"انقلب السحر علي الساحر".. لم يتوقع أحد أن تدبر ينقلب الثلاثي السعودية و الإمارات و الأردن علي بعضهما البعض، أو أن يحاول بعضهم الانقلاب علي الآخر.
لكن كُشفت المؤامرة عندما أصدر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الأسبوع الماضي،قرار بإحالة الأمراء فيصل بن الحسين وعلي بن الحسين وطلال بن محمد للتقاعد.
كان الهدف المعلن لهذا القرار هو "تطوير المؤسسة العسكرية الأردنية"، لكنّ سببًا آخرًا كشف النقاب عن أمر مريب، وهو الحديث عن الأمراء تورطوا في محاولة للانقلاب على الملك.
وكشف مجلة النيوزويك الأمريكية عن وجود اتصالات حدثت بين الأمراء الثلاثة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، من أجل إجراء ما أسمته "انقلابًا عسكريًا" في البلاد.
الاثنين الماضي، خطّ خطها الأمير علي بن الحسين شقيق الملك، رسالةً عبر صفحته على "تويتر"، موجهًا رسالة إلى القوات المسلحة، معلناً فيها عن إحالته إلى التقاعد بعد خدمة امتدت لـ23 عامًا، مؤكدًا أنه "سيبقى جنديًّا وفيًّا للجيش في ظل قيادة أخيه وسيده صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين".
العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وجه رسالة شكر وثناء إلى الأميرين فيصل وعلي بن الحسين "شقيقيه" والأمير طلال بن محمد "ابن عمه"، بعد صدور قرار بإحالتهم على التقاعد من الجيش، وجاء في رسائل وجّهها للأمراء الثلاثة: "تقوم القوات المسلحة الأردنية بعملية إعادة هيكلة وتطوير شاملة لتعزيز قدرات الوحدات ذات الواجبات العملياتية، وتوفير المتطلبات اللازمة وتوحيد القيادات وتقليص الكلف وإعادة تشكيل الهرم القيادي بالشكل المطلوب للسنوات القادمة".
وقال الديوان في بيان نشرته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا": "تناقلت بعض المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي شائعات وادعاءات باطلة، ملفقة ومغرضة، تشيع أكاذيب تسيء إلى أصحاب السمو الملكي، الأمراء فيصل بن الحسين، وعلي بن الحسين، وطلال بن محمد".
وأضاف: "سيقوم الديوان الملكي الهاشمي بالملاحقة القانونية لكل من يسيء أو ينشر الأكاذيب، والمزاعم الباطلة بحق أصحاب السمو الملكي الأمراء والأسرة الهاشمية، حيث أنّ ما نشر من أخبار مختلَقة مؤخرًا، يهدف إلى الإساءة إلى الأردن والنيل من مؤسساته".
وقالت الصحيفة الملك عبد الله لم يهدر أي وقت بعد تلقيه لتقارير من الاستخبارات الأردنية تفيد بقرب وقوع انقلاب داخل القصر، فوضع أخويه الأميرين فيصل وعلي، والأمير محمد أحد أبناء عمومته قيد الإقامة الجبرية، بعد أن أثبتت هذه التقارير وجود تواصل مستمر بينهم وبين كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بهدف الإطاحة به من العرش.
وأضاف الموقع أن "من نتائج محاولة الانقلاب الفاشلة، صدور بيان إحالة مبكرة إلى التقاعد للأمراء الثلاثة وإبعادهم عن المناصب التي كانوا يشغلونها في القوات المسلحة".
صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" هي الأخرى نقلت عن مصادر، أن الأجهزة الاستخباراتية رصدت اتصالات بين شقيقي الملك عبد الله وابن عمه مع مسؤولين في السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبد الله الثاني.
كما كشف موقع "بريتبارت نيوز" الأمريكي أن الأمراء الثلاثة كان يتآمرون مع قادة سعوديين لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبد الله، لكنه أوضح أن هذه التقارير قد تكون غير مؤكدة لأنّ الملك عبد الله يمسك بزمام الأردن بقوة، ويمتلك بين يديه بكل أوراق اللعبة السياسية وداخل القصر الملكي.
الأردن من جانبه، كان على الدوام يحافظ على سياسة إمساك العصا من المنتصف، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وهي سياسة ذكية لطالما جنّبت الأردن الكثير من الخصوم والعداوات، وربما يكون هذا الأمر سببًا في رغبة معسكر الحصار وبالأحرى السعودية والإمارات في تغيير النظام الأردني.
لكن، بعد مرور كل هذه الأشهر على توقيع الاتفاقيات والوعود بهذه المليارات، لم يصل الأردن منها شيء لا من باب الدعم والمساعدة ولا من باب الاستثمار، ويعلق على هذا المسؤولون الأردنيون بأنّ السبب في ذلك هو أنّ "أولويات السعودية ربما هي سبب التأخر"، وأن "الأزمة الخليجية تؤجل وصول هذه الأموال، لذا لابد من الصبر والانتظار أكثر".
وبالعودة إلى قطر، فإن هناك العديد من الأسباب التي تجعل المملكة تحافظ على علاقاتها معها، منها أنّ عدد الأردنيين في قطر يصل إلى 47 ألفًا، يعمل معظمهم في وظائف إدارية وقيادية، وفق ما صرح به سفير دولة قطر في الأردن بندر بن محمد العطية.
وحسب رئيس هيئة الاستثمار الأردني ثابت الور، فإن حجم الاستثمارات القطرية في الأردن وصل إلى حوالي 85 مليون دولار، فيما بلغت في مركز إيداع الأوراق المالية 1.6 مليار دولار.
كما أن ملتقى الأعمال الاقتصادي الأردني القطري كان قد عرض في نهاية 2016، فرصًا استثمارية على رجال أعمال قطريين بلغت قيمتها الإجمالية نحو 1.5 مليار دينار أردني، شملت قطاعات الطاقة المتجددة والنقل والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية والصناعات الدوائية.
أما نسبة الصادرات الأردنية إلى قطر، فإنها تصل إلى نحو 25% في الإنتاج الزراعي، بينما تصل الصادرات في مجال الإنتاج الحيواني إلى نحو 30 – 35 %، كما تشير الأرقام الرسمية إلى أنّه كانت تدخل نحو 35 – 40 شاحنة يوميًّا الأراضي السعودية، التي تنقل المنتجات الأردنية للسوق القطري.
وأظهرت أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، أن صادرات الأردن إلى قطر بلغت خلال الثلث الأول من العام 2016 نحو 44 مليون دولار، مقابل 35 مليون خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
قد تقود هذه الأرقام، سلطات المملكة لأن تحافظ على علاقاتها مع قطر، وهنا نقل موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي، عن مصادر عربية تأكيدها أنّ الملك عبد الله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.
وأوضحت المصادرأن الصدع وصل ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني صبيح المصري، وطالب الأمير محمد بن سلمان والأمير محمد بن زايد من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري مقابل الإفراج عن المصري، الذي شكّل احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني.
وقال موقع "بريتبارت" الأمريكي أن محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبد الله لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة إسطنبول، لكنّ العاهل الأردني أصرّ على الحضور في الوقت الذي أرسلت فيه السعودية مسؤولًا قيل إنّه لا يتماشى مع وضع الحدث.
كما تتمتع القدس بخصوصية بالنسبة للأردن، حيث نصت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية "وادي عربة" عام 1994 على أن تكون الأماكن المقدسة في القدس خاضعة للولاية الأردنية، ولا تزال الأوقاف الإسلامية في القدس تابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، كما أن المقدسات المسيحية تخضع لقانون أردني ينظم الإشراف عليها منذ خمسينيات القرن الماضي.