مع دقات الثالثة و9 دقائق يوم الإثنين الثاني عشر من أكتوبر عام 1992، تغيرت مصائر أكثر من 70 ألف شخص، ما بين مشرد وجريح وقتيل، في زلزال عنيف راح ضحيته أكثر من 6 آلاف قتيل و60 ألف مشرد في جميع محافظات مصر، وكان لمحافظة الغربية نصيب ليس بقليل من مشردي وقتلى الزلزال، ومن هنا بدأت قصة «خيام سوق الجمعة»، الكائنة في قلب مدينة المحلة الكبرى، التي كانت تضم قديما خنادق الحرب ومن بعدها سوقا للمنسوجات حتى قامت وزارة التضامن بإخلائها وتسكين منكوبى الزلزال بها لحين بناء وحدات سكنية جديدة.
وهنا تحولت المناطق العشوائية بمحافظة الغربية، من مجرد سكن مؤقت للمنكوبين لقنبلة موقوتة توشك أن تنفجر مشكلاتها في مجتمع المحافظة بما تمثله من بؤر إجرامية ومأوى للبلطجية والمسجلين خطر الذين أصبحوا يهددون حتى قاطني هذه المناطق أنفسهم، الأمر الذي يفرض على مسئولي الجهاز التنفيذي بالغربية سرعة التحرك لإعادة تخطيط هذه المناطق التي صنفت بعد إجراء حصر شامل لها إلى 40 منطقة غير مخططة و14 أخرى غير آمنة.
ومع مرور الزمن تقبلت عشرات الأسر سكن الأكشاك الخشبية والخيام التابعة للإيواء العاجل آملين في الحصول على شقة من إسكان المحافظة رغم مرور أكثر من 26 عاما داخل هذه الخيام والأكشاك الخشبية، ويأملون أن تتغير أحوالهم مع قدوم العام الجديد والحديث عن تطوير العشوائيات.
ماجدة إبراهيم، 55عاما، إحدى سكان الخيام، كان عمرها نحو 25 عاما حين أتت للمكان، «سقط منزل أسرتي بزلزال 92، انتقلت للإقامة في الخيمة، لحين تدبير سكن بديل من إسكان المحافظة وحتيى الآن لم أحصل على مسكن أقيم فيه مع أولادي الذين تربوا في الشارع»، هكذا اشتكت المسنة، وأضافت «نضطر للحصول على مياه الشرب من المساجد وقضاء حوائجهم في دورات مياهها».
أحمد فاتح، 57 عاما، من سكان الخيام بالمناطق العشوائية قال في غضب «أنا أب لخمسة أولاد (بنتين وولد)، لا أملك دخلا ثابتا يعينني على الحياة أو يمكنني من استئجار مسكن، حتى بناتي لا أستطيع أن أزوجهن، فمن يرتضى الزواج من فتاة تربت بخيمة في الشارع تأكل وتشرب وتنام على مرأى ومسمع من كل من يمر من هنا».
وتابع أن تلك الخيام كانت كارثة عليهم واعتبرتهم الدولة مواطنين درجة ثانية، دفعت أولادهم للانحراف والاختلاط بالبلطجية واللصوص بحكم طبيعة المسكن والمنطقة، «هنا لا تستطيع سيدة الدفاع عن نفسها أو شرفها فلا يفصلها عن أي غريب سوى ستار لخيمة متهالكة فعل بها الزمن ما فعل»، هكذا شرح المواطن جزءا من مأساته.
«أنا لا أتذكر متى انتقلت للعيش في خيم الإيواء، حيث مرت علي سنوات طويلة فقدت خلالها أبنائي جميعاً وظللت وحيدة تأكل الأرض من عظامي وصحتي»، هذه الجملة جرت على لسان «نعيمة حفظي» 73 عاما، وأضافت باكية أنها ظلت مريضة أسبوعا كاملا لا يعلم عنها أحد إلا عندما دخل أحد اللصوص لسرقتها ووجدها ملقاة مريضة بعد أن عقرها فأر وتسبب لها في غرغرينة بأصبع قدمها.
وأضاف أحد المشرفين بالتضامن الاجتماعى ان تلك الخيام ما هي إلا مفرخة للمجرمين، لافتا الى أنه منذ 3 أشهر تسبب فى سجن قاصر وإيداعها دار رعاية، حيث اعتادت تلك الفتاة استقبال راغبى المتعة الحرام من مروجي المخدرات والبلطجية فى خيمتها بمقابل مادي وهى لم تتجاوز السادسة عشرة، والمصيبة الأكبر كان ذلك فى وجود الأم، كما قبض على عدد كبير من الشباب قاطني الخيام في قضايا بلطجة وتعاطٍ واتجار.
وفي السياق ذاته، أكد فضل خيري، أحد سكان المنطقة أنه بعد الخامسة مساء لا يستطيع أحد المرور من تلك المنطقة فهي خطر نهاراً فماذا عن الليل؟، كما أن الشائع عن سكان تلك المناطق أنهم حصلوا على وحدات سكنية لكنهم باعوها وفضلوا العيش على تلك الشاكلة كلصوص وشحاتين، حسب وصفه.
من ناحيتها، حذرت كريمة أبوالخير، أخصائية اجتماعية بصحة رابع التابع لها المنطقة من أن النساء فى العشوائيات وساكني القبور والعشش يعانين كثيرا من المشاكل، أولاها الأمية ونقص المهارات وتعرضهن للطلاق أو الترمل أو عجز الزوج ومرضه، ما يدفعهن إلى العمل كخادمات وبائعات وقد يصل بهن الحال للخطيئة لمجرد جلب المال، بالإضافة إلى عدم وجود استقرار بحياتهن.
ومن جانبه، أوضح جمال نصار، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالغربية، أن دور المديرية هو إجراء بحوث للحالات المتضررة من ساكني خيم الإيواء وصرف الإعانات العاجلة لهم، بالإضافة إلى توفير الخيام الخاصة بالإيواء العاجل للمتضررين للإقامة بها بشكل مؤقت لحين تدبير مساكن بديلة لهم.
ولفت نصار الى أن الصعوبة تأتى في توفير البديل، موضحا أن محافظة الغربية ليس لها ظهير صحراوي وبذلك يصعب بناء وحدات جديدة فيها، لكن الأمل الجديد فى مشروع تطوير العشوائيات الذي سيخلق بارقة نور لهؤلاء المنكوبين.
ومن ناحية أخرى، أكد الدكتور محمد خليفة نائب مجلس النواب عن دائرة بندر المحلة، أن تطوير العشوائيات أمر هام ومسئولية على جميع العاملين بالدولة، وأضاف أن الغربية في سبيلها لتطوير العشوائيات حيت تم رصد ميزانية لتطوير أكثر مناطق المدينة متضررة وسيشمل ذلك عددا من المناطق، أهمها أبوشاهين وسوق اللبن التابعة له خيام سوق الجمعة ومن المقرر أن تشملهم الخطة الموضوعة التي بدأت بالفعل على أرض الواقع.
نقلا عن العدد الورقي.