في الدور الثاني من منزل "نسمة" التي استشهدت على يد أحد الإرهابيين الذي انقضوا على كنيسة الشهيد "مارمينا"، في الساعات الأولى من صباح أول أمس الجمعة، أخذت "نرمين" طفلتها الأولى، التي لازالت في مرحلتها الإعدادية، تبدل نظراتها بين جدتها التي تجري الدموع على وجنتيها، منذ علمها بوفاة ابنتها الوسطى برصاص الإرهاب، والسيدات التي لا تتوقف عن النواح، في العزاء، مرددين "يا عيني البنات الصغيرة ذنبهم إيه.. أمهم ماتت وبقوا يتامى".
لم يستطيع شعاع الشمس الذي شق طريقه بين ثنايا نافذة الشقة المفتوحة أبوابها على مصراعيها، لاستقبال واجب العزاء السيدات التي تتوارى خلف الملابس السوداء، أن يزيح الحزن الذي تجلى في أعين والدة "نسمة" وشقيقاتها، فأخذت عدة سيدات مقعدها بالشقة في صمت، بينما أخذت آخريات تلقى آخر ما حدث بينها وبين "نسمة"، قبل قتلها على يد إرهابي كان يحاول القضاء على المصلين بكنسية "مارمينا" بحلوان، فقالت آحداهن: "قابلتها من فترة قريبة وكانت طول عمرها تقولي أنا خايفة على بناتي ونفسي أحافظ عليهم حتى لو هضحي بحياتي".
في الدور الثالث من منزل "نرمين" الذي تطل نوافذه على كنيسة "مارمينا" التي شهدت الحادث الإرهابي الذي وقع ضحيته عدد من المواطنين وقوات الشرطة، استقرت طفلتها "نسمة" على إحدى الكراسي الخشبية بـ"البلكونة"، تاركة أعينها تتفقد مكان دماء والدتها الذي لازال دافئًا، رغم مرور أكثر من 24 ساعة على استشهادها.
الدموع بدأت تجد طريقها على وجنتي "نسمة"، لتسبقها مشاهد مقتل والدتها التي لازالت محفورة في ذاكرتها، فتقول لـ"أهل مصر": "أنا وماما وبنت خالي كنا خارجين من الكنيسة وفجأة جه راجل راكب موتوسيكل كان هيقع، فأنا خوفت وقولت (باسم الصليب)، وماما قالتله انت كويس وإلا حصلك حاجة، لكن هو عدل نفسه وفتح الجاكت اللي كان لابسه وضرب ماما بالرصاص الكتير، والدم خرج من جسمها وكانت بتبرد وتترعش".
فور ظهور السلاح في يد الإرهابي، انتبهت "نرمين" لما يمكن أن يحدث لصغيرتها وابنة شقيقها، فدفعت الفتيات خلف ظهرها، تاركة جسدها درعًا يحمي الصغيرات من الرصاص الذي أخذ الإرهابي يمطر جسدها به: "ماما خدتنا بسرعة ورا ظهرها وفتحت ايديها والإرهابي قعد يضرب رصاص في قلبها وجنبها وبطنها ورجلها ولما خلاص مبقتش قادرة بعد 6 رصاصات قالت لينا اجروا بسرعة واستخبوا انقذوا نفسكم أنا خلاص بموت"- طبقًا لرواية "بسمة".
فور ابتعاد الفتيات خطوات عن جثة "نرمين"، انتبهت إحدى السيدات إلى سعي الإرهابي لقتلهن، فأخفتهن عن أعينه، وتروي "نسمة" تلك اللحظات الصعبة وارتعاش جسدها وصل لمرحلة الانتفاض: "الست خبتنا وراء الديب فريزر اللي في السوبر ماركت بتاعها وقفلت الباب بسرعة، وكل شوية تبص تشوف الإرهابي فين من خوفها علينا، وبعد 10 دقائق كان مشي من قدام المحل وراح يموت ناس في مكان تاني".
بينما أخذت نسمة تعبث بذاكرتها لتتذكر ملامح الإرهابي، بدأت ملامح الغضب تظهر على وجهها الذي يحمل علامات براءة تحولت إلى خوف، فتقول: "الإرهابي كان لابس تيشرت أصفر وعنده ذقن وشال على رأسه، وبنطلون جينز، واتصاب في رجله بعد ما استخبى".
لم تكن حالة "بسمة" أفضل من حالة والدة الشهيدة "نرمين"، التي أخذ حالها يتبدل بين البكاء والصمت، بعد أن رأت جثة ابنتها غارقة في الدماء والرصاص يملئ جسدها، فتروي لـ"أهل مصر": "بنتي ماتت مين هيعوضني وجودها، بس نشكر الرب على كل حاجة بتحصل، وبنتي ادفنت مع الشهداء في دير الأنبا بمدافن 15 مايو".
بعد أن انتهت السيدة التي تخطت سن الـ70 عامًا، من الحديث عن مدفن ابنتها، نظرت بنظرات الحسرة إلى حفيدتها "بسمة" وحفيدتها الصغري "كارين"، وتقول: "بسمة هتفضل معانا عشان تعرف تذاكر لإن امتحاناتها قربت، لكن كارين في أولى ابتدائي هتقعد مع أبوها.. مش عارفة إزاي اعوض البنات عن حنان أمهم والا الرعب اللي شافوه".