نص كلمة مصر خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة بشأن القدس، والتي ألقها السفير عمرو أبوالعطا، المندوب الدائم بالأمم المتحدة، وإلى نص الكلمة:
يجتمع مجلس الأمن اليوم في جلسة طارئة بناءً على طلب أغلبية أعضائه الذين ينتابهم، وعدد كبير من دول وشعوب العالم، القلق إزاء مسألة تتعلق بحفظ السلم والامن الدوليين، وذلك في سابقة مهمة وغير تقليدية تستدعى التوقف عندها... فما نشهده اليوم هو انعكاساً للتخوف الشديد الذي انتاب المجتمع الدولي خلال الأيام القليلة الماضية إزاء إحدى القضايا التي أدرجت على جدول اعمال مجلس الامن منذ إنشائه، وهى القضية الفلسطينية... بل يعكس أيضا التخوف من عواقب واثار القرارات الأحادية التي تخالف القانون الدولي وتهدد منظومة العلاقات السياسية، والتي تأسست على ميثاق الأمم المتحدة منذ أكثر من 70 عاماً للحيلولة دون تكرار مأسي الحروب، وضمان تنظيم العلاقات بين الشعوب في عصر من المفترض أنه يراعى الحقوق الأساسية لتلك الشعوب على أساس من المساواة... ان ما نحن بصدده اليوم هو اختبار لتك المنظومة واختبار لسيادة القانون، ولن يتحقق النجاح في هذا الصدد الا من خلال العمل الجماعي في اطار الشرعية الدولية... اما إذا استسلمنا للفشل فسيكون علينا التعامل مع عواقب وخيمة، بقضية اليوم أو غيرها من القضايا الدولية، ولسنوات طويلة مقبلة...
السيد الرئيس،
ان عمر مسألة القدس الشريف يمتد الى جذور التاريخ، وتعلق قلوب أجيال من شعوب العالم من الأديان السماوية الثلاث بها يرجع لمئات السنين... وقد تمكن المجتمع الدولي في العصر الحديث من خلال الأمم المتحدة من وضع محددات قانونية للتعامل معها منذ ان قررت تلك المنظمة إنشاء دولتين على أرض فلسطين وفقاً للقرار رقم 181.
لذلك، فأن المنطق الوحيد، والحقيقة الثابتة الوحيدة، في التعامل مع القدس الشريف في إطار القضية الفلسطينية، هو هذا المنطق وتلك الحقيقة التي انعكست في القانون الدولي المتمثل في قرارات الأمم المتحدة لاسيما قرارات هذا المجلس، والتي رفضت بما لا يدع مجالاً للشك احتلال القدس الذي بدأ عام 1967.
وبما اننا اجتمعنا اليوم لتأكيد خطورة المساس بالمحددات القانونية التي تم التوصل اليها على مدار عشرات السنين، فلعله من المناسب هنا استذكار أهم قرارات مجلس الامن الملزمة، القديم منها والحديث، بشأن القدس... فالقرار 242 نص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي إحتلتها عام 1967 ومن ضمنها القدس... كما رفض القرار478 احتلال المدينة بالقوة، واعتبر ما يسمى "بالقانون الأساسي" الذى فرضته إسرائيل انتهاكاً للقانون الدولي ولا يغير من الوضع القانوني للمدينة، ولا يؤثر على إنطباق اتفاقية جنيف المعنية بحماية المدنيين في وقت الحرب على القدس الشريف... ومن المهم ايضاً استذكار اخر قرارات مجلس الامن الصادرة في هذا الشأن، والتي لم يتخط عمرها العام الواحد، وهو القرار 2334 الذى أكد عدم اعتراف المجلس باي تغير في خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، إلا من خلال التفاوض بين الأطراف.
كذلك، وكما طالب القرار 478 بسحب جميع البعثات الدبلوماسية من مدينة القدس كون المجتمع الدولي لا يعترف بها عاصمة لإسرائيل، جاء القرار 2334 ليطالب بوضوح جميع الدول بالتفرقة في تعاملاتها بين الأراضي الإسرائيلية وتلك الأراضي التي احتلت عام 1967 وهي الأراضي التي تتضمن القدس.
السيد الرئيس،
تلك هي قرارات مجلس الأمن المتسقة في محتواها منذ عشرات السنين وحتى الأن، والتي تعد بمثابة القانون الذي يحكم الوضع بالقدس... تلك هي قرارات مجلس الأمن الملزمة والتي تعهدت جميع الدول وفقاً للميثاق بتنفيذها والالتزام بها حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين...تلك هي قرارات مجلس الأمن التي تمثل الحقيقة والمنطق الوحيد فيما يتعلق بالقدس الشريف.
انطلاقاً من ذلك، فإن جمهورية مصر العربية تعرب عن استنكارها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إليها، وتعلن رفضها لأية أثار مترتبة على ذلك. كما نؤكد على أن اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفاً للشرعية الدولية... وبالتالي، فإنها قرارات غير ذات أثر على الوضع القانوني لمدينة القدس كونها مدينة واقعة تحت الاحتلال ولا يجوز قانوناً القيام بأية أعمال من شأنها تغيير الوضع القائم في المدينة.
كذلك، وفى إطار ما شرحناه وما هو معروف للقاصي والداني إزاء الحساسية الشديدة فيما يتعلق بمسألة القدس، فإننا نعرب عن قلقنا البالغ من التداعيات المحتملة لهذا القرار على استقرار المنطقة، لما ينطوي عليه من تأجيج مشاعر الشعوب العربية والإسلامية نظراً للمكانة الروحية والثقافية والتاريخية الكبيرة لمدينة القدس في الوجدانين العربي والإسلامي، فضلا عن تأثيراته السلبية للغاية على مستقبل عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تأسست مرجعياتها على اعتبار أن مدينة القدس تعد أحد قضايا الوضع النهائي التي سيتحدد مصيرها من خلال المفاوضات بين الأطراف المعنية.
السيد الرئيس، إن الدعوة للحفاظ على مرجعيات الشرعية الدولية والقانون الدولي ليست من قبيل الترف، لاسيما في منطقة تموج بالنزاعات وعالم يتعرض لتحديات جمة ولا يحتاج لمزيد من الفوضى غير المبررة... بل هي دعوة تراعى ما نراه واضحاً امام اعيننا من مخاطر شديدة تستتبع انهيار المنظومة القانونية الدولية...
من ثم، فأننا نكرر أن وضع القدس الذي حددته قرارات مجلس الامن كمدينة محتلة لم يتغير، ولن يتغير، الا اذا اتفقت الأطراف على ذلك من خلال المفاوضات، كما ندعو أجهزة الأمم المتحدة الى التعامل مع التحيات الناشئة بالقضية الفلسطينية بالأسلوب الذى يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقاً لحدود الرابع من يونيو عام 1967... وتؤكد أن مصر ستظل على عهدها الذى قطعته في سبيل التوصل الى سلام دائم وشامل وعادل في المنطقة... سلام مبنى على محددات الشرعية الدولية.