مرت أشهر وجسد الشهيد أحمد صابر المنسي يتوارى أسفل حبات التراب الجافة، تاركًا رائحته تعبث بحرية بين ثنايا ذاكرة المصريين، الذين لم يتهاون صغيرهم أو كبيرهم، عن ترك صورة "منسي" تضيع في فوضى العقل المحمل بتفاصيل ملايين المواقف، فالدعاء أن يسكنه الله فسيح جناته لم يختفي يومًا من صفحات "فيس بوك"، أما بطولاته فتحولت إلى قصة أسطورية تظهر سطورها في وسائل الإعلام، يومًا تلو الآخر.حصل أهل مصر، على صور خاصة مقتطفة من حياته، منذ طفولته، وعند التحاقه بالكلية الحربية، وكذلك بين أبناءه وأقاربه، ووقت تدريباته وسط الجنود. في ذكرى "يوم الشهيد"، الموافق التاسع من مارس من كل عام، يبرز "أهل مصر" بطولات الشهيد الذي لقبه الإرهابيون بـ"الطاغوت الأكبر".في صباح السابع من يوليو الماضي، دارت معركة شرسة بين العقيد أركان حرب، أحمد صابر المنسي قائد الكتيبة "103" صاعقة، برفح في شمال سيناء وجنوده، وبين العناصر الإرهابية، لكن هذه المرة، لم تكن كغيرها من المعارك التي خاضها "المنسي" وكانت حديثًا مثمرًا بالجلسات العائلية التي اعتاد حضورها، للشعور بدفئ الحياة الأسرية، لقد كانت آخر لحظاته في الدنيا، بعد أن أصابته رصاصة طائشة من الإرهابيين، كانت سببًا في تخليد ذكراه بقائمة شهداء الوطن.لم يقل حزن "منار" زوجة الشهيد "المنسي"، على فقدان من كان لها أمانًا في الحياة، عن حزن والدها "سليم" بفقدان زوج ابنته، الذي كان يعتبره ابنًا من أبنائه.. مرت الأيام كالبرق على آخر لقاء جمع بينهم، لكن التفاصيل لم يمحوها عمر "سليم" الذي اقترب من الشيخوخة. فقال لـ"أهل مصر": "منسي خسارة كبيرة، فهو إنسان لا يوجد له شبيه ولا يمكن تعويضه".منذ عام 2013، والشهيد "منسي" يفشل خطط الإرهابيين في استهداف الأبرياء في سيناء، فأطلقت عليه العناصر الإرهابية "الطاغوت الأكبر"، ويوضح والد زوجة الشهيد تفاصيل ذلك اللقب، قائلًا: "أحمد وراهم المر، أحياء وأموات.. فكلهم هناك كانوا عايزين ينتقموا منه عشان قتل منهم كتير وعمل نجاحات كبيرة أوي.. ومن هنا بقي فكروا إنه بقي خطر عليهم ولازم ينتقموا منه".خاض الشهيد "المنسي" تدريبات قاسية، منها التحاقه بفرقة "سيل" الأمريكية (الضفادع البشرية) بعد شهر ونص من دخول قفص الزوجية.. "أحمد متكلف ومصروف عليه جامد" هكذا علق والد زوجة الشهيد على قدرات الشهيد الخاصة في القتال والدفاع عن الوطن، متابعًا: "الفرقة يفوز بها واحد أو اثنين في الجيش سنويًا".كانت فرقة "سيل" قادرة على ترك ملامحها القاسية على جسد الشهيد "منسي"، فقال "سليم": "أحمد تعب منها جدًا من الفرقة، لدرجة أن لما رجع مصر.. ضوافره كانت متكسرة كلها وشكله كان صعب جدًا، بس كان مبسوط إنه أخد خبرة في مجال زي ده وهيفيد مصر بيها".في السابع والعشرين، من أكتوبر الماضي، كانت انقضت 3 أشهر، على فقدان "علياء" والدها الشهيد "منسي"، فتروي زوجة الشهيد شعور صغيرتها بعد استشهاد والدها: "علياء عذبتني من كتر السؤال على باباها علشان كان بيحبها وكانت دلوعة البيت.. هي دلوقتي عارفة إن باباها بيبنلها بيت في الجنة وهتروحله".في اللحظة التي أعلنت القوات المسلحة العملية الشاملة "سيناء2018"، ظهرت منار سليم، زوجة الشهيد المنسي، في مداخلة هاتفية، لبرنامج "صباح دريم"، تحيى جهود حماة الوطن.. أنفاسها هادئة، صوتها يضاهي عاشقة فقدت حبيبها ليلة الزفاف، لكنه لم يخلو من فرحة شهية. قلبي برد من النار اللي كانت جواه.. هكذا تحدثت.هَجَر الشهيد "المنسي" الدنيا تاركًا طفلته علياء، التي لازالت تداعبها الحياة في سنوات عمرها الـ4، وصغيره حمزة، الذي نافس شموخه سنوات عمره الـ9، فانتصر عليها، وقاد عقله الذي يشبه جسده الصغير إلى متابعة عمليات الجيش في حفظ مصر من الإرهاب، متيقننًا أن عملية سيناء 2018، هي ثأر والده- حسبما وصفت زوجة الشهيد.في كل المعارك التي خاضها، الشهيد أحمد المنسي، دفاعًا عن سيناء، كان متمنيًا الشهادة، فيقول صديقه أحمد جوهر لـ"أهل مصر": "الشهادة في سبيل الوطن كانت أمنية حياته، وبالأخص أن يستشهد في سيناء".لم تكن العملية الإرهابية، التي لقب فيها "المنسي" بالشهيد، مجرد عملية لعناصر ترغب في نشر الرعب والإرهاب، بل كانت عملية استهداف للشهيد، حسبما وصفها محمد نيازي، ابن عمة الشهيد "المنسي" خلال حديثه إلى "أهل مصر".
كتب : منار محمد