اعلان

كلماتها تُزَلزل حصون العدو ولحنها يُرعب الأعداء.. تاريخ الأغنية الوطنية من "ربابة وردة" حتى "قالوا إيه علينا" للشهيد المنسى

كانت المعارك التى مرت على مصرنا الحبيبة، كثيرة ومنهكة فى تفاصيلها، أحداث حركت مشاعر كل المصريين كبيرهم وصغيرهم، من يقرأ منهم ومن لم يقرأ، النساء والأطفال والفلاحين والمثقفين، كانت أيامًا تغمرها البسمة والنشاط والسرور والمسئولية، وحدت الأغنية كل هؤلاء على حب الوطن، إلى الحد الذى توقفت فيه كل أنواع الجرائم، وقدم شعراء عدة، قصائد وأشعار، طاف كل حدود العقل والحماسة فى مواجهة العدو، لأن الأغنية الوطنية الصادقة لا تكتب بتكليف أو بأمر من أحد، وجدنا كل الشعراء المعروفين وغير المعروفين والمطربين والمطربات والملحنين رأيناهم قد سارعوا إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون واتخذوه مسكنًا لهم فى تلك الأيام، حتى يتمكنوا من تسجيل أغانيهم الملتهبة والتى تشع حماس لمواجهة الأحداث التى تمر بها البلاد."اللى يقلل من قيمتي.. واللى يقلل عزيمتي، يحرم عليه صباحي"، لم تكن الطائرة بأصواتها المرتفعة، وحدها التى كانت ترهب نفوس العدو، النفس القادم من بعيد بصوت العزم وروح البقاء، يتسلل فوق غصون الشقوق وسط الجبال العتية، ليرمي بصداه تلك الوجوه الغابرة، التى تلهب مشاعر الطمأنينة وتكسر حدود اليأس.

"وأنا ع الربابة بغني، غنوة الحرية"، قول معايا يا شعب، هكذا تغنت وردة بصوتها الصريح، ومشاعرها الجياشة تجاه تلك الفترة التى كانت داعمة من كل البلدان العربية، لمواجهة العدو وحصونها المنيعة التى انهارت بفعل الصوت وقوة اهتزازه، فى مشهد من الصباح الباكر المشمس، قام الجندي المصرى بإبهار العالم عندما خطى بأنامله البسطية، فوق الجبال والصخور وهو يردد " الله اكبر " كان الإلهام وحده يقودهم نحو الأمان، فمن منا لم يرى ذلك المشهد، وحاوطت فى مخيلته وعقله الباطن، تلك البطولة التى ينضخ الإدرينالين فى عقله، ويحاول جاهدًا أن يمر بسلالم بيته مندفعًا نحو العدو فى مشهد من أحلام اليقظة، فيصطدم بجار المنزل فى مشهد ضاحك، وهو يردد "تعيشي يا مصر.. تعيشي يا مصر".

إذًا كان لدور الأغنية الوطنية في حشد نفوس المواطن معنويًا، أثر كبير، لم يقف فقط عند ترديدها لكنه وثقها فى جميع مناسباته البسيطة والانتصارات التى تلت تلك الفترات الصعبة، فالمعروف لدى الجميع أن المصري يتغلب على كل مواقفه بالحب، والضحك، والحماس الذي يظهر جليًا، والسخرية من العدو، حتى يتمكن من إنهزامه.فى فترة حكم الإنجليز، كانت الأغنية أحد مسببات الانزعاج، فعندما كان يخرج الطلبة والطالبات، يلتفون حول الكمائن التى كانت تنتشر فى كل أوساط القاهرة وتحديدًا فى قاهرة المعز، مرددين فى طابور ودوائر ملتفة "يا عزيز يا عزيز.. كوبة تاخد الانجليز".أيضًا.. قام سيد درويش، بصوته الشجي الذي كانت يردد فى اسطوانته العنقودية الملفوفة، بكلمات قد اخترقت حدود العدو، أقوى من الرصاص، والنابلم الذي كان يدك البيوت فى شوارع الاسكندرية والقاهرة، فقام بإنشاد "قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك".

يذكر أن أحد معلمين الإسكندرية، كان يقف على ناصية إحدى الأحياء الشعبية، فقام أحد جنود الاحتلال بخبطه بالبندقية التى في يده، فظل الرجل واقفًا على قدمه، حينما سمع بصيص الاغنية التى تأتي مسمعها فى المقهي المجاور، والتى كانت تذاع لأول مرة، بلادي بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي، فأخذ البندقية من العسكري، وضربه بها، فقامت يومها الدنيا وثار الناس فى الشوارع مرددين تلك الأغنية الحماسية، التى مهما مر على زمنها الكثير، إلا إنها ستظل روح الفخر والأمل والبعث.قبل بدء حرب الانتصار، والخروج من الهزيمة، كانت الأغنية تقطع الشك فى طياته، هنحارب هنحارب، المواطنين ظلوا نائمين متمنين الحرب الآن قبل أى وقت، وفى ميدان الإسماعيلية قبل تغيير اسمه "للتحرير"، ظلوا نائمين مرددين "هنحارب.. هنحارب"، ظهر الرجل البسيط بعوده، وبعكازه وسط الزحمة ورفع يده، قال بصوته العالي.. حاحا حاحا على بقرة حاحا النطاحة، كان الإلهام بالحماسة حول مصير اللحظة الفارقة، ظل متوهجًا فى صدورهم، كلما مرت على مسامعهم وأبصارهم، يرددون "هنحارب.. هنحارب"، قامت الحرب وانتصرت إرادة الشعب وانتصرت الأغنية عندما أنشدها.. عاش اللى قال.. الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب.

قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه منسي بقي اسمه الأسطورة، من أسوان‏.. للمعمورة، قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه شبراوي وحسنين عرسان‏.. قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان".. طلت على مسامعنا، هتافات كان بطلها أحد الشهداء الذين استشهدوا على يد الإرهاب الغادر والعيون الكاحلة، والوشوش العكرة.تحولت هذه الكلمات من مجرد هتاف يردده أبطال الصاعقة المصرية إلى نشيد وطني، يردده من من سمعه أو مر على أذنه، انتشرت الكلمات، فى رسالة واضحة وصريحة، يا جبل ما يهزك الريح، وانتشرت النار في الهشيم، ودمرت كل حصون العدو بصداها الذي مر بحدود بلدان العالم أجمع.

بدأت تتردد فى المدارس والمصانع والمستشفيات، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وكأن الأغنية هي الشعلة التى تمر بقلوب المحبين لبلدنا لتخترق خطوط العدو، فى مشهد اهتزاز الصورة وتشويشها وإرباك تحركاتها، سمعنا أصواتنا تردد لتبعث برسالة زائفة، إلا رسالة المحاربين البواسل فى سيناء الحبيبة، فى مواجهة طغيان الظلم، سننتصر بفضل الله وبعزيمتهم القوية، وبروحهم التى تمر بأنينها على كل الشامتين والمتحفزين ضد الوطن.

كما ضحى الكثير، من شهدائنا البواسل، الذين قدموا أنفسهم، وصمدوا أمام النار فى سبيل الأمان، لكل جموع المصريين في شوارعنا البسيطة، لكن تظل تخليد الذكرى كما قال منير فى إحدي أغانيه:" أحزن أغني.. أفرح أغني"، هكذا هم المصريين حتي عمالهم البسطاء، وهم يحملون القصعة بتقلها والشمس فوق رؤوسهم، هيلا هيلا شد حيلك يا اخينا، ده النهار طالع يا دوب، والرزق بيدق، اصحي يا عامل مصر يا مجدع.

استطاع الفن والغناء، أن يبلور شعور الوطنية وبصيص الأمل داخل نفوس المصريين، التي جسدت ملحمة وطنية وتاريخية، تنتشر تلك الأغاني الوطنيةـ فتنصت إليها الأذان في حالة من الحس الوطني، الذي تقشعر له الأبدان، فتشعل جذوة الحماس والتضحية والصفاء، وتستنفر ما فيها من مكنون الطاقة من أجل ملح هذه الأرض، ضد كل حصون العدو، وضد كل إرهابي يحاول أن يمس حدود الوطن.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً