أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية- أن معركة القوات المسلحة في سيناء الآن هي كفاح للشعب المصري بأكمله، مُمثَّلًا في القوات المسلحة والشرطة، وأنهما جزء لا ينفصل أبدًا عن الشعب المصري، وعندما نقول إن القوات المسلحة تكافح الإرهاب وتحاربه فإن الشعب المصري يكون محاربًا معهم في هذه المعركة الشريفة.
وأضاف فضيلته في حلقة برنامج "حوار المفتي" -الذي يُذاع أسبوعيًّا على قناة "أون لايف"- أن ما تقوم به قواتنا المسلحة في سيناء الآن هو بمنزلة عبور جديد كما عبرنا في حرب أكتوبر المجيدة نحو النصر، فهي معركة فاصلة وحاسمة في تاريخ الإرهاب، والله سبحانه وتعالى قد قدَّر أن أهل الحق سينتصرون، يقول تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
وأشار إلى أنه لا ريب أن جنودنا البواسل يخوضون حربًا شريفة ضد أعداء الإنسانية والأديان وأعداء الأوطان، فهم يحاربون كلَّ أعداء الحق، فيدافعون بذلك عن العرض والأرض والأوطان والأديان، ويحمون مقدرات دولة عظيمة مثل مصر إذا اهتزت اهتزت بلدان كثيرة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الدفاع عن هذا الوطن هو أمر واجب وجوبًا شرعيًّا ووطنيًّا، والإلزام به فيه كل المعاني الشريفة والنبيلة، وهو شرف ملقًى على عاتق قواتنا المسلحة، بل على عاتق كل مصري شريف يدافع عن وطنه.
ولفت إلى أن ما تقوم به القوات المسلحة من الواجبات الشرعية إنما تقوم به لأنها تحمي الوطن والنفس الإنسانية، والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، فإعداد العدة والتقدم والرقي في كل المجالات أمر حثَّ عليه الشرع ليكون لدينا قوة رادعة، مؤكدًا أن الشعب المصري لن ينسى تضحيات جنودنا البواسلـ وأنهم في قلب كل مصري.
وقال فضيلة المفتي: "لسنا مع تسييس الفتوى، ولم تكن الفتوى كذلك يومًا من الأيام، وهناك رسالات علمية للدكتوراه في عدد من الجامعات المعتبرة أكَّدت أن دار الإفتاء المصرية مشت على خطٍّ واحد مستقيم، وأنها تبتعد تمامًا عن تسييس الفتوى، ولكننا أمام مقاصد للشريعة الإسلامية نريد أن نزكي معنًى في قلوب الناس بأن ما تقوم به قواتنا المسلحة وقوات الأمن إنما هو من قبيل المحافظة على المقاصد الشرعية الكلية التي كفلتها الشريعة الإسلامية".
وأضاف أنه لا بد أن نقف ضد كل من يحاول تخريب وطننا على كافة المستويات وقفة حقيقية، فالجيش والشرطة انتفضا ضد هذه المجموعات الإرهابية، ولكن هناك انتفاضة أخرى في دواخلنا وفي مجالاتنا المتعددة، فلا بد أن نُحدِث تغييرًا حقيقيًّا في مجال المكافحة الفكرية والإعلامية والتربوية، وأن نُوجد برامج حقيقية وخطة شاملة لكي نواجه الإرهاب والفساد الذي أحدثه هؤلاء.
ووجَّه مفتي الجمهورية رسالةً إلى جنودنا البواسل قال فيها: "أقول للجندي المصري الذي يخوض هذه المعركة الشريفة أيًّا كانت رتبته: أنت على الحق، ولست وحدك في الميدان، ونحن من خلفك جنودًا في أماكننا نكافح ضد هذا الإرهاب كلٌّ في مجاله. فدافع عن وطنك وعن بلدك، فإنك مأجور إن قتلتهم، وإن قدَّر الله لك الشهادة فأنت في درجة عالية مع الأنبياء والصديقين".
وأشار فضيلته إلى أن وسائل الإعلام يقع عليها دور كبير في هذه الحرب، فالإعلامي جندي في مجاله يكافح ويصحح ويُحدث تنويرًا للناس وتبصيرًا بالأمور، وكذلك عالم الدين والمؤسسات الدينية تصحح المفاهيم وتوجد الوقاية الحقيقية ضد هذه الأفكار المتطرفة حتى لا ينساق إليها الشباب أو يغرر به.
وأكد أن كلَّ عمل يقدَّم من أجل رفعة الوطن ما دام متقنًا يكون صاحبه مدافعًا عن وطنه ضد الإرهاب، ويدخل صاحبه في إطار الآية الشريفة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
وأوضح فضيلته أن هذه الآية ليست خاصةً بالقتال فقط ولكن بالجهاد العام من أجل بناء الوطن، كلٌّ يعمل في مجاله، فالتقدم والبحث العلمي والبرامج التي تعنى بتربية الإنسان وبنائه تدخل في هذه الآية، ونكون حينها نعدُّ القوة التي تمنع أن يفكر أحد في الاعتداء على وطننا الحبيب.
وأشار إلى أنه لا بد أن نسير في كل الاتجاهات وبشكل متوازٍ، فلا بد من كفاح كل ما يهدد وطننا وأمننا وفكرنا ومسائلنا الاجتماعية بأن نؤسس البناء أولًا وفي ذات الوقت ندفع التهديد، فكما يقال يد تبني ويد تحمل السلاح للدفاع عن الوطن.
وأوضح مفتي الجمهورية أن التنمية لا يمكن أن تقوم في ظل الإرهاب، فإذا أردنا أن نبني بلدنا بناءً حقيقيًّا فلا بد أن يكون هناك استقرار.
وشدد مفتي الجمهورية على أن من يدعم أو يمول أو يؤيد من يتجرأ على الأوطان ويحارب ويقتل ويهجر ويبدد ويدمر يستوي في جرمه معهم، وكذلك من يفتون لهم باجتزاء النصوص الشرعية وليِّ عنقها ويوظفونها وَفق ما يحقق أغراضهم الإجرامية الدنيئة، فهؤلاء من خلفهم أجندات مختلفة تمولهم.
وأضاف: درسنا في دار الإفتاء المصرية كلَّ الشبهات التي يستند إليها المتطرفون، وقمنا بالرد عليها وتفنيدها وبيَّنا فهمهم الخاطئ والمنحرف للنصوص الشرعية وأقوال الفقهاء.
وأشار إلى أنه لا بد من التعامل بطرق متوازية بأن نحصِّن الشباب من الأفكار المتطرفة ببيان الصواب والحق، وبطرق جديدة نستطيع عن طريقها الوصول إلى الشباب خاصة عبر الفضاء الإلكتروني، ونتبع سياسة الإغراق بالمعلومات الصحيحة.
وقال فضيلته: إن التطرف جرثومة ومرض ونحن نعالج جسد الوطن من هذا الورم السرطاني عبر اجتثاثه من جذوره.
وأكد فضيلة المفتي على أنه يجب أن تواجه الشائعات التي تثار في مثل هذه الأوقات الفاصلة في تاريخ الوطن، عبر التبصر، وأن يحكِّم الإنسان عقله عند تلقي أي معلومة، ولا بد من التثبت، وألا ننقل المعلومات نقلًا عشوائيًّا، فهي حرب لا تقل خطورة عن الحرب التي يخوضها جيشنا، وعلينا أن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].