تتعرض المباني الأثرية في الوقت الحالي لعدد من المخاطر، بعد أن صمدت لآلاف السنين تتحدى تقلبات الزمن، ما بين عوامل طبيعية ومناخية وإهمال بشري، والغريب إننا نرى سرعة تدهورها في الوقت ذاته نتغنى بأمجادنا، ونفتخر لما وصلنا إليه من تقدم وازدهار على مر العصور، ولا نلجأ إلى ضرورة التصدي لما تتعرض له بسبب التلف والإهمال، كي نحافظ على ما بقى من أهم العناصر التراثية الحضارية، من أيات الفن والهندسة المعمارية القديمة، والعمارة الإسلامية وغيرها، ولكونها أهم مصادر الدخل القومي، بما تمثله من عناصر جذب للسياحة. تستعرض "أهل مصر" نموذج أثري يتعرض لمخاطر بيئية وبشرية، ورغم أهميته التراثية والحضارية، إلا أنه يتم استغلاله في وقتنا الحالي أسوء استغلال. إنه سجن صلاح الدين الأيوبي الذي يوجد في اسطبل عنتر، بني على صخرة الزهراء وهي جزء من جبل المقطم بالقاهرة، يتصف بأن مساحته كبيرة، له أربعة أسوارعالية، وباب خشبي طويل، تحيط جدرانه مقالب الزبالة الناتجة من مخلفات البيوت القريبة منه، ويتم حرقها مما تسبب في ظهور الجدران باللون الأسود، ويعد المكان الأساسي الذي يلقي فيه سكان الجبل كل مخلفاتهم، كما يوجد بداخله مبنى مستطيلي مظلم بمدخل رئيسي عرضه حوالي متران، منقسم إلى عدة غرف مظلمة، يتسلل إليه بعض الضوء عن طريق شبابيك حديدية بداخله. يسكن الرجل الستيني محمد عبدالعظيم أمام السجن، فمن المعتاد أن يمر ما بين فترة وأخرى من أمام السجن لأنه أحد سكان اسطبل عنتر، يعيش في المنطقة منذ بداية نشأتها من أيام طفولته، ويتذكر كل شوارعها، قائلا:"صلاح الدين الأيوبي بنى السجن أيام الحرب ضد الإنجليز، في المقاومة المصرية، كان بيشيل فيه المدافع والذخيرة، وكان فيه زمان ممر من السجن للقلعة قبل ردمه،، كان الجيش يخرج يضرب الإنجليز من هناك ويرجع، والعساكر سكنوا فيها.. وفي عهد محمد علي كان مصنع للبارود، وبعده جمال عبد الناصراستقبل فيه الهجانه السودانيين". كما ذكر تواجد اثنين حراس من قبل هيئة الأثار، لحماية المبنى وعدم السماح للأهالي بدخوله، وفي تلك الفترة تم الحفظ عليه بقدر المستطاع على الأقل لم يتم استغلاله في شرب المخدرات، ولكن اختفى وجودهم منذ خمس سنوات تقريبًا، ولم يعد للمكان من يحميه من الهلاك. ومن حديثه عن حراس المكان تذكر"أم حيدر" المرأة العجوز، التي تواجدت في غرفة صغيرة مع أسرتها داخل أسوار السجن لحمايته والحفاظ عليه من المخاطر البشرية، بعد وفاة جوزها منذ أكثر من خمسين عامًا، قال عم محمد:"كانت عارفه قيمة الأثر إللي بتقوم بحراسته، وتمنع الأطفال الصغيرين من الدخول خوف عليهم ليتوهوا في المكان، ولما كبرت فالسن رجعت بلدها تاني أصلها كانت من السودان". يتملك البؤس حديث عم جابر الرجل الخمسيني الذي يذهب يوميًا إلى الفرن ليأتي ببعض أرغفة العيش لأولاده، وفي طريقه يرى السجن ورغم جهله بالمكان إلا أن حسرته تتجدد في كل مرة يراه فيها، فكلما مر من أمامه يتعجب من طريقة البناء لهذا السرح الكبير، فكل ما يعرفه أنه مبنى أثري ضخم تم إهماله من قبل الدولة، حيث قال عم جابر: "المبنى ده كبير أوي، مش عارف ليه الدولة متستغلش المكان ده بدل ما بقى وكر لتجار المخدرات، بيتبادلوا المخدرات والفلوس جواه، ومحدش بيقدر يعترضهم، ومع دخول الليل الشباب الضايع بيجي يضرب حقن".استكملت حديثه "عزيزة" المرأة الأربعينية:" المنطقة بتتهد عشان هينقلونا من أماكنا لأننا سكان عشوائيات، بيجوا الشباب ياخدوا كابلات الكهرباء يحرقوها جوه المبنى،عشان ياخدوا النحاس ويبعوه، يا خسارة دمروا حيطان الأثار بالحرايق". وأضافت: "أصبحت الجدران الأثرية تتحمل الكثيرمن العناء، فما من محافظة إلا وتحمل أرضها قصر وآثار، تحكى تاريخ المكان الموجودة به، ولكن لا تزال مصر تعاني من الإهمال الذي أصاب أغلب المواقع الأثرية، والتي تكتسب شهرة عالمية نتيجة تجاهل وزارة الأثار، وإغفالها لبعض الأماكن الأثرية المهمة نلاقاها في سبات عميق، ولم تستيقظ منه، ولا تأخذ أي أجراء لعدم تدمير القيمة التاريخية للآثار المصرية وتعرضها للأنهيار".