قررت الدائرة الثالثة فحص بالمحكمة الإدارية العليا، اليوم الأربعاء، برئاسة المستشار أحمد منصور نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين ناصر رضا عبد القادر والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائبي رئيس مجلس الدولة، فى طعنين بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من محافظ الشرقية ضد أحد المواطنين بمطالبته بمبلغ 120 جنيها والفوائد، كما قضت بإجماع الاَراء برفض طعن آخر مقام من محافظ شمال سيناء ضد أحد المواطنين بمطالبته بمبلغ 124 جنيها والفوائد.
وأكدت المحكمة، على أنه لا يجوز اتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستارا غير عاقل لتحقيق مصالح قليلة القيمة وأنه لا يليق بأن تستهلك المحافظة وقت الدولة الثمين لمبلغ تافه 120 جنيها وأمامه مسئوليات لحل مشكلات المواطنين لمواجهة تحديات العصر، وأن فكرة إساءة استعمال الحق ليست من دواعى الشفقة، وإنما لاعتبارات العدالة والتوازن بين الحق والواجب وأن مطالبة المحافظة لمواطن 120 جنيها غير جدير بالعرض على أعلى محكمة بالبلاد.
وقالت المحكمة، إنه من المقرر أن حق اللجوء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التى تثبت للكافة، إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الإنحراف به عما شرع له إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها، وذلك درءا لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستارا غير عاقل لتحقيق مصالح قليلة القيمة، أو لإلحاق الضرر بالغير، فيجمع بينهما ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابى بتعمد السعى إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبى بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه.
وأضافت المحكمة، أن القيمة التى تطالب بها محافظة الشرقية تنحصر فى نسبة 5% عن المبلغ المضى به والبالغ مقداره 120 جنيها مائة وعشرون جنيه فى عام واحد حتى تاريخ السداد وكذلك محافظة شمال سيناء تطالب بمبلغ 124 جنيها سنويا، وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يتسق مع ما بذلته الجهة الإدارية من جهد وإجراءات لا يساوى مداد ما كتبت به تلك القيمة، فلا يليق بأن تستهلك الجهة الإدارية وهى فى قمة السلم الإدارى للمحافظة وقت الدولة الثمين، من أجل الحصول على مبلغ 120جنيها سنويًا حتى السداد، بينما هناك مسئوليات جسام ومهام ثقيلة تتعلق بتحسين خدمات الصحة، والتعليم، والبيئة، والضمان الاجتماعى، والسياحة، والاقتصاد والتجارة، والمواصلات والبنية التحتية وتطوير أدائها وحل مشكلات المواطنين لمواجهة تحديات العصر ومجابهة الصعاب لتقصى أفق المستقبل برؤية ثاقبة، وتلك مسئوليات تفوق قيمة هذا المبلغ الذى أنفقت عليه الإدارة ما يفوق أضعاف قيمته من أجل الحصول عليه.
وأشارت المحكمة، إلى أن المحافظة تطالب بإلزام المطعون ضده بمبلغ 120 جنيها اعتبارا من 16 أبريل عام 1988 أى منذ ثلاثين عامًا، ثم لجوئها لمحكمة أول درجة عام 1998 وإقامتها الطعن الماثل فى 17 سبتمبر 2014 فأجتمعت فى المطالبة الماثلة تفاهة القيمة وإصرار الإدارة على المطالبة بها، رغم تبدل الزمان إعمالًا للقاعدة الأصولية التى تقضى بأنه "لا يُنْكَرُ تغيّرُ الأحكامِ بتغيُّرِ الأزمانِ".
واختتمت المحكمة، أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاه فى هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسرًا أو عسرًا، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعى الشفقة، وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب، وبهذه المثابة فإن ضاَلة قيمة المبلغ الذى تطالب به الجهة الإدارية المطعون ضده لا يكون جديرًا بالعرض على المحكمة الإدارية العليا التى تستوى على القمة فى محاكم مجلس الدولة لإرساء المبادئ القانونية فى المنازعات الإدارية، ويتعين الحكم بإجماع الاَراء برفض الطعنين.