في إحتفالية بدء الإنتاج المبكر لحقل "ظهر" لإنتاج الغاز بالبحر المتوسط ، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي " لولا ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لما تمت عملية البحث والتنقيب عن الغاز وثروات مصر".
لذا كشفت صحيفة تيرنتو التركية المعارضة بنستختها الإنجليزية أن مخاوف تركية من ترسيم حدود مصر مع قبرص ليست فقط بسبب ترسيم الحدود، حيث أن مصر و لتأمين ثرواتها تتبع استراتيجية تنفذها الحكومة المصرية تستهدف تقوية قدراتها من الجوانب الفنية والأمنية لتأمين ثرواتها و الاستفادة منها خاصة وسط صراع إقليمي علي الطاقة في المتوسط.
بالتأكيد هي نقلة إقتصادية نوعية للدولة المصرية ، فبعد أن كانت مصر تتحمل مليار و200 مليون دولار شهريا لشراء منتجات بترولية نتيجة لتوقف الإنتاج نتيجة لحالة الثورة التى كانت تمر بها مصر ، وفر إنتاج "ظهر" هذه التكلفة العالية علي الموازنة ، ذلك أن إنتاجه قادر علي سد احتياجات السوق المحلي بل ويكفي للإتجاه للتصدير .
ويقدر حجم إحتياطي حقل "ظهر" بحوالى 30 تريليون قدم مكعب غاز ما يعادل 5.4 مليار برميل زيت مكافئ، كما أن احتياطيات الحقل تمثل اكثر من 135% من الاحتياطى الحالى للزيت الخام فى مصر ، بالإضافة إلي ما يمثله من جذب استثمارات أجنبية لمصر تقدر بحوالى 12 مليار دولار تم انفاق 5 مليار منهم خلال المرحلة الأولى.
ويفوق هذا الإنتاج إحتياطي حقل"أفروديت" الذي تم اكتشافه في قبرص يناير 2011 ويقدر بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار ، لكن التعاون المشترك بين البلدين في الفترة الأخيرة يساهم في نقل إنتاج الحقل القبرصي لمصر لتسييله وإعادة تصديره.
التحالف الثلاثي الذي يرعب تركيا
واجهت مصر تحديات كبيرة للتتحول من دولة مستورده إلي دولة منتجه ومصدره في القريب العاجل في فترة زمنية قياسية ، هذه التحديات واجهتها باستراتجية استهدفت تعزيز التعاون مع دول جوار وعلي رأسها قبرص واليونان ، ومواجهة أطماع إقليمية من دول مثل تركيا ، وتطوير قدراتها العسكرية بتعزيز إمكانيات القوات البحرية المصرية .
وتوضيحا لتلك الاستراتيجية كان توجه مصر مع بداية فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي بأهمية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان في شرق المتوسط ، وكانت انعقاد أول قمة لقادة الدول الثلاثة في نوفمبر 2014 بالقاهرة ، لتتوالي إنعقادها حتي نسختها الخامسة في نوفمبر 2017 بالعاصمة القبرصية نيقوسيا.
وحقق هذا التعاون الكثير من المكاسب لعل أبرزها التعاون في مجال استكشاف الغاز والطاقة وتعزيز التعاون في النقل البحري والربط الكهربائي والتنسيق المشترك في مواجهة تحدي الإرهاب .
خطة تأمين الغاز المصري
نفذت مصر استراتجية لتثقيل قدرات القوات المسلحة وتحديدا البحرية المصرية لتأمين ثرواتها البحرية ، وخلال فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي حققت القوات المسلحة نقلة حقيقية في تطوير التسليح.
وفي سبيل تأمين ثروات مصر بالمتوسط ، انضمت العديد من الوحدات البحرية الحديثة والتي تتناسب مع التحديات الحالية والمستقبلية ولنضمن أيضا استمرار الدور الفعال للقوات البحرية المصرية في تأمين الثروات القوية للبحر داخل.
لعل أبرز ما تم ما ذكره الفريق أحمد خالد حسن قائد القوات البحرية المصرية ، بداية من حاملتى طائرات مروحية طراز المسترال " جمال عبدالناصر وأنور السادات " إضافة إلى الفرقاطة طراز فريم " تحيا مصر " وعدد من لنشات الصواريخ والغواصات التقليدية المتقدمة.
كما شمل أيضا التطوير في مجال البنية التحتية القوات والموانئ البحرية لتزيد من قدرة القوات البحرية على صيانة وبناء وتفعيل قدرات الوحدات البحرية المنضمة إلى البحرية المصرية لتصبح القوات البحرية المصرية على المستوى المنشود والمأمول من حيث الكفاءة القتالية والفنية التي تمكنها من تأمين المصالح الحيوية للدولة المصرية.
معركة في المتوسط
بعد نجاح نموذج التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان ، تسعي الدول الثلاثة لتعزيز هذا التعاون الإقليمي بتوسيعه وإضافة دول أخري ، وهذا التوجه تم طرحه في مباحثات القمة الثلاثية لقادة الدول الثلاثة بقبرص نوفمبر 2017 ، وعبر عنه رئيس الوزراء اليوناني إلكسيس تسيبراس في المؤتمر الصحفي المشترك وقتها عندما قال أنه "يرغب في توسيع التعاون الثلاثي بضم أطراف اخري ، خاصة في القمة السادسة التي ستعقد في اليونان ٢٠١٨".
لكن ما يدرسه الدول الثلاثة في واقع الأمر ، هو أن هناك اتجاه متفق عليه لتوسيع التحالف الثلاثي بضم دولة إيطاليا ليكون تحالفا رباعيا بالمتوسط ، وهو توجه عبر عنه أكثر من مسئول في مصر وقبرص وتحديدا من السفيرة المصرية بنيقوسيا مي طه ومن المستشار الإعلامي للرئيس القبرصي ميخاليس ميخائيل .
وستكون إيطاليا الأقرب للإنضمام للتعاون الثلاثي ، وقد تنتهي هذه الإجراءات قبل انعقاد القمة السادسة في اليونان خلال هذا العام ، خاصة وأن هناك تعاون مشترك بين الأطراف الأربعة بصفة خاصة في ملف الغاز ، حيث بدأت الشركات الإيطالية تدخل في السوق القبرصي وعلي رأسها شركة "إيني" مكتشفة حقل "ظهر" بمصر ، وفي نفس الوقت هناك مشروع إيطالي قبرصي يوناني لإنشاء خط انابيب لنقل الغاز لاوروبا.
لكن هذا الإتجاه يأتي بالتوازي مع تحركات من دول أخري ، كشف عنها ميخاليس ميخائيل المستشار الاعلامي للرئيس القبرصي ، حيث أن هناك اتجاه لتعميم فكرة التعاون الثلاثي بمنطقة شرق المتوسط بعد نجاح تجربة التعاون الثلاثي المصري اليوناني والقبرصي وبهدف استقرار منطقة شرق المتوسط.
وقال انه كانت هناك ترتيبات لعقد ثلاثة قمم مماثلة الاولي لقادة قبرص واليونان والأردن ، وايضا قمة ثلاثية تضم لبنان وقبرص واليونان وأخري مع اسرائيل ، ورغم أن هذه القمم كان مرتبا لها خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين ، إلا أن تطورات الأزمة السياسية في لبنان وتطورات أزمة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص القدس ديسمبر الماضي أرجأ تنفيذ هذه التحركات.
ليبقي وحسب تأكيد الجانب القبرصي نموذج التعاون مع مصر هو الأكثر صلابة وقوة وثباتا في ظل هذه التحديات والظروف.
انزعاج تركي
التعاون المصري مع دول شرق المتوسط ، كان مصدر انزعاج لتركيا ، ليس فقط في التلويح المستمر بدعم القضية القبرصية وإنهاء الإحتلال التركي لإحدي شطري الجزيرة القبرصية ، ولكن في مجالات التعاون المشتركة ، وبدي ذلك واضحا في بيانات الجزء المحتل من تركيا بعد القمة الثلاثية الأخيرة بنوقيسيا والذي يرفضون فيه قرارات وتوصيات القمة الثلاثية والتي كان أهمها دعم الدول الثلاثة للقضية القبرصية وانهاء الاحتلال التركي وفقا لقرارات الامم المتحدة .
ووسط هذا الترقب التركي ، جاءت التحركات التركية للاستفاده من ثروات الطاقة بالمتوسط ، حيث بادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة العاصمة اليونانية أثينا في النصف الأول من ديسمبر الماضي ، في أول زيارة لرئيس تركي لليونان منذ 65 عاما.
ورسم أردوغان خريطة التعاون مع أثينا وفقا لاتفاقية المجلس الاستراتيجي المشترك بهدف تحقيق الأمن والإستقرار وتعزيز التعاون الإقتصادي المشترك ، لكن يبقي الإحتلال التركي للجزء القبرصي وممارساتها بالمنطقة عائقا أمام توسيع تعاونها مع دول المتوسط.