قصص كثيرة سمعناها عن كفاح البورسعيدية خاصة رجال بورسعيد، وغفل البعض بطولات كفاح المرأة البورسعيدية وبطلاتها التي سطرت ملحمة عظيمة أثناء العدوان الثلاثي على المدينة الباسلة، حيث تسابقت السيدات والفتيات فى ذلك التوقيت من أجل الدفاع عن أرض بورسعيد، ولكل منهن قصة شجاعة وبطولة سجلت فى كتب التاريخ.
شهادة عرفان يسردها الفدائي البطل محمد مهران عن زوجته التي رافقته حياته لحظة بلحظة وضحت من أجل أن تجد السعادة تغمر حياته ولم يشعر بأنه أعمى حين ماتت.
«تزوجنا فى 14 نوفمبر عام 1957.. وتوفيت يوم الاثنين الموافق 11 يناير عام 2011.. ثلاثة وخمسون عاما وشهرين وثلاثة أيام مرت على زواجنا ولم أشعر بأننى " فقدت بصرى " الا يوم موت زوجتى يوم وفاتها شعرت بأننى " أعمى " وانكسر قلبى».. هكذا لخص الفدائي محمد مهران قصة كفاح زوجته الحاجة حميدة حسن إسماعيل.
بدأت حميدة حياتها العملية فى مهنة التمريض، وعند قيام العدوان الثلاثى كانت تؤدى دورها الإنساني بنجاح مع غيرها من فئات الممرضات وهن جميعا جنود مجهولة حيث لكثيرات منهن بطولات لكن لم تسلط الأضواء عليهن فعملهن وسط النيران وتحت قصف المدافع والطائرات فلم يتركن مواقعهن مثل جندى الميدان.
ذات يوم، سمعت الآنسة حميدة أول حديث اذاعي للبطل محمد مهران أجراه " فهمى عمر وسعد لبيب" من إذاعة القاهرة وكان وقتها تم تهريبه من بورسعيد فى زمن العدوان وأقام بالمستشفى العسكرى العام بكوبرى القبة بالقاهرة، وفور سماعها ملحمة البطل مهران، حررت خطابا للرئيس جمال عبد الناصر تعرض فيه وبالحاح قبول تبرعها بأحد عينيها لهذا البطل، كما حررت خطابات مماثلة للدكتور نور الدين طراف وزير الصحة في تلك الوقت واللوائين الطبيبين عبد الوهاب شكرى ومحمد نصار مدير الخدمات الطبية بالقوات المسلحة ونائبه والسيدة عليه الفار رئيس الهلال الأحمر.
لم يكن يربطها بمهران سوى أنها مواطنة بورسعيدية محبة لمصر ولم تكتف بتحريرها خطابات للمسؤلين بل قامت أيضا بتحرير خطاب يحمل نفس الشعور للبطل مهران وفى أوائل سنة 1957 ظهرت بعض الصحف والمجلات المصرية، وبالأخص مجلة روز اليوسف تحمل عنوانا " الدكتور نور الدين طراف فى حيرة هذه الأيام "، ولخصت موضوع التبرع بالعين المقدمة من الآنسة حميدة حسن اسماعيل.
كما اتصلت بالأستاذ أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب فى ذلك الوقت لبذل مساع كبيرة لقبول هذا الطلب، فردعليها البطل مهران والمسؤلين معربين لها عن شكرهم على هذا الشعور الوطنى الصادق فلم تكتف بذلك بل اتجهت للمستشفى العسكرى العام بالقاهرة لمقابلة البطل مهران لاقناعه بقبول تبرعها وألحت عليه ان يقبل طلبها فما كان منه الا أنه شكرهاعلى تلك المبادرة الجميلة.
كان البطل مهران يتخذ اللواء طبيب عبد الوهاب شكرى والدا روحيا له وصديقا حميما فلما عرض عليه قصة الحاح حميدة بالتبرع بعينها فما كان جوابه الا أن قال له " ان كنت تعتبرنى والدك بحق تزوج هذه الفتاة لأنها ستكون لك خير عون وتعوضك عن عينيك، وبالفعل تم زواجهما فى نوفمبر 1957 وكانت له بالفعل بصره وبصيرته.
ويؤكد مهران بأن زوجته كانت عينيه التى يرى بهما فكانت تصف له كل شيىء، وكانت ترافقه أثناءالتهجير، تعود به من " رأس البر" ليتفقد العديد من مواقع الجنود ببورسعيد أثناءحرب اكتوبر 1973 بلا كلل ولا ملل من أجل أن يبث هذا البطل الروح المعنوية فى الجنود.
وكان الفدائى مهران يتمنى عودة بصره لسبب وحيد، إذ أكد أنه ما تمنى أن يكون له عين يرى بها يوما، ولكنه يتمنى يرى فقط زوجته.