زعم عاموس غلعاد، وهو ضابط إسرائيلي برتبة لواء في الاحتياط، أنه يتحدث الآن عن مجريات حرب لبنان، في العام 1982، أي بعد مرور 36 عاما، بصورة منفتحة ومن دون خوف، ويوجه الاتهامات إلى قيادة الموساد بأنهم كذبوا وزرعوا الأوهام لدى الحكومة الإسرائيلية، برئاسة مناحيم بيغن، في حينه، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الكتائب اللبنانية والدور الإسرائيلي في المجزرة، الذي يصفه بـ"غير المباشر" في مجزرة صبرا وشاتيلا.
وكان غلعاد حينذاك ضابطا برتبة رائد، لكنه ترقى بعد ذلك وتولى عدة مناصب أمنية، بينها منسق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية ورئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن، وتسرح برتبة لواء. وكان المسؤول عن الاتصالات مع قادة دول عربية بينها مصر والأردن ودول خليجية. ويعتبر غلعاد، في العقدين الأخيرين، أحد الأشخاص المؤثرين، وبشكل خاص على القيادة والسياسيين في إسرائيل.
وقال غلعاد في مقابلة أجراها معه المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، ونُشرت اليوم، الجمعة، إن "قصة (حرب) لبنان الأولى هي فشل مزعزع، وبالكاد يتحدثون عنه اليوم. والسياسة التي قادت إلى الحرب استندت إلى فكرة الارتباط مع الكتائب وصنع سلام مع دولة عربية ثانية (بعد مصر)". وادعى أن الكتائب اللبنانية "نجحت في إسقاطنا بالفخ" من خلال تسليحهم وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
وتحدث غلعاد عن علاقاته واتصالاته مع قياديين لبنانيين، بينهم بيير الجميل وكميل شمعون وبشير الجميل، الذي أصبح رئيسا للبنان، وذلك منذ بداية الاجتياح الإسرائيلي. "رغم رتبتي المتدنية... كنت ضالعا بالطبع في الاتصالات العسكرية والاستخبارية مع المسيحيين. وتوصلت بسرعة كبيرة للاستنتاج أن الكتائب هم أناس لا يُعتمد عليهم".
وبحسب غلعاد، فإنه كان لبيير الجميل تأثير كبير على ابنه بشير، وأنه كان يقول للإسرائيليين "إننا بحاجة إليكم من أجل طرد الفلسطينيين"، وفسر أقواله حول اتفاق سلام إسرائيلي – لبناني بأنه "نحن نكرهكم (الإسرائيليين) لكننا نكره الفلسطينيين أكثر"، وأنه في جميع الأحوال لن يتم التوصل لاتفاق سلام كهذا، "والانطباع لدي كان أن الابن تبنى هذا الموقف".
وتابع غلعاد، الذي كان أحد الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم أمام "لجنة كاهن" الرسمية الإسرائيلية التي حققت في مجزرة صبرا وشاتيلا، أنه "حاولت التحذير (من العلاقة مع الكتائب)، لكن اصطدمت بسور محصن. وقد قاد الموساد هذه العلاقة، وتم رفض أي انتقاد ضده... وقيادة الجيش الإسرائيلي أيضا آمنت بأن الكتائب هم الحليف الذي سينفذ العمل لمصلحتنا (بطرد الفلسطينيين من لبنان) ويجلب السلام. وربما عندها – ولم أسمع ذلك شخصيا لكن هذا انطباعي – يتم نقل الفلسطينيين من لبنان إلى الأردن، وسيكون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين. كانت هناك أفكار حمقاء عديدة".
وتحدث غلعاد عن زياراته إلى لبنان قبل الحرب وخلالها. وقال إنه "كنت شاهدا على لقاء مذهل بين بشير (الجميل) وشارون (وزير الأمن الإسرائيلي حينئذ أريئيل) شارون. شاهد سلبي، لأنه لم يكن بإمكاني التحدث خلاله. وقال له شارون: ’حان الوقت لأن تنفذ الملقى عليك’،. أي تغير الواقع في لبنان، أي توقيع اتفاقية سلام على الأقل. وقال هذا الوقح بشير: ’لا يمكنني فعل ذلك. أريد أن أكون رئيسا لجميع اللبنانيين’. لن أنسى هذا أبدا، فهو قال عمليا لشارون إن ’جميع نظرياتكم مفندة’".
وأشار غلعاد إلى أنه في العام 1982 كان هناك خط طيران عسكري مباشر بين مطار اللد وبيروت، وكانت طائرات الشحن العسكرية من طراز "هيركوليس" تحلق في كلا الاتجاهين. وفي إحدى هذه الرحلات الجوية، التقى غلعاد فور هبوطه في بيروت مع العميد حينئذ مئير داغان (الذي أصبح رئيس الموساد لاحقا)، والذي اصطحبه إلى غرفة القيادة الأمامية، المتواجدة في فيلا كان يملكها ثري كويتي، حيث التقى مع ضابط مديرية قيادة الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي، العميد موشيه تسوريخ، الذي قال له: "لدينا فكرة عبقرية.سندخل الكتائب لمعالجة أمر الإرهابيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، كي لا نشكل خطرا على الجنود الإسرائيليين. فصرخت بكل قوة، وكنت أرتجف: ’ هل جُننتم؟ الكتائب يعني ايلي حبيقة. هذا سيؤدي إلى مجزرة. لا يوجد احتمال ألا تحدث مجزرة. ولست واثقا أيضا أنه يوجد مخربون هناك. هناك نساء وأولاد سيقتلونهم. ونظر إليّ قائد الجبهة الشمالية اللواء أمير دروري ولم يقل كلمة واحدة. وقد تحدثت عن هذه المحادثة أمام لجنة كاهان".
وتابع غلعاد أنه أبلغ قيادة الجيش الإسرائيلي بعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، وقال إنه "لأسفي، لم تتلقى القيادة السياسية الصورة الصحيحة. ورئيس الحكومة مناحيم بيغن وقع في الفخ. لقدى تلقى تقارير عن معارك بادر إليها السوريون من أجل ذبح الكتائب في زحلة. وأنا ادعيت حينها أن النظام السوري العلوي، وهو أقلية في بلده، نظر إلى الكتائب على أنها أقلية، وكان هناك حلف أقليات ضد السنة والشيعة. والسوريون لم يرغبوا بذبح المسيحيين بأي حال".
وتطرق غلعاد إلى عبر استخلصها من حرب لبنان الأولى، وقال إن "العبرة الأولى ذات علاقة بسياق (رئيس النظام السوري بشار) الأسد. يقولون ’دعونا نسقطه، ونغير النظام في سورية". وأشار في هذا السياق إلى فشل إسرائيل عندما نصبت بشير الجميل رئيسا للبنان، وإلى مثال آخر عندما حاولت تشكيل "روابط القرى"، وهم مخاتير فلسطينيون محليون كقيادة للفلسطينيين في الضفة الغربية. وأضاف أن "هذا لم ينجح. تماما مثلما فشلنا مع الكتائب. بالمقابل لدينا قدرات أخرى، وقد أثبتناها في السنوات الأخيرة، وهي تطوير علاقات ثقة وأمن مع دول عربية كانت من أسوأ أعدائنا" في إشارة إلى العلاقات بين إسرائيل ودول خليجية على رأسها السعودية.