"أموال أوروبا» حولت قرى بني سويف، إلى قطع من العواصم الأوروبية، فالقرى طغى عليها الطابع المعمارى الأوروبي، وأصبحت تكتظ بالفلل والقصور، بعد أن هرب شبابها من الفقر المدقع والعمل تحت أرجل المواشي فى الحقول، إلى فنادق وكافيهات أوروبا، ليعود محملاً بالأموال التى حولت القرى إلى دويلات داخل الدولة، فمع تدفق اليورو إلى القرية يرتفع أيضاً مستوى المعيشة، وأسعار الأراضي وتكاليف الزواج .
قرية «بني هاني» إحدى قرى مركز إهناسيا ببني سويف، التى تحولت إلى قرية يغلب عليها طابع المنتجعات والقرى السياحية، وتحولت إلى محط أنظار القرى المجاورة لها.
جمال عبدالواحد، أحد شباب القرية العائدين من إيطاليا، قال : «مشهد القصور الذي تشاهدونه في القرية يعكس الحرمان الذي كان يعيشه الأهالي، حيث كنا نقيم فيما يشبه عشش الإيواء، وبمجرد أن يسافر الشاب يفكر في أن يشيد قصراً، خاصة أن الدخل مرتفع في إيطاليا، وبالتالي تحولت مباني القرية إلى فيلات وقصور خلال سنوات قليلة".
وأضاف عبدالواحد، أن ارتفاع مستوى الدخل لشباب القرية كان له العائد السلبي، من ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية أو أراضي البناء، فأصبح فدان الأرض الزراعية يقترب من 700 ألف جنيه بزمام القرية، وتجاوز سعر متر أراضى المباني مبلغ الـ10 آلاف جنيه، نظراً لعدم توازن العرض مع الطلب، لافتا الى أن شباب القرية جميعهم لديهم رغبة فى تملك الأطيان الزراعية والقصور بعد عودتهم من السفر لأوروبا، ولكن نصطدم بزمام القرية المحدود وهو ما يتسبب فى البيع بأسعار فلكية بالمقارنة مع القرى المجاورة .
وأشار ياسر فوزى ـ مدرس، إلى أن القرية تشتهر بارتفاع تكاليف الزواج، حيث يتنافس شباب القرية العائدون من أوروبا على بنات العائلات ذات «الحسب والنسب» فيتبارون فيما بينهم على الفوز بجميلات القرية، وأصبحت «شبكة العروسة» تقدر بالكيلو بدلاً من الجرام، فضلاً عما تتمسك به القرية من عادات وتقاليد يصعب على الكثيرين من أهلها مهمة تجهيز الفتيات نظراً للحالة الاقتصادية المتردية التى تمر بها جميع المدن والقرى المصرية فى السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فالقرية متمسكة بتقاليدها وأصول مراسم إتمام الزواج وما يعقبه من تكاليف باهظة تؤدى فى بعض الأحيان لأن يعرض والد العروس أرضه للبيع حتى يتمكن من إتمام الزيجة.
من أهم هذه العادات والتقاليد، استمرار تمسك أهالى القرية بإهداء العروس نصف ما يقدم العريس «شبكة» للعروس، فضلاً ما يسمى بـ«الواجبات الأسبوعية» التى يشترط أن تتكون من خروف بلدى وأجولة كاملة من الدقيق والسكر والأرز... الخ، وتقدمه أسرة العروس للعريس وأسرته صباح كل «خميس» ولمدة 3 شهور عقب حفل الزفاف، على أن تنتهى الشهور الثلاثة بمقابلة رجال عائلة العروس لابنتهن بتوجههم لمنزل الزوجين يحملون الواجب «مضاعفاً» يتقدم رأس ماشية «عجل أو بقرة» جاهزة للذبح .
وهناك أيضاً قرية «مازروة» التابعة لمركز سمسطا، أصبحت جزءاً من الدول الأوروبية والخليجية التى يتوجه إليها شباب القرية، فتجد شارعا يحمل اسم «الإمارات» ومحلا لتنظيف وغسيل الملابس يحمل اسم «إيطاليا كلين» وآخر لتصفيف وحلاقة الشعر عليه لافتة باسم «كوافير باريس» وعندما تتعمق فى شوارع القرية تجدها قد خلعت رداء القرية المصرية واكتست بالقصور والفيلات والمباني الشاهقة ذات الطراز المعمارى الأوروبي .
وتغيرت الأنماط الاجتماعية والاقتصادية وارتفعت أسعار الأراضى فى «مازروة» حيث اتجه الكثير من أبنائها إلى تملك الشقق فى مدينة بني سويف ونقل أبنائهم للمدارس الخاصة، وترك المدارس الحكومية فى القرية، على الرغم من المباني الفارهة التى يتوسطها المصاعد الكهربائية كما خصص للمنزل محولا كهربائيا دفع ثمنه لشركة الكهرباء وأصبح الجميع فى «مازروة» لا ينشغلون إلا باليورو وركوب السيارات الفارهة .
نقلا عن العدد الورقي.