24 ساعة مع ملائكة "57357".. حكايات الشهد والدموع لمرضى السرطان.. «هدير» مصابة بورم في المخ.. و«محمد» يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية

ضحكاتهم تذيب حرقة القلوب على آلامهم، وجوههم البريئة ترتاح في ود على اجنحة ملائكة بيضاء، يلوحون لزوارهم بأياد ضعيفة انهكتها جلسات الكيماوي، رؤوسهم الحليقة تذكر بنساك في محراب التجلي، يصارعون في صمت مرضا لعينا أصاب أعز الناس.. هم أطفال مرضى السرطان بمستشفى 57357 ذلك الصرح الدال على عظمة المصريين وتلاحمهم لهزيمة القاتل الصامت.

«أهل مصر» تجولت في فضاء مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، بداية المشهد كانت حديقة المستشفى، إذ تمسك أمهات بملائكة صغيرة أصابهم السرطان في انتظار ترتيبات استقبالهم، أو دورهم في جلسة الإشعاع أو الكيماوي.

على وجوه الأمهات تمتزج الملامح بالحزن والشفقة على أطفالهم، وبين نظرة تفاؤل في نفس الوقت بشفاء أبنائهم.

في أثناء الجولة داخل 57357، سيدة منتقبة لم تبعد نظرها عن طفلتها الجالسة أمامها على كرسي متحرك لا حول لها ولا قوة، يصعب على الأم مشاهدة ابنتها في هذه الحالة، قائلة بداخلها: «ياريتني كنت أنا بدالك"»، وراحت تداري دموع الحسرة والرجاء لتخبئها من عين صغيرتها «اسمها هدير» هكذا أخبرتنا الأم.

«أم هدير» أتت من محافظة الفيوم، ولكنها تقيم في القاهرة حتى تنتهي طفلتها من الجلسات العلاجية والشفاء لأنه في حال سفرها يوميًا من الفيوم إلى القاهرة يكلفها الكثير من المال، وزوجها عامل «أرزقي» لم يقدر على تكاليف السفر يوميًا.

«هدير» بالصف السادس الابتدائي، ذات يوم شعرت بصداع شديد فاصطحبتها الأم إلى الطبيب للاطمئنان عليها، وبعمل الفحوصات اكتشف أن «هدير» مصابة بورم في المخ، وما إن عرفت بمصاب ابنتها حتى انهارت حزنًا عليها.

في اليوم التالي لمعرفة مرض «هدير» أتت الأم إلى القاهرة قاصدة مستشفى سرطان الأطفال 57357، على أمل كبير في شفاء ابنتها، لما لديها من معلومات سابقة عن المستشفى بأن نسبة الشفاء فيه تصل إلى 90%.

تروي «أم هدير» أول يوم لها في المستشفى، بأن الأطباء أجروا التحاليل والفحوصات لابنتها واكتشفوا أن حالتها في مراحلها الأخيرة، لذلك حددوا لها جلسات عاجلة بالإشعاع قائلين: «لو كنت استنيتي شوية بنتك كانت هتموت».

تركت والدة «هدير»، أطفالها في الفيوم، من بينهم طفلة رضيعة عمرها شهور، لتمكث في القاهرة وحدها مع ابنتها حتى تراعيها، وتقول الأم إن الورم أثر على أعصاب ابنتها ولم تستطع التحكم فيها، فلم تعد تتحرك أو تتكلم، لذلك تقوم بحمل طفلتها على ذراعيها، إذ إنها تصعد بها وهي تحملها إلى الدور الثالث لتأخذ جلسة الإشعاع.

طوال الوقت و«هدير» لم تصدق ما حدث لها، فإنها قبل أيام كانت تتقافز مرحا مع أصدقائها في المدرسة وليس بها شيء، تحمل حملًا كبيرًا، وكأن حوارا يدور بداخلها تعاتب فيه الدنيا على ما أصابها في هذه السن الصغيرة، التي من المفترض أن تعيش مستمتعة بطفولتها فيها، وعندما يتصل والدها بها للاطمئنان عليها لا تستطيع الرد عليه لأن المرض حرمها من الحديث فلا تملك إلى أن تذرف دموعها.

على ناحية أخرى، سيدة تداعب طفلها وتلعب معه، لتنسيه الألم، ويتجول الطفل الذي لم يتعد الثالثة من عمره في كل أرجاء المستشفى، يلعب مع الأطفال مثله، ولا يستقر ساكنًا.

أصيب «محمد» بسرطان في الغدد الليمفاوية، قبل أن يكتشف أهله المرض كان يعاني من تقلصات ببطنه، لذلك انتقلت به الأم إلى مستشفى الدمرداش، وكانت تتردد على المستشفى يوميًا ولم يستطع الأطباء بها تشخيص حالة «محمد» إلا بعد شهرين من الفحوصات وبتكلفة 10 آلاف جنيه.

جاءت والدة «محمد» به إلى مستشفى 57357، وأجرت له الفحوصات الطبية في العيادات الخارجية للمستشفى، وبعد أسبوع من الفحوصات بدأ «محمد» يخضع لجلسات الكيماوي، وتستغرق الجلسة الواحدة أربع ساعات ونصف.

تخرج الأم أسبوعيًا من منزلها بالعياط بمحافظة الجيزة، في الخامسة فجرًا، حتى تسجل دورها مبكرًا في جلسات الكيماوي لطفلها، وتعود لمنزلها في السابعة مساء.

في ركن بعيد عن باقي الحالات، يجلس رجل شارف على الانتهاء من عقده الخامس، مع ابنته ليطعمها ما اشتراه لها من كافتيريا المستشفى، بعد أن انتهت من جلسة الإشعاع، قائلا: «كلي يلا يا جنا لأنك كنتي صايمة علشان جلسة الإشعاع».«جنا» طفلة فائقة الجمال وذات روح مرحة، في الخامسة من عمرها، أثر سرطان النخاع الشوكي على إحدى عينيها فأدى إلى الحول.

يروي الحاج فرج محمد، أنه عندما اكتشف حول ابنته ذهب بها إلى أطباء العيون في محافظات كثيرة ولم يستطيعوا تشخيص أسباب حول طفلته، واكتشفته طبيبة تابعة للقوافل الطبية في الجامعات الأهلية.

يذهب الحاج فرج، مع ابنته كل يوم في الرابعة فجرًا، آتيًا من المنصورة إلى مستشفى 57357، مستغرقًا أربع ساعات في السفر، لينتظر دور «جنا» في جلسة الإشعاع، ثم يعود لمنزله الثالثة عصرًا.

منذ أن علم والد «جنا» بمرضها ترك عمله كنجار وتفرغ لابنته واصطحابها إلى الجلسات العلاجية، تاركًا أولاده الستة مع والدتهم.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
من نسل السنوار.. تقرير عبري عن أقوى رجل عسكري في قطاع غزة