17 ديسمبر.. ثورتا تونس بين المحتل والفساد

تونس الثائرة.. تلك البلد التي على موعد مع يوم 17 ديسمبر، وكأنه يوم سعدها الذي كتب عليه تحريرها من احتلال الغرب الخارجي واحتلال الشرق الداخلي.

تاريخ ربط بين ثورتين في نفس البلد الفرق بينهما 59 عامًا، وهما ثورتي الحبيب بورقيبة عام 1951، وثورة الياسمين الشعبية عام 2010.

ثورة الحبيب بورقيبة

كانت تونس -خلال الحرب العالمية الثانية- مسرحًا للعمليات العسكرية بين دولتي المحور "ألمانيا وإيطاليا" من جهة، ودول الحلفاء "بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا الحرة من جهة أخرى".

وأقدمت جيوش الحلفاء في 8 مايو 1943 على خلع الباي محمد المنصف ونفيه من البلاد وشنت حملة واسعة من القتل والتنكيل بالمواطنين التونسيين، وفرضت أحكامًا عرفية وعسكرية على البلاد، متهمة الباي والحركة الوطنية بالتعاون مع قوات المحور.

وعينت الحكومة الفرنسية محمد الأمين وليًا على تونس، ما أثار غضب التونسيين الذين أعلنوا الإضراب العام ونظموا المظاهرات عام 1947، واندلعت المقاومة الوطنية التونسية 1948 مطالبة بإلغاء نظام الحماية الفرنسية على البلاد.

وفشلت المساعي الدبلوماسية السلمية بين سنتي 1949و 1952 في التوصل إلى تسوية بين قيادة الحركة الوطنية التونسية والحكومة الفرنسية، وعقدت الحركة الوطنية مؤتمرًا سريًا في 18 يناير 1952، قررت فيه سقوط الحماية، واعتبار المعمرين الفرنسيين جالية أجنبية.

في اليوم نفسه اعتقلت السلطات الفرنسية عددًا من قادة الحزب الدستوري الجديد وفي مقدمتهم الحبيب بورقيبة والمنجى سليم والهادي شاكر.

وبدأت المقاومة التونسية المسلحة ضد الفرنسيين بعمليات فدائية جريئة في جنوب تونس وفي منطقة قابس خاصة، وتعرضت ثكنات الجيش الفرنسي في أبي لبابة قرب قابس، والقوافل العسكرية الفرنسية على طريق سوسة وفي بلدة العوينات إلى هجوم.

وردت السلطات الفرنسية على نشاط حركة المقاومة الوطنية بتكوين عصابة إجرامية من المعمرين الفرنسيين باسم "اليد الحمراء"؛ لملاحقة الوطنيين واغتيال قياداتهم تحت حماية الشرطة والجيش الفرنسيين.

اغتالت عصابة اليد الحمراء الفرنسية فرحات حشاد، السكرتير العام للاتحاد العام التونسي للشغل، في 5 ديسمبر 1952، ما زاد في زخم المقاومة المسلحة واشتعال الثورة.

وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام في البلاد، وتضاعفت هجمات المقاومين على الأهداف الفرنسية، وأحرقوا 8 ثكنات عسكرية فرنسية في شمال البلاد و3 ثكنات في جنوبها، ودمروا 12 سيارة، واندلعت المظاهرات والمجابهة مع القوات الفرنسية في تونس العاصمة وصفاقس وقفصة استشهد فيها 63 تونسيًا وجرح 237 أخرين.

واستمرت المقاومة المسلحة طوال سنة 1953، واختطفت عصابة اليد الحمراء المناضل "الهادي شاكر" واغتالته رميًا بالرصاص في 13 ديسمبر 1953، واستخدم المقاومون التونسيون الأسلحة الحديثة سنة 1954، وتمكنوا من قتل الكولونيل "دولابايون"، وبلغ عدد القتلى من الفرنسيين في الأشهر الأربعة من أبريل حتى مايو 1954 نحو 155 قتيلًا و74 تونسيًا من المتعاونين مع فرنسا وجرح 97 منهم.

وفي 31 يوليو 1954 زار تونس رئيس الحكومة الفرنسية "منديس"، وعرض على قيادة الحزب الدستوري الجديد، الحكم الذاتي، فقبلت بهذا العرض.

تألفت وزارة في تونس برئاسة الطاهر بن عمار، اشترك فيها 3 من قادة الحزب الدستوري، ووجه المقيم العام الفرنسي في تونس "دولاتور" نداءً الى المقاومين لإلقاء السلاح وتسليمه للسلطات الفرنسية، وهو ما رفضه المقاومين واستمروا في القتال

ونشأ خلاف بين رئيس الحزب الدستوري الحبيب بورقيبة والأمين العام للحزب صالح بن يوسف حول تسليم الأسلحة قبل بدء المفاوضات التونسية - الفرنسية حول مستقبل البلاد.

وطالب بورقيبة بتسليم السلاح والتخلي عن الكفاح المسلح، رفض ابن يوسف تسليم السلاح قبل معرفة مصير تونس بعد هذه المفاوضات.

وأسفرت المفاوضات بين الحكومة التونسية وفرنسا عن إبرام اتفاقية الحكم الذاتي في 3 يونية 1955 الذي لم يطل كثيرًا حتى حصلت تونس على استقلالها 2 مارس 1956.

ورفضت تونس الانضمام إلى جامعة الدول العربية حتى عام 1958؛ بسبب موقف بورقيبة من جمال عبد الناصر الذي أيد خصمه صالح بن يوسف.

اندلاع الثورة التونسية

هي ثورة شعبية اندلعت أحداثها في 17 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد وذلك بعد مصادرة سلطات بلدية مدينة سيدي بوزيد عربة كان يبيع عليها الخضار والفواكة، وتنديدًا برفض قبول شكوى أراد تقديمها ضد الشرطية فادية حمدي التي قامت بصفعه، هذه الثورة أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.

بعد واقعة بوعزيزي خرج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم.

أدى ذلك إلى اندلاع مواجهات بين مئات من الشبان مع قوات الأمن لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة، ونتج عن المواجهات سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن.

أجبر الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، وبعدها فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحَجب، كما خفض أسعار بعض المنتجات الغذائية.

رغم كل هذه الإصلاحات إلى أن الاحتجاجات توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية، ما أجبر "بن علي" على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ بحماية أمنية ليبية إلى السعودية -الجمعة 14 يناير 2011.

أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي، عن توليه رئاسة الجمهورية، بصفة مؤقتة؛ بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه، حسب الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول.

لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك بيوم اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في -السبت 15 يناير 2011- عن تولي رئيس مجلس النواب، فؤاد المبزع، منصب رئيس الجمهورية، بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا.

وشكلت الثورة التونسية المفجر الرئيسي لسلسلة من الاحتجاجات والثورات في عدد من الدول العربية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
«خربشة في الوجه وكدمات على الساقين».. الأمن يبحث ملابسات وفاة الملحن محمد رحيم