هي مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معني، أقل ما توصف به حالة «شهاب» ذاك الشاب الذي انطفأت شمعته منذ أن كان تلميذا وهو في بداية الطريق، يخطو خطواته الأولى في طريق النجاح.. نتيجة ما تعرض له من إهمال داخل مستشفي جمال عبد الناصر بالإسكندرية وجريمة كفيلة بإقالة حكومات في البلدان التي تحترم مواطنيها وطبعا هذا لن يحدث عندنا.
14 سنة علي فراش المرض، يرقد «شهاب محمد أحمد»، في العقد الثالث من عمره، مغطى بفرش يُداري مالحق به، من فقدان القدرة علي الحركة وقرحة فراش» توغلت في جسده، وما خفي كان أعظم، ورافقته طيلة هذه المدة والدته التي كرّست حياتها لتعتني به وترعاه داخل المستشفي تاركة خلفها منزلها وزوجها وبقية أولادها، ضاربة أروع الأمثلة عن الأمومة.
«كرّست حياتي لابني شهاب ودخلت المستشفي وأنا صغيرة في السن لم اتجاوز 40 عاما وخرجت امرأة عجوز، وتركت 5 أولاد غيره في المنزل دون رعاية من أجله.. كان أصغرهم سنا طالبا في الصف الثاني الابتدائي حينما تركتهم، وعندما خرجت من المستشفي كان قد تخرج من الكلية منذ 4 سنوات، كما انهت جميع شقيقاته الأربعة تعليمهم أيضا» هذه كانت كلمات «سعدية حسين عبد الرازق» والدة الشاب المريض، مؤكدة أن ما حدث لنجلها أمر لم يحدث من قبل في مصر أو أي دولة في العالم.
وبدأت الأم المكلومة تروي لـ«أهل مصر» تفاصيل اللحظات المأساوية التي مرت بها ونجلها طيلة السنوات الماضية، تقول إن بداية المأساة عندما كان نجلها شهاب طالبا في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة الجيل الجديد بالإسكندرية، كان يعاني من عيب خُلقي في قدمه وكان الأطباء طلبوا جلوسه علي كرسي متحرك حتي لا تتعرض قدمه للكسر، وأثناء حصة الألعاب ولهو زملاءه من الطلاب قاموا بالضغط علي الكرسي المتحرك من الخلف ما أدي لقفز نجلها من فوق الكرسي لمسافة 6 أمتار علي الأرض مما تسبب في إصابته بخلع في مفصل الحوض الأيمن، وذلك تحديدا في عام 2001.
وأضافت الأم، أنها ذهبت بنجلها إلي مستشفي الطلبة ثم قررت الهيئة العامة للتأمين الصحي نقله إلي معهد ناصر بالقاهرة لإجراء عملية يتم فيها تركيب «شريحة ومسامير» وذلك في نفس العام، مضيفة أنه أجري تحاليل وأشعة ولم يتم إجراء العملية له إلا في عام 2002 بعد أن ظل يعاني نجلها من شدة الألم، حيث أرسلوا لها بأن تُحضره إلي المعهد لإجراء العملية، وبعد إجراء العملية وتم "فك الجبس" لنجلها، اكتشفت أثناء عودتها في طريقها إلي منزلها، بأنه يوجد اعوجاج في ساق نجلها فعادت به مرة أخري إلى المستشفي فقالوا، بأنه سيتم إجراء عملية أخري له لتركيب «بوصة» في الحوض، وكان ذلك في عام 2003، إلا أنهم لم يفعلوا شئ، بحسب قولها.
وتابعت «سعدية»، أنها أثناء عودتها من المعهد بعد إجراء العملية الثانية اكتشفت أن التقرير الطبي مكتوب فيه بأنه "قد تم فك الجبس" علي الرغم من أنه لم يتم تركيب جبس لنجلها، فعادت إلي المعهد مرة أخري لمعرفة ما الأمر فكان الرد عليها من الأطباء «ابعتي شكاوي»، فعلمت أن هناك شئ ما قد حدث، «قولت له الطفل بقاله سنتين لا يوجد فيه جبس فكيف تم حله!! قالولي هيتم تركيب بوصة في الحوض ولم يفعلوا شئ وفكوا الشريحة فقط وقالولي مع السلامة».
وأضافت أنها عادت إلي هيئة التأمين الصحي بمنطقة ستانلي بالإسكندرية فتم تحويل «شهاب» إلى مستشفي جمال عبد الناصر، وتم تشكيل لجنة عظام بمشاركة أساتذة من مستشفي ناريمان للعظام وقررت اللجنة أنه يحتاج إلي «علاج طبيعي»، موضحة أنها دخلت المستشفي في 15 مايو 2013 لعمل علاج طبيعي لنجلها، إلا أنه تم إهماله داخل المستشفي دون علاج حتي أصيب بـ«قرحة فراش وجلطة»، وكلما اشتكت من إهمال نجلها دون رعاية أوعلاج هاجمها أطباء المستشفي، «ابني جاتله جلطة في الرئة وكان هيموت وبعدها أصيب بقُرح فراش، وبعد ذلك نقلوني في غرفة بقسم آخر في الطابق الأعلي بالمستشفي».
واستطردت والدة الشاب المريض، أنها سعت من أجل أن يُكمل نجلها دراسته، وتمكنت من استكماله الصف الخامس الابتدائي في مدرسة الطلبة، ثم استكمل دراسته حتي الصف الثالث الثانوي العام، وذلك من خلال لجان خاصة تأتي له المستشفي، لافتة إلي أنها تمتلك جميع الأوراق التي تثبت مدي الإهمال الذي تعرض له نجلها.
واستكملت الأم: «كل ما اشتكي كانوا هما أقوي مني.. أنا كان مش عاجبني القعدة وإني أعيش حياتي داخل المستشفي لإن مفيش حد بيعيش في المستشفي.. أنا لدي 5 أولاد آخرين تركتهم دون رعاية من أجل ابني شهاب، فقدست حياتي لابني وكنت مقيمة في غرفة لي داخل المستشفي لرعايته ومفيش حد كان بيكشف عليه نهائيا.. 14 سنة وأنا محجوزة داخل المستشفي بجواره».
ولفتت إلي أن نجلها يقيم في المستشفي منذ أن كان طفلا دون أية حركة أو علاج طبيعي الأمر الذي تسبب في «ضغط مقعده علي عموده الفقري»، ما لزم تركيب «قسطرة» له نظرا لأنها لم تعد تقوي علي حمله كما أنه أصبح لا يستطيع التحكّم في نفسه، مضيفة أنه عندما قام الأطباء بالمستشفي بتركيب "قسطرة" له حدث «شرخ» في عضوه الذكري، فاستغاثت بأحد الأطباء بالمستشفي ولكن كان رده «مش مهم»، الأمر الذي تسبب في تفاقم المشكلة وحدث قطع تماما في عضوه الذكري، وتدهورت حالته وازدادت سوءا بسبب إهمالهم.
وتابعت أنها فوجئت بمطالبة المستشفي لها بسداد 120 ألف جنيه، وعندما سألت عن السبب كان الرد بأن نجلها ليس طالبا، مؤكدة أن نجلها حاليا في الصف الثالث الثانوي «علم علوم» وأن لديها الملف ورقم الجلوس الخاص به، «أنا مش ذنبي إن ابني كبر في السن داخل المستشفي والوزير صرح له بلجنة تأتي له داخل المستشفي لاستكمال تعليمه»، إلا أنه دون جدوي.
وأضافت أنها ظلت في حيرة هل تخرج بنجلها من المستشفي على مسؤوليتها الشخصية وهذا ما يسعي له المستشفي، أم تبحث عن طبيب ليحل تلك المشكلة، موضحة أنها ذهبت إلي هيئة التأمين الصحي وطلبت بأن تأتي لجنة من القاهرة أو من أي جهة ولكن لم يسأل فيها أحد، وكانت قد جهّزت الملف التعليمي لنجلها ورقم جلوسه منتظرة وصول اللجنة في أي وقت، وبعد أن طال انتظارها، ذهبت في شهر مايو 2017 إلي لجنة الامتحانات بمديرية التربية والتعليم بالإسكندرية وفوجئت بهم قاموا بإعداد ورقة وقالوا بأنهم «عملوا له قضية» بأن لا تُحسب له السنة الدراسية.
«مش عارفة ماذا حدث وراحت السنة عليه، وفوجئت بالمستشفي عايزيني أدفع 120 ألف جنيه دون إبداء السبب.. ظللت أسير في الشارع أُحدّث نفسي وأتساءل كيف يحدث ذلك، أنا ابني طالب وبيدرس» تقول والدة الشاب، مؤكدة أنها قامت بتحرير بلاغات بذلك ولكن دون جدوي، ثم علمت بعد ذلك بأن مديرة المستشفي بأن حالة نجلها «شهاب» جيدة ولا تستدعي إرسال لجنة له.
واستفاضت الأم الحياري: «فوجئت بعد ذلك بقيام المستشفي بقطع الكهرباء عن الغرفة التي تقيم فيها داخل المستشفي، كما أنهم منعوا الطعام عن نجلي علي مدار عام وكنت أُحضر الطعام والعلاج من خارج المستشفي لي ولابني، كل هذه الممارسات حتي أغادر المستشفي به والتوقيع علي خروجه علي مسؤوليتي الشخصية».
وأوضحت أن الدكتور علي حجازي، مساعد وزير الصحة رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى حاليا، كان وقتها رئيسا لهيئة التأمين الصحي بالإسكندرية، وقام بإرسال لجنة من الوزارة مكونة من طبيبتان، جاءتا لمعاينة حالة نجلها وخسائرها وقامتا بتصويره، ثم ذهبتا ولم تعودا مرة أخري، ثم جاءت طبيبة أخري تُدعي «ليلي» وسألتها عن مطالبها، فطالبت بأن يأتي طبيب لتوقيع الكشف علي نجلها وعلاجه خارج مستشفي جمال عبد الناصر، حيث لا أحد يتابع حالته أو أي يُعطيه أي علاج خلال السنوات الماضية من المستشفي.
وأشارت إلي أنها ذهبت إلي الدكتور مجدي حجازي، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية السابق، وأوضحت له حالة نجلها، فقال إنه من غير الممكن أن يخرج نجلها دون أن يوجد حل لمشكلته، ثم فوجئت به بعد ذلك يقول بأن حالة نجلها ليست تابعة لمديرية الصحة وإنما تتبع هيئة التأمين الصحي وليست من شأنه، متسائلة: «كيف ليست تابعة له وعندما طلبت النيابة الإدارية منه إرسال لجنة طبية لمعاينة حالة نجلها قام بإرسال عدد من الأطباء غير متخصصين في حالة نجلها حيث أحدهم تخصص «أنف وأذن» وآخر تخصص «رمد»، وغيره.
وأضافت: «فوجئت بعد ذلك، وفي نفس العام، بطبيب يُدعي "أ. أ" جاء ومعه شخص يعمل فرد أمن لديه في عيادته الخاصة يُدعي "م. ف"، فوجئت به صعد غرفة إقامتي وقام بتكتيفي من يدي حتي خُنقت، وأخذوا ابني في سيارة إسعاف ولا أعرف أين ذهبوا به، وكان ذلك بوجود لجنة أرسلها الدكتور على حجازى، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى حاليا، مكونة من طبيبين وبعض التابعين للهيئة وكان التابعين للهيئة يبكون علي مشهد ابني".
وتابعت: «عقب إفاقتي ظللت أسير في الشوارع دون حذاء لا أعرف أين ذهبوا بابني، وذهبت إلي النيابة العامة أكدوا أن من فعل ذلك هم رجال النيابة الإدارية»، مضيفة: "ليس من حق النيابة الإدارية حمل مريض وإلقائه في الخارج.. كانوا أخرجوني بورقة رسمية كان أرحم ليا، وأنا عمري ما خرجوني ورفضت لكن أخرج أروح بابني فين!! فين حقه علي الدولة؟ وجاءوا بأطباء لم أراهم من قبل، فأحدهم تخصص رمد وآخر تخصص أنف وأُذن لإعداد تقرير بحالته وهم في الحقيقة غير متخصصين في حالته، هل هذا حلال أم حرام؟!! ده لو جاي من إسرائيل مش هيعملوا فيه كده!! هل مريض في مثل حالة ابني يُفعل به وبي هكذا؟ خاصة وأنني مريضة أيضا ومصابة بشلل في ذراعي؟".
وأوضحت أن زوجها لا يقوي علي الحركة فهو "مصاب حرب" ومن أوائل من عبروا في حرب أكتوبر وظل 5 سنوات يُعالج من إصابته في الخارج، متسائلة هل يستحق نجل رجل مصاب حرب ودافع عن تراب مصر أن يحدث له كل هذا ويُرمي في النهاية داخل دار للمتسولين؟!!
وعادت الأم، والألم يعتصر قلبها، لتروي مشهد نقل نجلها من المستشفي، قائلة: «فوجئت بشخصين يرتدون بدلات، قاموا بخلع باب الغرفة التي أُقيم فيها أنا ونجلي، ظللت جالسة وابني بجواري عاريا لا يجد غطاءا، ولا أدري أين أذهب بابني وهو جسمه متقطع وأنا داخلة به المستشفي لا يعاني من قُرح فراش أو غيره والعملية التي أجراها لا أدري ماذا فعلوا به خلالها، وكنت كلما أردت الحصول علي تقرير طبي بحالته يعطوني تقرير أي كلام.. وفوجئت بأن حدث له تهتك ولا يوجد معي أي أشعة له، وكنت طلبت من الدكتور علي حجازي أثناء كان رئيسا لهيئة التأمين الصحي بمنطقة ستانلي، بعمل أشعة رنين لمعرفة ما يعاني منه ابني، رد قائلا «أنا مليش دعوة.. اذهبي للدكتور أشرف عبد الباقي»، وهو رئيس مستشفي جمال عبد الناصر الأسبق والذي توفته المنية منذ فترة، يعني يعتبر أنا أقدم حد في المستشفي وقاعدة وصابرة وتركت أولادي وحياتي اتدمرت، سيبت كله راح علشان ابني زي أنا دلوقتي ماهموت وهسيبه غير مطمئنة عليه بهذا الوضع الذي عليه».
وتابعت: «أولادي هم مَن أسرعوا وأحضروا "شهاب" من دار الهدايا قسم المتسولين، حيث أنهم ظنوا أنه ليس لديه أهل مثلما ادّعي مَن أحضروه إلي الدار كما ادّعوا أنهم وجدوه مُلقي في المستشفي منذ فترة طويلة ولا يوجد معه سوي امرأة عجوز»، مضيفة أنا أطالب بالمساعدة من أحد وإنما أطالب فقط بعلاجه، متسائلة: " شهاب ما مصيره.. حتي دراسته تم منعه من استكمالها ومعي ملفه ورقم جلوسه.. ده يرضي ربنا؟.
وأضافت: «ابني والده بطل من أبطال أكتوبر ومصاب حرب، هل هذا يُرضي رئيس الجمهورية؟ أنا عمري ما سمعت الحاجة دي حصلت في مصر نهائي، ولو السيد رئيس الجمهورية يعرف الحاجة دي مش هيسكت.. وأنا بعت فاكسات بس شكلها موصلتش للرئيس، معنديش حاجة تانية أقولها».
واختتمت: «شهاب عايش مرمي في البيت.. وحياتي راحت.. وخرجت من المستشفي لم أجد أهلي حيث وجدتهم توفوا جميعهم.. أنا تقدمت بحوالي 160 بلاغ بحالة ابني حتي يغيثنا أحد، وقامت المستشفي بسرقة أشياء ابني حيث كان قد تبرع رجل أعمال له بشاشة عرض وأيضا كرسي متحرك استولوا عليهم.. وكل البلاغات لا يوجدرد عليها حتي الآن، كما تقدمت بالكثير من الشكاوي لوزير الصحة السابق والحالي، ولو أنني كاذبة يتم محاسبتي».
كما التقت «أهل مصر» مع «شهاب»، صاحب المأساة، كان مُستلقيا علي سرير لا يُحرك ساكنا، يحاول أن يتناسي آلامه من خلال مشاهدة التلفاز، فاقدا الأمل في الحياة، لا يشغل باله بما يدور حوله، وبدأ يروي تفاصيل مأساته، حيث أوضح أنه قد أُصيب بخلع في مفصل الحوض الأيمن وهو في الصف الخامس الابتدائي أثناء حصة الألعاب حيث قام زملاؤه أثناء لعبهم بالضغط علي قطعة حديد في خلف الكرسي المتحرك الذي كان يجلس عليه فسقط من فوق الكرسي علي مسافة حوالي 6 أمتار علي الأرض مما أدي لإصابته.
وأضاف «شهاب»، أن هيئة التأمين الصحي قامت بإرساله إلي معهد ناصر بالقاهرة وأجري هناك عملية تم فيها تركيب "شريحة ومسامير"، ثم تم تحويله إلي مستشفي جمال عبد الناصر وظل محجوز داخلها 14 سنة دون علاج، الأمر الذي أدي لإصابته بـ«سدة رئوية» بسبب الإهمال.
وأشار إلي أنه بعد معاناة شديدة داخل المستشفي انتهي به الحال بأن قاموا بإلقائه في دار الهدايا للمتسولين الذين ليس لهم أهل.
واختتم في يأس «أنا الآن مش عارفلي حل ولا علاج وعمري كله راح في المستشفي، واتدمرت تدمير شامل وعايش في عُزلة بين 4 جدران، وإهمال ومضاعفات صحية، بس لي رب اسمه الكريم».
نقلا عن العدد الورقي