قضت المحكمة الدستورية العليا، في جلستها المنعقدة، اليوم السبت، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، برفض الدعوى التي أقيمت طعنا بعدم دستورية نصى المادتين 402 و403 من قانون الإجراءات الجنائية، فيما تضمناه من قصر حق استئناف الحكم الجنائى على المتهم والنيابة العامة فقط دون المدعى بالحق المدنى.
وأكدت المحكمة، في أسباب حكمها، أن النصين المطعون فيهما إذ قصرا الحق فى الطعن على الشق الجنائى فى الدعوى الجنائية على النيابة العامة والمتهم دون المدعى بالحقوق المدنية في الدعوى المدنية، يكونا قد أعملا سلطته التقديرية والتزما الحدود والمعالم التى حددها الدستور لسلطة الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الجنائية.
وذكرت المحكمة أن الدستور فى مقام تنظيم الخصومة الجنائية، وحرصا منه على إيلاء أمر الدعوى الجنائية إلى جهة محايدة تتمتع بالحيدة والنزاهة تقوم عليها وتنوب عن المجتمع بأثره فى ذلك، فقد عهد بموجب نص المادة 189 منه إلى النيابة العامة، وهى شعبة أصيلة من شعب جهة القضاء العادى تتمتع بالاستقلال والحيدة، بتولى التحقيق فى الدعوى الجنائية وتقوم بتحريكها ومباشرتها أمام المحاكم الجنائية المختصة باعتبارها صاحبة الولاية العامة فى مباشرة ذلك نيابة عن المجتمع.
وأضافت المحكمة أن الدستور راعى في ذلك أن الضرر الواقع من الجريمة لا يخص المضرور المباشر منها فحسب؛ وإنما يقع أثره على المجتمع بأثره، فيقوض الشعور العام بالعدالة ويوهن من الثقة العامة فى نجاعة النظام الجنائى فيه، فشاء بذلك ألا يكون لسطوة الجاني مهابة تحول دون بلوغ العدالة الجنائية غايتها الاجتماعية، وتقعد المجنى عليه عن مباشرة دعواه الجنائية مخافة إيقاع الجانى به ضررا أبلغ إذا ما مضى فى طلب توقيع الجزاء عليه.
وأشارت المحكمة إلى أن توسيد الأمر إلى النيابة العامة على ما تتمتع به من حيدة واستقلال يتيح لها وزن وتقدير الدليل لصالح القانون طلبا للعدالة وتحريا للصالح العام، وتحديد مسار الدعوى الجنائية أمام جهة القضاء، تحريكا ومباشرة، مما من شأنه أن يحول دون تعريض المتهم لصنوف المكايدة فى مجال الخصومة الجنائية من خصوم وجدوا فى سبل الطعن المقررة فى القانون وسائل لإرضاء ضغائنهم وتهديدا لخصومهم بإطالة أمد التقاضى فى الدعوى الجنائية ضدهم من غير مبرر، وتعريضهم للابتزاز والمساومات غير المنصفة.
وأوضحت المحكمة أن إيلاء الأمر إلى النيابة العامة من شأنه تجنب هذه المضرة بشقيها، وضبط مسار الدعوى الجنائية تحت إشراف مؤسسة محايدة ومنصفة ترد بأس المعتدى الظالم ولا تخش تهديده حتى توقع العقوبة عليه، وتأخذ الحق العام منه وتحول دون تغول الأخصام على المتهم البرئ نكاية حتى تدفع الضرر عنه.
وأضافت المحكمة أن التنظيم، الذى استهدف به المشرع الدستورى تحقيق التوازن بين حق النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائي وبين الحق الخاص للمدعى بالحقوق المدنية المضرور من الجريمة فى تحريك تلك الدعوى، فى حالة امتناع النيابة العامة عن مباشرة الدعوى الجنائية دون مقتضٍ وتحقيقا للمصلحة العامة، إلا أن تخويل المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق فى بعض الجرائم يقف عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية طلبا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التى أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقا لنص المادة 189 منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، والتى يدخل فيها بصفته مضرورا من الجريمة التى وقعت، طالبا بتعويضه مدنيا عن الضرر الذى لحق به، فدعواه مدنية بحتة لا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها.
وأكدت المحكمة أن المشرع فى مقام تنظيم الخصومة القضائية فى الدعوى الجنائية قد أجاز استثناء فى الجنح للمضرور من الجريمة - تقديرا منه لضآلة العقوبة الجنائية المقررة لها - أن يقيم نفسه مدعيا بالحقوق المدنية، وأن يحرك الدعوى الجنائية بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح المختصة طبقا لنصى المادتين 232 و251 من قانون الإجراءات الجنائية، وخوله الطعن على الحكم الصادر فى الشق المدنى في حال لم يصادف الحكم قبوله عملا بنص المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية.
وأشارت المحكمة إلى أن القانون لم يجز له الطعن على الحكم الجنائى، الذى يصدر على المتهم من المحكمة الجزئية فى مواد الجنح، ليقتصر حقه فى الطعن على الشق المدنى وحده، وتستأثر النيابة العامة وحدها بسلطة مباشرة الدعوى الجنائية فى مرحلة الطعن على الحكم الصادر فيها بحسبانها صاحبة الدعوى الجنائية، ومن ثم فإن حرمان المشرع للمضرور من الجريمة من إمكانية الطعن على الشق الجنائى فى الحكم الصادر من المحكمة الجزئية فى مواد الجنح، يكون قد جاء متسقا مع ما رسمه الدستور لمعالم تحديد اختصاص النيابة العامة فى تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية.
ولفتت المحكمة إلى أن الدستور وسد للأصيل (النيابة) إلى جانب المتهم حق الطعن على الحكم الجنائى الصادر فى الدعوى الجنائية حال انتفاء موجب الاستثناء من ذلك الحكم، ولم يحل بين المضرور من الجريمة وبين مباشرة حقه فيها بسطا لأدلته عليها إيرادا وردا وتعقيبا، ولم يسلبه حقه فى الطعن على ما عسى أن يصدر فيها من المحكمة الجزئية فى مواد الجنح من حكم فى الدعوى المدنية، متى كان ينال من حقه فيها.