ليس حلما في الثراء، بل هو طلب الكفاف لإطعام الأطفال وتزويج وستر البنات وتعليم الأبناء.. هو مجمل الغاية من السفر إلى دولة ليبيا، على الرغم من المصير المجهول المحفوف بالموت، الذي ينتظر الشباب هناك، لكن لا مفر من المجازفة، ومع منع السلطات المصرية السفر إلى ليبيا عقب تدهور الأوضاع الأمنية واستهداف المصريين هناك، قرر الشباب المغامرة بالصحراء الواسعة، ولو كانت أعمارهم الثمن، حتى يكتشف كثير منهم أنهم وقعوا فريسة لعصابات الخطف المسلحة التي تنتظرهم على الجانب الآخر، راصدة كل تحركاتهم بمجرد مغادرة منازلهم في مصر، عبر وسطاء «خونة» في المحافظات المصرية تتولى تسلم مبالغ الفدية بعد التأكد من جمعها.. وإلى تفاصيل المأساة..
حيل السماسرةلجأ السماسرة إلى بعض الحيل لتهريب المصريين عن طريق تسلمهم بالقرب من الحدود في مواعيد معينة وأماكن وعرة، وعند دخول المسافرين إلى ليبيا عن طريق الصحراء الغربية، يتم استقبالهم من قبل أحد السائقين الليببين؛ من أجل توصيلهم إلى الأماكن التى يتجهون إليها، وهنا يبدأ دور العصابات بخطف المسافرين من الصحراء، ويتم تهديدهم بالسلاح وإطلاق النيران عليهم؛ من أجل تسليم أنفسهم، وبعد تمكن العصابات من خطف الرهائن، يضربونهم ويعذبونهم، ثم يطالبونهم بالاتصال بأسرهم؛ لإبلاغهم بأنهم تم اختطافهم تحت تهديد السلاح وتجهيز مبالغ مالية كبيرة.
ينفذ الرهائن مطالب العصابات ثم يقومون بالاتصال بأهلهم مرة أخرى ليبلغوهم بتوفير مبلغ 100 ألف جنيه ويتم تحديد موعد التسليم فى إحدى المحافظات فى مصر.
مأساة شاوةقرية شاوة التابعة لمركز المنصورة، بمحافظة الدقهلية، عاشت مأساة حية، بعد أن تم القبض على 5 من أبنائها أثناء سفرهم إلى ليبيا هم: «شريف محمود عبدالحليم 45 سنة، وفرحات عبدالمنعم دبية 37 سنة، وعبداللـه ماهر 28 سنة، وإبراهيم حسانين الباز 28 سنة، والسعيد عبدالمنعم فرحات 24 سنة».
وتلقت أسر المختطفين الخمسة اتصالا هاتفيا، يبلغهم باختطاف أبنائهم، ويطالبهم بفدية 5 آلاف دولار أمريكي أو 100 ألف جنيه مصري؛ لإطلاق سراحهم.
ومع جدية التهديد بدأ الأهالي فى جمع الأموال وقاموا بإرسال خطابات للمسؤولين فى الخارجية المصرية إلا أن ذلك لم يسفر عن شىء، وكانت العصابة المسلحة تتواصل معهم عن طريق رقم هاتفى من الخارج وتطالبهم بسرعة الدفع لإطلاق سراح ابنائهم.تمكن الأهالي خلال ساعات من جمع 300 ألف جنيه مصرى، وبعد تأكد العصابة من ذلك، طالبوهم بتسليم الأموال فى محافظة الغربية، وسيتم إطلاق سراح 3 فقط وبعد دفع باقى المبلغ 200 ألف جنيه يتم إطلاق سراح الآخرين.خرج أحد أقارب المخطوفين فى سيارة ملاكى وبحوزته الأموال وتلقى اتصالا تلفونيا من العصابة، طالبوه بالتوجه إلى مدينة المنصورة، ثم التوجه إلى محافظة الغربية ثم إلى محافظة كفر الشيخ وترك الأموال فى مكان معين ثم ذهبوا ينتظرون مكالمة العصابة دون أي ضمانات.جاء سواد الليل وقلوب أمهات المختطفين تهوي من الخوف، ويدعون ربهم إلى أن جاء الاتصال بالإفراج عن 3، بينما لايزال 2 رهن الاحتجاز، لحين دفع باقى المبلغ.بدأ الخوف يسيطر من جديد وبدأت القرية فى جمع أموال جديدة ومكبرات الصوت تصيح فى القرية: «عاوزين ننقذ ولاد بلدنا» إلى أن تم جمع الأموال وبدأت رحلة جديدة فى البحث عن إنقاذهما، وقام الأهالي بتنفيذ نفس التعليمات السابقة ودفع الأموال فى محافظة السويس، إلى أن جاء الاتصال بالإفراج عن باقى المحتجزين، وتبدل الحزن فرحا والنحيب زغاريد لسلامة الأبناء، وبعد الإفراج عن المخطوفين، قرروا البقاء فى ليبيا لحين سداد ديون أهلهم من الفدية.قرية المعصرة، التابعة لمدينة بلقاس، لقت مصير «شاوة» عقب خطف المليشيات الليبية السيد محروس لطفي السيد، ٢٣ عامًا، الذى كان يعمل فى البناء وسافر منذ عامين إلى ليبيا، وتلقى والده اتصالا من أحد أفراد العصابة جاء فيه: «ابنك عندنا وعاوزين مبلغ 100 ألف جنيه عشان نفرج عنه ويرجعلك سليم ولو مستغنى عنه متدفعش الفلوس».لم يتخيل الرجل المسن ما استمع إليه وكان يظن أن أحدهم يمزح معه، هرع إلى هاتفه للاتصال بنجله، ولكنه وجده مغلقا، فأدرك الأب حقيقة التهديد، ولم يحتمل قلبه فأصيب بهبوط حاد وتم نقله إلى المستشفى وبعد خروجه تلقى اتصالا آخر من نجله يقول له: «الحقنى يابا بيعذبونى.. بيحرقوا رجلى ادفع الفلوس لو حتى هتوقع على إيصالات أمانة بس انقذنى أنا هنا بموت.. حاول تنقذنى يابا».لم يتمكن الأب الذي لا يملك شيئا من ثمن الفدية أن يخفى الأمر عن زوجته، التى طارحت الفراش عند معرفتها بالخطر الذي يحيط بابنها.أهالى القرية لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بدأوا فى جمع الأموال وتلقي الاتصالات كل يوم من العصابة التى تؤكد لهم انه ستتم زيادة المبلغ 10 آلاف جنيه على كل يوم تأخير فى السداد قام الأب بجمع مبلغ 90 ألف جنيه، ولكنه لم يتمكن من جمع باقى المبلغ .محمد علي، من أبناء القرية يقول: «قمنا بجمع الأموال من بعضنا البعض ولكن لم نتمكن من جمع سوى 90 ألف جنيه فقط وقام والد الشاب بالتوقيع على ايصالات أمانة وبيع كل ما يملكه ولكنه لايزال على امل الاتصال من أجل دفع المبلغ المطلوب لانقاذ نجله، يدعو ربه كل يوم فى صلاته ان يعود له سالما».الشاب أكد أن خطف «محروس» لم تكن الواقعة الأولى فى القرية بل شهدت عودة احد ابنائها جثة هامدة، وذلك بعد رفض اهله دفع الفدية المطلوبة، مؤكدا على أن تلك العصابات تتحدث باللهجة المصرية ولم تتمكن الخارجية المصرية من انقاذ المخطوفين.نقلا عن العدد الورقي.