بالقرب من منزل الفتاة الفلسطينية، تحتدم الاشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومئات الفلسطينيين الغاضبين من الاحتلال، على الفور، تدرك أن وقت العمل حان، تتلفح بشالها الفلسطيني، وتمسك الكاميرا، وتتأكد من حزم حقيبتها بمستلزمات العمل "كمامة - خل لمواجهة الغاز"، هكذا لا زال المشهد السابق المتكرر، عالقًا في ذهن "آمال الجيار"، التي اضطرت إلى الابتعاد عن وطنها قبل عام للدراسة.
لطلب العلم، اضطرت الفتاة الفلسطينية، ذات الـ29 عامًا، لمغادرة بلادها فلسطين، والاستقرار في القاهرة، لاستكمال دراسة الإعلام، منذ عام كامل، غير أن ابتعادها عن الوطن لم يمنعها من متابعة مستجدات الأحداث، وهي تشتاق إلى أيام التظاهرات ضد الاحتلال: "كل اللي أقدر أعمله أن اكتب عبارات بسيطة متدفقة إلى الورقة والقلم للتعبير عما بداخلي، متمنية لو كنت بفلسطين للمشاركة مع أبناء وطني ويعلو صوتي".
في السابق كانت آمال، تٌصر على التصدر في صفوف المتظاهرين ببسالة وشجاعة، إلى جوارها العشرات من الفتيات الفلسطينيات، اللاتي تحدين جنود الاحتلال الإسرائيلي، تفتح كادر كاميراتها كما جرت عادتها في تغطية المواجهات مع جنود الكيان الصهيوني، لتوثق عشرات الصور التي تبين جرائم الاحتلال.
إضافة إلى ما تحتويه كاميراتها من صور تظهر انتهاكات الجنود الإسرائيليين، فإن ذاكرة "آمال" لا زالت تحتفظ بالعديد من المشاهد التي توثق الاشتباكات والمواجهات مع جنود الاحتلال، المشهد الأبرز في كل مرة، وفق حديثها لـ"أهل مصر"، هو تواجد العشرات من الفتيات بمختلف الأعمار، يخفين وجوههن خلف الكوفية، ويسابقن الشبان في إلقاء الحجارة، لا تسعفهن أحيانًا قوة أجسادهن الناعمة في إصابة الأهداف البعيدة عن مرمى حجارتهن، فيقتربن أكثر من الجنود المحتلين لمواجهتهم بكل إصرار.
تروي "آمال" قصة صديقة لها أصيبت بطلقات من قبل المحتلين، وتم نقلها إلى المستشفى، ثم تعافت بعد مرور ثلاثة أسابيع، وبعد رحيلها إلى منزلها بدقائق معدودة نالها القصف الصهيوني ولكن هذه المرة كتبت لها الشهادة، ثم توالت حديثها متأثرت أنه لم يخلي بيتًا في فلسطين إلا وبه شهيدًا أو مصابًا.
كثير من الفتيات مثل "آمال" أصبحن حريصين على المشاركة في المواجهات مع الاحتلال، فوفق لـ"آمال": "أمر طبيعي بل واجب وطني"، فهي ترى أن المرأة الفلسطينية منذ بداية الصراع وفي مختلف مراحل الكفاح الفلسطيني كانت تتصدر مواجهة العدوان، ولم تتغيب أبدًا عن ساحات المواجهة وسيظل التاريخ شاهدًا لها على ذلك.
والدة الفتاة الفلسطينية، كانت تعلم بمشاركتها في المواجهات، وهو الأمر الذي دفعها للقلق: "دايما بتتصل بيا بشكل دوري للاطمئنان علي.. وتطلب مني عدم الاقتراب من الجنود والعودة إلى المنزل باكرًا"،، وأشارت إلى أن بعض رفيقاتها يشاركن دون علم عائلاتهن التي ترفض مشاركتهن خشية استهدافهن من قبل جنود الاحتلال، مضيفة: "أن الفتاة الفلسطينية تمتلك الشجاعة الكافية للنزول إلى الميدان، ولا أحد يمكن أن يمنعها من ذلك، فوجودها في ساحات المواجهة يضيف الكثير من المعاني والدلالات وأولها أن كل فئات وقطاعات الشعب الفلسطيني يتصدى لمقاومة الاحتلال، وأن المقاومة لا تنحصر في فئة دون أخرى، لأن المرأة الفلسطينية جزء وشريك أصيل في مسيرة النضال والمقاومة".
ولأنها من الفتيات التي اعتدن مواجهة الاحتلال، بات المشهد مألوفًا وعاديًا لها، تقول لـ"أهل مصر" إن المصورين الفلسطينيين يحرصون على التقاط صورة تليق بشجاعة الفتاة الفلسطينية في الميدان، وهي الصورة التي تتصدر الصحف والمواقع الإخبارية العالمية عند نشرها، فلا أحد يمكن أن ينكر شجاعة المرأة الفلسطينيية فنحن نجدهن في الصفوف الأمامية بجانب الشباب، حتى أن بعضهن يقتربن بشكل خطير من الجنود الذين لا يترددون لحظة عن قتل واستهداف أي متظاهر أو متظاهرة.
فترات الحروب، والاعتداءات من قبل العدو الصهيوني، أثرت على شخصيات الشباب الفلسطيني، وأصبحوا الآن أكثر قوة مقارنة مع أول مشاركات لهم في المواجهات، وفق ما ترى "آمال"، حيث باتوا الآن يمتلكون قدرات خاصة بإصابة العدو بالحجارة، لأنها كل ما يملكونها، ورغم قلة حيلتهم أمام أسلحة الإسرائيلين، إلا أن نظرات الإصرار في أعين هؤلاء الشباب مع قذفهم الحجارة يمثل فزعًا للصهاينة بل يتراجعون ولو خطوات للوراء مهابة من رجال يدافعون عن حقوق أراضيهم المحتلة.