على مر السنين ارتبطت فكرة زيارة منطقة الأهرامات بالجيزة بركوب الجمال والخيول والتجول بها والتقاط الصور التذكارية كجزء أساسي من برنامج الزيارة، وهو ما يظهر جليا من مئات المشاهير حول العالم الذين التقطوا صورا لهم وهم يركبون الخيل والجمال وفي الخلفية أهرامات الجيرة.. يبدو أن هذا المشهد في طريقه للاختفاء عقب قرار وزير السياحة يحيى راشد، بتفعيل قرار سابق بنقل أصحاب الجمال والخيول لمكان بعيد عن الأهرامات تحت ذريعة تسببهم في تشويه المشهد الحضاري.. وقرر الوزير استبدال الحيوانات بطفطف حديث يتجول به السائحون دون الأخذ في الاعتبار تشريد نحو 1500 من أصحاب الجمال والخيول وآلاف من أسرهم.
فى مايو الماضى، صدم وزير الآثار السابق الدكتور خالد العنانى، أصحاب الخيول والجمال بقرار نقل أصحاب الخيل والجمال في منطقة الأهرامات وتقنين أوضاعهم من خلال تحديد مكان بعيد لهم عن الهرم، ومن يرغب من السائحين في زيارته يذهبون إليه، الأمر الذى أثار غضب أصحاب الجمال والخيول، مؤكدين أن هذا القرار سيكون مُضرًا بمصدر رزقهم الذى لا يمتلكون غيره.
لعدة شهور متتالية ابتلع فيها الجميع صمته، وسكت أيضًا أصحاب الخيول والجمال عن الحديث ظنًا أن وزارة السياحة تناست القرار وغمرتهم حالة من السعادة، لكن لم يدُم الحُلم طويلًا وذلك بعد أن قطع فرحتهم قرار الدكتور يحيى راشد وزير السياحة الحالى بإجراء تطوير بمنطقة الأهرامات ورفع كفاءة المنطقة وإبعاد أصحاب الخيول خارج المنطقة.
فيما يقرب من 3200 جمال وخيال وبائع، يجهلون مصيرهم، حالة من الحزن ترتسم على وجوههم عندما أدركوا أن قرار «العنانى» سيتم تنفيذه، وإبعادهم عن المنطقة ليؤكدوا جميعهم فى آن واحد «مش هنخرج من المكان».
ـــ رئيس الرابطة:«احنا مش ضد التطوير بس عايزين ناكل عيش»
يهرول بخطواته في الصحراء بجانب الهرم الثانى حيث تقبع بعض الخيل والجمال، التى مُجرد أن تُبصره تنهض من مكانها وتهرول نحوه بحب وتُلثم وجهه.
الحاج رمضان فتحى، رئيس رابطة الخيول والجمال بالأهرامات، تربى بالصحراء، ونما وكبر فيها، كان يأخذه والده منذ صغره وسط الجمال والخيل، فوُلع بغرامهم، ولم يعد يستطيع أن يمتهن مهنة سواها، بعد أن ضحى بـ«أربعين عامًا» من عُمره وسط ترويض الخيل والجمال والجلوس بجانب الأهرامات .
قال رئيس رابطة الخيول والجمال بالأهرامات، إن قرار التطوير فى الأهرامات لم يُدركه إلا في وقت متأخر ساخرًا: «وزارة السياحة بياخدوا قرارات من راسهم ومفكروش فى أصحاب الشأن المهم إحنا هنعمل إيه».
وأكد فتحي، أن قرار تطوير الأهرامات جاء مُفاجئا للجميع، لم يعرفوا به، مضيفًا: «احنا اتولدنا لقينا نفسنا فى قلب الهرم، أبويا كان جمال وجدى كمان، المهنة دى توارثناها أبًا عن جد».
واسترسل عن خطة التطوير، قائلًا: «احنا 1500 واحد ما بين خيال وجمال وكاريتا غير البياعين، متوزعين على الهرم الأول والتانى والتالت والبانوراما وأبوالهول، عاوزين يطلعونا برا السور نبقى فى الصحراء يعني واللي عاوزنا من السياح يجيلنا طيب مين هيجيلنا هناك؟».
واردف: «تفاجأنا بلودرات وجرارات فيها بلاط ورمل ولقيناهم بيبلطوا من أول منفذ مينا هاوس، لحد (طريق الفيوم) وهيجيبوا طفطف ينقل السياح من أول ما ينزلوا ويوصلهم لحد الأهرامات وهما يلفوا فى المكان على رجليهم».
وتابع: «محدش فينا ضد التنظيم، ولكن دى قرارات عشوائية اتاخدت على أى أساس، فى 1500 واحد مسؤول عن أسرة هيصرفوا منين؟، إحنا مالناش معاش ولا تأمينات اجتماعية الجمل والخيل هو راس مالنا اللي بناكل من وراه».
الحاج «فتحى»، رئيس الرابطة لم يكن ضد قرار التطوير، ولكن بما يحفظ حقهم فى هذا «التطوير»، فطالب أصحاب القرار بأن يجلسوا معهم ويتوصلوا لحلول ترضى جميع الأطراف، ولكن –على حد قوله- الجميع يتجاهلهم ولم يضعوا باعتبارهم عند طردهم خارج المنطقة فمن سيأتى إلى صحرء خالية؟.
وعرض رئيس الرابطة بعضا من صور التراخيص، التى صدرت لهم منذ عام 1988 موثقة من المجلس الأعلى للآثار، والتى تمنحهم الحق في ممارسة مهنتهم من مدخل «مينا هاوس» حتى «البانوراما» وصولًا بالمنطقة الأثرية بـ«الهرم»، مؤكدًا أن من سيخطو نحوهم لإخراجهم سيواجهه بالقانون.
واستفاض: «احنا اللي بنحافظ على المنطقة الأثرية، ومن سنتين كان فيه قنبلة قدام الهرم التانى وإحنا اللي مسكنا الإرهابى وبلغنا الشرطة، ووقت ثورة يناير إحنا اللي كُنا بنحمى الأهرامات، منستحقش دا كله من الدولة».
واستكمل في غضب: «الجمل وسيلة ترفيهية بينما الطفطف وسيلة تنقل، كما أن السائح يأتى للأهرامات ليركب الجمل والخيل أولاً ثُم يدخل الأهرامات لأنها بالنسبة لهم قطعة من الهرم»، مستنكرا تصريحات الدكتور زاهى حواس بقوله إن الجمل بات يُلوث المنظر الحضارى للأهرامات ساخرًا: الجمل أصلًا مُرتبط أثريًا بالهرم.
ولفت مُمتعضًا أن حديث «حواس» عن تطوير المنطقة: «فى حلول كتيرة نقدر نعملها من غير ما نشرد الناس دى كلها، نعمل دورات تثقيفية لأصحاب الخيل والجمال ونعلمهم إزاى يتعاملوا مع السائح، دا غير إنه بيقول (روث) الجمال بيأثر على الأهرامات نجيبله بامبرز معندناش مشكلة مادام دا هيرضيهم ويسبونا بحالنا».
ـــ مرشد: «فوجئنا بالمعدات واللوادر والقرار ضربة للسياحة»
كان من المهم بمكان أخذ آراء السائحين أنفسهم باعتبارهم المستخدم الأول للحيوانات، قالت «فيرونكا» سائحة ارجنتينية، عن فكرة التطوير بالأهرامات «أنا أحب ركوب الخيل والجمال جدًا، ولكن وجودها لابد أن يكون بشكل منظم أكثر».
وأضافت: «لابد أن يكون هناك تنظيم وتأمين للسائحين أكثر، لأنه فى حالة وجود أعداد كبيرة يلحون كثيرًا على السائح مما يجعلهم ينفرون ركوبه وينفرون التعامل».
وفى نفس السياق، عقبت «كريستينا» سائحة أمريكية، عن فكرة التطوير: «أرى أن وجود طفطف أو الجمال أو الخيول غير مُحبب ولا يُظهر المنظر الحضارى للأهرامات، وأنا أحب ركوب الجمل والخيل جدًا».
وأشارت الى أن وجود الخيول والجمال فى منطقة الأهرامات يحتاج لكثير من التنظيم فقط ولكنها ضد إبعادهم خارج المنطقة.
من جهته، قال مينا سمير، مرشد سياحى إنهم تفاجأوا بالقرار، وشاهدوا المعدات تحمل البلاط وحاجات غريبة .
وتابع سمير: «السايح بيحب ركوب الخيل والجمل، واللف بيه لأن فى مناطق هتكون صعبة بالطفطف ومش هينفع السايح يلف على رجله وفى ناس بتكون كبيرة بالسن».
وفى نفس السياق، اعترض وليد عبدالعزيز مدير شركة سياحية، على قرار التطوير، منوهًا بأن هذا القرار سيضر بالسائح الأجنبى لأنه من ضمن البرنامج الذى تنسقه الشركة يشمل ركوب الخيل والجمال.
وأكد أن السائح الأجنبى يستمتع بركوب الخيل أو الجمال ويقوم بالتنزه بها داخل منطقة الأهرامات، ووجود طفطف داخل المنطقة لا يتناسب مع طبيعة صحراء الأهرامات، كما أن هناك سائحين مسنين يحتاجون لركوب وسيلة سهلة وتقوم بالتجول بهم داخل الأهرامات.
وتابع «عبدالعزيز» أنه ضد القرار، فليس هناك أزمة فى وجودهم مع وضع رقابة وتوحيد للأسعار للجميع حتى يتم ايقاف استغلال البعض منهم للسائح ولكن وجود طفطف ينقل السائح وإبعاد اصحاب الرابطة اعتقد أنه سيضر أكثر بجذب السياح ولن يكون له ناتج إيجابى، حسب قوله.
ـــ مدير آثار المنطقة: «مش هنقطع عيش حد وكله هيتراضى»
مع إثارة أزمة تشريد الخيالة تواصلت «أهل مصر» مع وزير السياحة ولكنه لم يُجب، وبالتواصل مع الدكتور عادل المصرى، رئيس هيئة تنشيط السياحة الداخلية، حول تأثير القرار على السياحة بمصر- نظرًا لامتعاض السياح إثر القرار- فأجاب مُنفعلًا: أنا مش عاوز اتكلم من فضلك.
وتابعناه بالسؤال لماذا ترفض الحديث؟ فرد بأن الأمر لا يعنيه، مضيفًا «إنت مش عارفة إنتى بتكلمى مين؟»، وتطرق للحديث لنقاط فرعية مثل إنتى شغالة بقالك كام سنة؟ روحى شوفى فيديوهاتى وحواراتى قبل ما تكلمينى.
وبسؤاله أيضًا أنه فى جهة مسؤولة عن تأثير هذا الوضع على السياحة فكيف لا يعنيك الأمر؟، أجاب «هذا الجزء يختص به المجلس الأعلى للآثار»، وتابع الحديث «أنا رافض التعقيب أنا حُر قبل أن ينهي المكالمة».
وعلى عكس الجميع يعتقد الدكتور أشرف محيى، مدير عام منطقة آثار الهرم، أن التطوير الذى يحدث بالأهرامات لن يضُر بأحد من أصحاب رابطة الخيول والجمال.
وأكد أشرف انهم بالتعاون مع وزارة السياحة والتضامن الاجتماعى، يقومون بإجراء حوار مجتمعى مع اصحاب الرابطة لتوضيح عملية نقلهم والتى لن تبعد عن منطقة الأهرامات.
ونفى النية لقطع أرزاق أصحاب الرابطة، منوها «سيتم نقلهم بجانب السور فى منطقة (التريض)، والتى لا تبعد عن المنطقة الاثرية»، موضحا أن أصحاب الجمال والخيل بات عددهم كبيرا جدا ويزيد باستمرار والأمر في حاجة إلى تنظيم.
وعلى اعتراض بعض المُرشدين السياحيين على نقلهم، قال مدير المنطقة إن المرشد السياحى من مصلحته أن يبقى الجمال داخل منطقة الهرم لأنه بمجرد ركوب السياح على إحدى الدواب، فيقوم بأخذ مبلغ من أصحاب الجمال.
وبشأن جدوى وجود الطفطف داخل الأهرامات، قال المسئول إن الطفطف يتحمل نقل سعة 20 ألف سائح يوميًا كما أنه صديق للبيئة ولا يلوث المنطقة كما يفعل «روث الجمال»، لافتًا إلى أن الطفطف سينقل السائح من منفذ الفيوم، ويتجول به عند كل نقطة، يريد الوقوف لديها ومن ثَم يخرج السائح ويأخذ جولته حول الهرم الأول أو الثانى أو الثالث أو البانوراما.
وأردف مدير منطقة الهرم أنه سيتم تخصيص زي رسمي لأصحاب الخيول والجمال، وتخصيص أماكن للبيع والشراء بجانب المنطقة الأثرية.
وأكد أنه بمجرد الانتهاء من المشروع، سيتم نقل أصحاب الرابطة إلى الأماكن المخصصة، وإلى أن يتم نقلهم سيتم إنشاء مائدة حوار مجتمعية كان اخرها منذُ ثلاثة أيامِ مع رئيس الرابطة لتوضيح الصورة عن التطوير.
واختتم حديثه مؤكدًا أنه لن يتم نقلهم إلا برضا الجميع، مؤكدًا أنه فى الربع الأول من العام الجاري سيتم الانتهاء من مشروع التطوير.
نقلا عن العدد الورقي.