وكيل "أوقاف الإسكندرية": العفة من أعظم مقامات الصّبر (صور)

نظمت مديرية أوقاف الإسكندرية بقيادة الشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، أمسيات دينية بالمساجد تحت عنوان "الإسلام دين القصد والعفاف"، وذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بنشر سماحة ووسطية الإسلام وبيان ماجاء به من يسرا ونبذه للعنف والتشدد والغلو فى الدين.

وعن الإسلام دين القصد والعفاف، قال وكيل وزارة الأوقاف، إنه روى النسائي في سننه أنه كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله "وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ"، وفي سنن الترمذي بسند حسن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-"ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ"، فالإسلام هو دين القصد والعفاف، والتوازن والاعتدال، والأخلاق السامية.

وتابع العجمي، أن القصد هو التوسط والاعتدال وعدم الاسراف والتبذير، أو الشح والتقتير، فالإسلام دين متوازن يقرن بين مطالب الجسم والنفس في تعاليمه، ويكفُّ طغيان أحدهما على الآخر، ففي حين فشلت الفلسفات البشريَّة في التوفيق بين ضرورات البدن وأشواق الروح، نجح الإسلام في ذلك؛ لأن المؤمن يُقَسِّم آماله ورغائبه على معاشه ومعاده، ويطلب الخير لنفسه في يومه وغده، وقد جاء في النصح لقارون ما يؤكِّد العمل للحياتين معًا قال تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"، ومن هنا فالإسلام يوصي المرء ألاَّ يكون عبدَ بطنه؛ يمْعِنُ في التشبُّع والامتلاء، فلا يصلح للأعمال الجليلة من جهاد وتضحية، فقد رُوِيَ عن النبي: "مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ" رواه الترمذي.

وأضاف أن الحقُّ أنَّ ملذات الطعام وحطام الدنيا أنزل قَدْرًا من أن يتفانى الناس فيها على النحو الشائن الذي نراه، بل ينبغي التوسُّط والاعتدال دون إفراط ولا تفريط؛ فإنَّ تحريم الحلال كتحليل الحرام، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ويوصي الإسلام أيضًا بالاعتدال في ارتداء الملابس، وعدم التعالي أو الخيلاء بها، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا" رواه ابن ماجة، فالاستغناء عن الفضول والاكتفاء بالضرورات من آيات الاكتمال في الخُلق.

وأوضح العجمى، أن هناك فرق كبير بين مَنْ يُزَخْرِف ظاهره ويُهمِل باطنه، مضيِّعًا وقته في ذلك، وبين مَن يجعل همَّه حقيقته واستكمال مروءته، ثم هو لا يُهْمِل -مع زحمة الواجبات- ارتداءَ ما يَجمل به ويلقى الناس فيه، والإسلام يستحبُّ البساطة المطلقة في تأسيس البيوت وتأثيثها، ويوصي بنبذ التكلُّف والمبالغة في هذه النفقات، وهو مع هذا لا يأبى أن تُقام الحصون بروجًا مشيَّدة، وأن تُبنى المدارس، والجامعات، والملاجئ، والمحاضن، والمستشفيات، ويُنْفَق في بنائها الألوف المؤلفة؛ لأنها من المصالح العامَّة للأُمَمِ الباقية على مرِّ العصور والأزمان، فالإسلام يريد أن يجتثَّ جذور الترف من حياة الفرد ومعيشة الجماعة؛ حتى يسلم للأُمَّة كيانها ويبقى تماسكها.

وأكد على أن التوسُّط لبُّ الفضيلة، والتوسُّط هنا أن تملك الحياة لتُسَخِّرَها في بلوغ المُثُل العليا، لا أن تملك الحياة فتُسَخِّرك لدَنَاياها، ولا أن تُحْرَم من الحياة أصلاً فتقعد ملومًا محسورًا.

ولفت إلي أنه قد جاء في "لسان العرب" أن العِفّة هي الكَفُّ عما لا يَحِلّ، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ وهو الكَفُّ عن الـحرام، وقد بيّن العلماء أن العفاف نوعان الأول العفّة عن الأطماع وسؤال النّاس، والنوع الثاني العفّة عن الزّنا لذلك سئل ابن عبّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن العفيف من هو؟ فقال: "التَقِيُّ الَّذِي إِذَا خَلاَ بِالحَسْنَاءِ خَافَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَصَّنَ فَرْجَهُ "، وحدّ العفّة أن تغضّ بصرك وجميع جوارحك عن الأجسام الّتي لا تحلّ لك، فما عدا هذا فهو عُهر وما نقص حتى يمسك عمّا أحل الله تعالى فهو ضعف وعجز، والعفّة من أعظم الخصال الّتي يتّصف بها الإنسان، حتّى إنّ فاقدها ليجد أنّ العفّة هي أعظم ما حُرِم منها، ويطمع أن يتحلّى، مضيفا أن العفة من خصال أصحاب الشّرف والمروءة: جاء في "الآداب الشّرعيّة" لابن مفلح رحمه الله: "وسئل عبد الله بن عمر عن السّؤدد فقال: نَحْنُ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَعُدُّ الحِلْمَ وَالجُودَ السُّؤْدُدَ، وَنَعُدُّ العَفَافَ وَإِصْلاَحَ المَالِ المُرُوءَةَ"، وقال أبو عمرو بن العلاء: "كان أهل الجاهليّة لا يسوِّدون إلاّ من كانت فيه ستّ خصال وتمامها في الإسلام سابعة: السّخاء، والنّجدة، والصّبر والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام: زيادة العفاف".

وتابع: "العفة من خصال أهل الإيمان بل إنّ الله جعل العفّة رابع خصالهم، كيف لا والعفّة هي على قمّة الحياء، والحياء هو الإيمان؟ روى الطّبرانيّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ! الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ" ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الحَيَاءَ وَالعَفَافَ وَالعَيَّ مِنَ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ وَيَنْقُصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْقُصْنَ مِنَ الدُّنْيَا" سنن البيهقي .

واختتم العجمى حديثه قائلا: "العفة من أعظم مقامات الصّبر، فما من فضل وعد الله به الصّابرين إلاّ والعفيف في مقدّمة هؤلاء، لأنّ العفّة هي الكفّ، وذاك هو عين الصّبر، وكلّما كثر الدّاعي للفاحشة وسهل اقترافها كان العفيف أكثر أجرا وأعظم ذخرا، ولهذا جاء في "المسند" وغيره عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ"، واستحقّ السّبعة المذكورون في الحديث الّذين يظلّهم الله في ظلّ عرشه لكمال صبرهم ومشقّته، ويؤيّد ذلك أنّ الله جعل حدّ الزّاني المُحصَن أشدّ وأغلظ من غيره، لقلّة الدّاعي في حقّه، وأهل العفّة ينالون عون الله ففي سنن التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ"، والشّرع اعتبر العفّة حصنا فلا شكّ أنّ الزّواج من الحصون المنيعة ضدّ الرّذيلة والأفعال الخليعة، ولكنّ الله جعل العفّة بذاتها حصنا لغير المتزوّج، وتأمّل كيف سمّى الله العفيفات في قوله: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ" أي: العفيفات، فصوّر لك التحلّي بهذا الخلق الرّفيع كأنّه حصن حصين وحرز متين، وأمّا خلق العفّة فيصدر منه السّخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلةّ الطمع".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مجلس النواب يرفع جلساته العامة لـ 20 أكتوبر الحالي