جولة جديدة قمنا بها لنكتشف سرًا جديدًا من أسرار دمياط التاريخية، ملحمة خاضها أهالى إحدى المدينة يسطرون خلالها تاريخهم الخاص، طردوا الرومان، واشتركوا فى الفتح الإسلامى، تصدوا لهجمات الغرب بكل قوة، راحوا وتركوا أثارهم تروى ما قاموا به، وتحكى تاريخهم المشرف.
جولتنا اليوم استهدفت قرية "شطا" تلك القرية التى تعد واحدة من أقدم المناطق بدمياط، عُرفت قديمًا باسم "ساتا" وتعنى مدينة المياه، نظرًا لما تمتاز به من هبات طبيعية إلى جانب اشتهارها بصناعة العزل والنسيج ونسج الحرير، بينما تم إطلاق اسم "شطا" إسوةً بالشيخ شطا بن الهاموك أحد أبطال دمياط.
بدأت جولتنا بزيارة إلى مسجد الشيخ شطا بالقرية، جدرانه البالية تسرد لك ما رأته خلال السنوات الماضية، "شقوق.. وتصدعات.. وجدران بالية" تحاول الصمود أمام تغيرات الزمن، أوجزت لنا قصة صمود أهالى القرية منذ عصر الرومان، بدأت قصة أهالي قرية "شطا" عندما ظهر بها الشاب "شطا بن الهاموك" هذا الفارس القبطي الذى انتمى إلى أحد القبائل العربية أنذاك، ولما لا ووالده "الهاموك" كان خال المقوقس حاكم مصر، حمل على عاتقه مهمة مقاومة الرومان فكان يشن الغارات مستهدفًا قوافلهم ليبدأ بعد ذلك فى توزيع الغنائم على أهالى البلدة.
جولات عديدة خاضها الشيخ "شطا" للدفاع عن مدينته، صمد ورفقائه أمام طغيان الروم لسنوات عديدة، حاولوا مرات عديدة فى قتله أو إلقاء القبض عليه ولكن حب الأهالي كان كفيلًا لحمايته من بطش الروم، ظلت قرية "ساتا" أو "شطا" تواجه الروم حتى جاء الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص، فما كان من الفارس القبطى إلا أنه انضم إلى جيوش المسلمين ليبدأ معارك أخرى ويشارك فى صناعة التاريخ. اعتنق "شطا" الإسلام وشارك مع المقداد ابن الأسود قائد جيوش المسلمين فى العديد من المعارك، استغل "شطا" صيته الذائع وشهرته الكبيرة وحب الناس فى تجميع الفرسان وانضمامهم لجيوش المسلمين حتى صار الفتح الإسلامي وهزيمة جيوش الروم. لم يقتصر دور "فارس دمياط" على هذا الأمر، بل شارك فى معارك أخرى مثل معركة البرلس، وأشموم طناح، والدميره، تلك المعارك التى كانت سببًا فى انتصار المسلمين وقتها. ظل الشيخ "شطا" أحد فرسان الجيوش الإسلامية حتى جاءت معركة تنيس فى عام 642 هجرية، بعد أن خرجت أهالي المدينة لتعلن عصيانها على المقداد بن الأسود، وفى تلك المعركة استشهد الشيخ شطا بعد أن قتل أكثر من 12 رجلا بالمعركة. كانت تلك رحلته تتلخص فى كونه محاربا يسعى دومًا لنصرة الحق، فشهد له الكثير بالعدل حتى صار قبلة الضعفاء بالمدينة لينتصر لهم. دفن جثمانه بوسط مدينة "شطا" ساتا قديما، حيث شيد على قبره مسجدا ظل باقيًا حتى الآن رغم الإهمال؛ ليصبح هذا المسجد هو ثانى المساجد التى شيدت بدمياط بعد مسجد عمرو بن العاص.يتكون المسجد من طابقين وبه ضريح الشيخ "شطا" كما أنه كان يحتوى على برديات تروى قصص وبطولات أهالي البلدة إلا أنها انتقلت بمعرفة هيئة الأثار إلى متاحف الدولة. ترك الشيخ شطا قريته ولكن ظلت سيرته، وبقى مسجده محاولا أن يخبرنا بقصته.