كشفت نتائج الحرب السورية بعض المفاهيم التي تتجسد بفشل المشروع الأمريكي الغربي على تموضع القوى الجيوسياسية الدولية، وشكلت بداية زلزال في العلاقات الدولية، ويحتاج فهم تداعيات هذا الزلزال إلى مرونة في التفكير وتلقي المواقف وقياسيها.
واعتبر الكاتب اللبناني والباحث في الشؤون الدولية ناصر قنديل في مقال نشرته جريدة "البناء" اللبنانية أن ما يحدث من تطورات دولية في هذه الأيام تشكل بدايات لتبلور مشهد دولي جديد، وتساءل "هل بدأ زمن تفكّك الغرب الذي عرفناه تقليدياً بقيادة أمريكية؟ وهل تلعب الجغرافيا السياسية التي جذبت روسيا كلاعب إقليمي لعبتها الآن مع أوروبا بعدما صارت أمريكا لاعباً إقليمياً في شرق آسيا بقوة الجغرافيا السياسية ومفاعيلها ذاتها؟".
وأكد الكاتب أن زلزالاً شهدته العلاقات الدولية لا زال في بداياته، وأن فهم الاستنتاجات والخلاصات يحتاج لمرونة في التفكير وتلقي المواقف وقياسها ومحاولة فهمها. ومَن يراقب التحوّل الذي شهدته التصرفات الروسية خلال ثلاثة أعوام منذ قرار التموضع العسكري في سورية وتحمّل تبعاته كقرار استراتيجي يحمل تحدياً واضحاً وعلنياً لما كان سائداً من قواعد رسمتها أمريكا على الساحة الدولية عموما، وساحة المنطقة خصوصاً، ويراقب تدريجياً ما أصاب الاتحاد الأوروبي من ملامح تفكك بدأت طلائعها مع الانسحاب البريطاني، سواء لجهة كيفية التعامل مع الحرب في سورية وعليها، أو في التعامل مع إيران، أو في التعامل مع روسيا، وما في كل ذلك من ارتباك وتذبذب، ومقابله العلاقات الأوروبية الأميركية.
وأضاف قنديل أن الانسحاب الأمريكي السلبي من التفاهم النووي الإيراني دون السعي لإسقاط التفاهم ولا الذهاب لحرب مع إيران يعبر عن الانكفاء الأمريكي العملي من ملفات المنطقة رغم بقاء ملامح انتشار عسكري وسياسي. مضيفا إلى ذلك "الانسحاب الأمريكي من ملف تسوية القضية الفلسطينية، والاكتفاء بإعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال ولو كانت النتيجة تفجير مشاريع التفاوض ونقل الشارع الفلسطيني وقواه السياسية إلى حالة مواجهة بذلت واشنطن الكثير لتفاديها".
وأشار الكاتب إلى أن هذه التغيرات تكشف أن قواعد السياسة الدولية تتغيّر نوعياً، وأن ما جعل روسيا تترجم عالميتها بالتحوّل لقوة إقليمية في المنطقة، هو ذاته يجعل أوروبا كذلك، ويدفع أمريكا بقوة الجغرافيا إلى خارج المنطقة.
ورأى الكاتب أن "العنتريات الأمريكية في الملف النووي لكوريا الشمالية كشفت هزال السياسة الخارجية والأمنية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تلاقى مستشار أمنها القومي جون بولتون ونائب الرئيس مايكل بنس، على تبشيرها بالخيار الليبي، واضطر رئيسها ترامب نفسه لنفي التشبيه وثم الإصرار على بقاء التفاوض رغم الإعلان الكوري عن التشكيك في جدواه. وعاد فأعلن إلغاء القمة مع الزعيم الكوري بسبب الصدّ والممانعة الكوريين، ليعود فيوسّط رئيس كوريا الجنوبية ويرسل وفداً إلى كوريا الشمالية يتبعه وصول وزير الخارجية مايك بومبيو لتقديم ضمانات رسمية طلبتها كوريا للإبقاء على القمة، ويعلن ترامب مجدداً أنه يتطلّع لعقد القمة ويعد كوريا بالمَنّ والسلوى".
وحول الملف النووي الإيراني ذكر الكاتب أن "أمريكا بدت متشدّدة ومتصلّبة وفي منحى تصعيدي تجاه الملف النووي الإيراني، وصولاً لعدم سماع أصوات الاستغاثة الأوروبية بعدم تطبيق العقوبات على شركاتها ومصارفها التي ستبقى ضمن خط التعامل التجاري مع إيران من ضمن التزام الحكومات الأوروبية بالتفاهم الموقع والمصدّق عليه من مجلس الأمن الدولي برضا وقبول واشنطن نفسها، حتى عندما بلغت الأصوات الأوروبية حدّ التحذير من أنها ستنفرد عن أمريكا وتصون التفاهم لم تلقَ إصغاء واشنطن، وترافق التصعيد الأمريكي مع تهديد إسرائيلي متواصل وتصعيد محسوب ومتقطع على الجبهة السورية تحت عنوان الدعوة لانسحاب إيران و"حزب الله".