان عما أسماه "خريطة طريق للحل".
وغازل المملكة قائلاً: "الخريطة السياسية في المنطقة تتغير، كل التحالفات القائمة فاشلة"، ويبدو أنه بالفعل قد وجد الحل المتمثل في قتال الحوثيين من أجل بناء تحالف جديد مع المملكة التي سرعان ما أعلنت تأييدها له لأنّ صالح هو الوحيد القادر على إنهاء تورطها في حرب اليمن التي تعهد الأمير محمد بن سلمان بإنهائها في "أيام قليلة"، وطالت قرابة السنوات الثلاث.
والمكاسب التي تحصل عليها السعودية من دعم صالح، هي إنهاء حروب التحالف العربي في اليمن، والتي أظهرت التسريبات رغبة ولي العهد في إنهائها، لكن الأزمة كانت دائمًا للرياض في الرغبة في القضاء على أذرع إيران من جهة والخوف من الفراغ السياسي لما بعد الحرب بعد هزيمة صالح وقوات الحوثي من جهة أخرى، وهو ما يعني أن يُصبح حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين هو الأكثر قوة في اليمن بعد الحرب، ويبدو وكأن الرياض هزمت عدوها الشيعي انتصارًا لعدوها السُني.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية في عام 2013، بينما كان الحوثيون ينفذون انقلابهم على الرئيس الشرعي، كانت المملكة تكتفي بالصمت وبناء سياجٍ حدودي بين البلدين، وكان مكسبها الاستراتيجي من تقدم الحوثيين عسكريًا المدعومين من إيران، هو أنهم يقاتلون حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لذلك لم تتحرك السعودية لإنقاذ هادي إلا بعدما قام الحوثيون بالانتصار على الإصلاح بعد إضعافهم، ولهذه الأسباب يعلمُ صالح أنه هو ورقة السعودية الوحيدة الرابحة لتحقيق أهدافها في الداخل.
-مصير الشرعية اليمنية في حال عودة "صالح"
في الوقت الذي كانت تشتعل فيه الاشتباكات في صنعاء، كانت قوات الحزام الأمني الإماراتي، تعترض موكبًا لرئيس الوزراء اليمني، أحمد بن دغر، واضطرته لإلغاء الاحتفال بالمولد النبوي تجنبًا للمواجهات بين قوات الجيش والحزام الأمني، وفي الشهر الماضي، كشف مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح وبعض القادة اليمنيين يخضعون للإقامة الجبرية، وهو الخبر الذي أثار ضغوطًا كبيرة على المملكة للإفراج عنهما، فيما تحدثت تسريبات أخرى عن رغبة الإمارات للإطاحة بهادي، وهي التي تضغط على المملكة من أجل إتاحة الفرصة لعودة أحمد علي عبد الله صالح إلى بلاده للدفع به في المشهد السياسي بدلًا من الرئيس هادي الذي لا يملك في اليمن سوى الشرعية.
انتخابات الرئاسة اليمنية ستُعقد في 2019، لكن المتوقع في حال قيام صالح بالانتصار على الحوثيين أن يقوم بفرض نفسه على المشهد السياسي، إما من خلال الدفع بأنصاره إلى الساحة السياسية والسيطرة على الوزارات الخارجية كما حدث في 2012، عندما تولى هادي الحكم، أو القيام بالانقلاب بنفسه على الرئيس الشرعي خاصة وأنه يُسيطر على قطاعات كبيرة في الجيش وأهمها الحرس الجمهوري، أو أن تقوم دول التحالف بإجبار هادي لتقديم استقالته.